Summary of Islamic Creed Simplification - Edition 6
مختصر شرح تسهيل العقيدة الإسلامية - ط ٦
प्रकाशक
مدار الوطن للنشر
संस्करण संख्या
السادسة؛ كما جاء صريحا في مقدمة المؤلف خلافًا لما أثبته الناشر على الغلاف
प्रकाशन वर्ष
١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م
प्रकाशक स्थान
المملكة العربية السعودية
शैलियों
مُختَصَر شَرح تَسهيل العَقيدة الإسلاميَّة
وضع في أول هذا المختصر (متن تسهيل العقيدة)
تأليف
أ. د عَبد الله بن عَبد العَزيز الجِبرِين
عضو الإفتاء سابقًا
والأستاذ المتقاعد بجامعة الملك سعود بالرياض
الطَّبعَةُ الخامِسَة [*] (١٤٣٨ هـ)
مدَارُ الوَطنِ للنَّشر
_________
[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كذا أثبته الناشر، وقد صرح المؤلف ﵀ في المقدمة ص ٤ أنها السادسة، (أما الخامسة فقد صدرت عن مكتبة الرشد عام ١٤٣٥)
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
حقوق الطبع محفوظة
إلا لمن أراد طبعه، وتوزيعه مجانًا، بدون حذف أو إضافة أو تغيير فله ذلك وجزاه الله خيرًا
الطَّبعَةُ الخامِسَة
(١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م)
مدار الوطن للنشر
المملكة العربية السعودية - الرياض
ص. ب ٢٤٥٧٦٠ الرمز البريدي ١١٣١٢
المقر الرئيسي - الروضة - ت: ١١٢٣١٣٠١٨
ت: ١١٤٧٩٢٠٤٢ (٣ خطوط) - ف: ١١٢٣٢٢٠٩٦
فرع مخرج ١٥ ت: ١١٤٤٥٤١٢٤ جوال: ٠٥٠٣٢٨٢٣١٨
K.S.A / Riyadh ١١٣١٢ P.O.Box: ٢٤٥٧٦٠
Rawdah / Tel.: ١١٢٣١٣٠١٨ Fax: ١١٢٣٢٢٠٩٦
Exit ١٥ - Tel.١١٤٤٥٤١٢٤ Mop. ٠٥٠٣٢٨٢٣١٨
مندوبي التوزيع
الرياض: ٠٥٠٣٢٦٩٣١٦ الغربية: ٠٥٠٤١٤٣١٩٨
الشرقية الشمالية: ٠٥٠٣١٩٣٢٦٨
التوزيع الخيرى الجنوبية: ٠٥٠٣١٩٣٢٦٩
مسؤل الجهات الحكومية: ٠٥٠٠٩٩٦٩٨٧
الموقع الإلكترونى www.madaralwatan.com.sa
البريد الإلكترونى pop@madaralwatan.com.sa
madaralwatan@hotmail.com
madaralwatan2020@gmail.com
1 / 2
بسم الله الرحمن الرحيم
المُقَدِّمَة
الحمد لله حمدًا كثيرًا كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وإمامنا وسيدنا وقدوتنا محمد بن عبد الله عبدُ الله ورسولُه، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فمن نعمة الله عليَّ أن وفقني لتأليف كتاب في العقيدة أسميته "شرح تسهيل العقيدة الإسلامية"، وكنت قد توسعت في حواشي هذا الكتاب في تخريج الأحاديث والآثار التي أوردتها في متنه، كما توسعت في الحواشي في تفصيل بعض المسائل، وفي ذكر مراجعها، وفي نقل أقوال توثيقية لما ذكرته في المتن من أقوال العلماء من المذاهب الأربعة كافة ومن أقوال علماء السلف والأئمة المجتهدين، ليرجع إليها من أراد التوسع في هذه المسائل.
وقد رأيت أن أقوم بطبع هذا الكتاب طبعة خاصة بالطلاب وغير المتخصصين، فقمت باختصاره، وذلك بحذف أكثر الحواشي، وباختصار المتن في مواضع يسيرة، وقد أسميت هذا المختصر: بـ "مختصر شرح تسهيل العقيدة الإسلامية".
1 / 3
وهذه هي الطبعة السادسة لهذا المختصر - ولله الحمد -، وقد أجريت عليها بعض الإضافات والتنقيحات اليسيرة.
أسأل الله أن ينفع به كاتبه وأن ينفع به كثيرًا من عباده.
وأحمد الله تعالى كما ينبغي لصفاته، وأشكره ﷿ كما ينبغي لنعمه عليَّ وعلى جميع خلقه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا. حرر في يوم الإثنين ٤/ ٨/ ١٤٣٨ هـ.
قاله وكتبه الفقير إلى عفو ربه وكرمه
عبد الله بن عبد العزيز الجبرين
1 / 4
مُختَصَر شَرح تَسهيل العَقيدة الإسلاميَّة
تأليف
أ. د عَبد الله بن عَبد العَزيز الجِبرِين
عضو الإفتاء سابقًا
والأستاذ المتقاعد بجامعة الملك سعود بالرياض
الطبعة الخامسة ١٤٣٨ هـ
1 / 21
بسم الله الرحمن الرحيم
التمهيد
ويشتمل على ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: بيان بعض المصطلحات العقدية، وتعريفها
ونبدأ هذه المصطلحات بذكر تعريف العقيدة نفسها.
١ - فالعقيدة في اللغة: مأخوذة من العقد، وهو الشد والربط والإيثاق والثبوت والإحكام.
وفي الاصطلاح: الإيمان الجازم بالله تعالى، وبما يجب له من التوحيد، والإيمان بملائكته وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشرِّه، وبما يتفرع عن هذه الأصول ويلحق بها مما هو من أصول الدين.
وقد أطلق كثير من السلف على العقيدة الصحيحة اسم (السُّنَّة)، وذلك لتمييزها عن عقائد ومقولات الفرق الضالة، لأن العقيدة الصحيحة - وهي عقيدة أهل السنة والجماعة - مستمدة من سنة النبي ﷺ، التي هي مبينة للقرآن.
وقد ألَّف بعض السلف كتبًا في العقيدة أسموها (السنة)، ومنها كتاب (السنة) للإمام أحمد بن حنبل، وكتاب (السنة) لابن أبي عاصم، وغيرهما.
كما أطلق بعض العلماء على العقيدة اسم (أصول الدين)، وذلك أن ملة
1 / 22
النبي ﷺ تنقسم إلى اعتقاديات وعمليات، والمراد بالعمليات علم الشرائع والأحكام المتعلقة بكيفية العمل، كأحكام الصلاة والزكاة والبيوع وغيرها، وتسمى (فرعية)، أو (فروع)، فهي كالفرع لعلم العقيدة، لأن العقيدة أشرف الطاعات، ولأن صحتها شرط في قبول العبادات العملية، فإذا فسدت العقيدة لم تقبل العبادة، وبطل أجرها، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٦٥)﴾ [الزمر: ٦٥].
هذا وقد أطلق بعض العلماء على العقيدة اسم (الفقه الأكبر)، وذلك لأن العقيدة هي أصل الدين، والفقه العملي - الذي يسمى (الفقه الأصغر) - فروعه، كما سبق.
وقد ألّف الإمام أبو حنيفة رسالة في العقيدة أسماها (الفقه الأكبر).
٢ - أهل السنة والجماعة:
هم أصحاب رسول الله ﷺ ومن تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة.
وهم: المتمسكون بالعقيدة الصحيحة الخالية من شوائب البدع والخرافات وهي العقيدة التي كان عليها رسول الله ﷺ واتفق عليها أصحابه ﵃.
وقد سُمُّوا (أهل السنة) لعملهم بمقتضى سنة النبي ﷺ المبينة للقرآن، عملًا بقوله ﷺ: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضّوا عليها بالنواجذ"، فهم يعلمون أن هدي
1 / 23
النبي ﷺ خير الهدي، فقدموه على هدي من سواه.
وسُمُّوا (الجماعة) لأنهم اجتمعوا على اتباع سنة النبي ﷺ وما أجمع عليه سلف هذه الأمة، فهم قد اجتمعوا على الحق، وعلى عقيدة الإسلام الخالية من الشوائب.
وأيضًا فقد سمى النبي ﷺ الفرقة الناجية المتبعة لسنته وطريقة أصحابه - وهم أهل السنة والجماعة - سماهم (الجماعة)، فقد ثبت عن معاوية بن أبى سفيان ﵄ قال: قال النبي ﷺ: "إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة - يعني الأهواء - كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة، وإنه سيخرج في أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكَلَبُ (^١) بصاحبه .. ".
وهذه التسمية (أهل السنة والجماعة) وصف صادق يميز أهل العقيدة الصحيحة وأتباع الرسول ﷺ عن الفرق الأخرى التي تسير على غير طريقة النبي ﷺ، فمن هذه الفرق من يأخذ عقيدته من عقول البشر وعلم الكلام الذي ورثوه عن فلاسفة اليونان، فيقدمونها على كلام الله وسنة رسول الله ﷺ، فيردون النصوص الشرعية الثابتة أو يؤولونها لمجود أن بعض العقول البشرية لم تقبل أو لم تستسغ ما دلت عليه هذه النصوص. ومن هذه الفرق: الفلاسفة، والقدرية، والماتوريدية، والجهمية، والمعتزلة، والأشاعرة الذين
_________
(^١) الكَلَب بفتح اللام مرض يصيب الكلب، فيصيبه شبه الجنون، فإذا عض إنسانًا أصيب الإنسان بهذا المرض، وأصيب بالعطش الشديد، ولا يشرب، حتى يموت. ينظر النهاية ٤/ ١٩٥، لسان العرب ١/ ٧٢٣.
1 / 24
قلَّدوا الجهميَّة في بعض آرائهم.
ومن هذه الفرق من يأخذ عقيدته من آراء مشايخهم وأئمتهم المبنية في كثير من الأحيان على الهوى، كالصوفية والرافضة وغيرهم، فيقدمون كلامهم على كلام الله وكلام رسوله خير البشر محمد ﷺ.
كما أن هذه الفرق منها من تنتسب إلى من أسسها وأنشأ أصولها العقديَّة، كالجهمية نسبة إلى جهم بن صفوان، والأشاعرة نسبة إلى أبي الحسن الأشعري - وإن كان الأشعري رجع عن هذه العقيدة إلى عقيدة أهل السنة والجماعة، لكن مقلِّدوه استمروا على عقيدته المخالفة لطريقة النبي ﷺ التي رجع عنها -، والأباضية نسبة إلى عبد الله بن أباض، وغيرهم.
ومن هذه الفرق من تنتسب إلى بعض آرائها العقدية المخالفة للهدي النبوي، أو إلى بعض أفعالها السيئة، كالروافض نسبة إلى رفضهم إمامة أبي بكر وعمر وتبرئهم منهما، والقدرية نسبة إلى نفي القدر، والخوارج نسبة إلى الخروج على الولاة، وغيرهم.
فعصم الله أهل السنة من الانتساب والاتباع لغير سنة المعصوم من الخطأ والزلل رسول الله محمد بن عبد الله ﷺ، المؤيد بالوحي من السماء، والذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فليس لهم اسم ينتسبون إليه سوى (السنة).
وقد أطلق بعض العلماء على أهل السنة اسم (أصحاب الحديث) أو (أهل الحديث)، وذلك لأنهم اهتموا بأحاديث النبي ﷺ رواية ودراية، واتبعوا ما جاءت به من العقائد والأحكام.
1 / 25
و(الحديث) و(السنة) لفظان معناهما متقارب.
وأهل السنة كذلك هم الفرقة المنصورة (^١) إلى قيام الساعة، الذين ذكرهم النبي ﷺ بقوله: "لن تزال طائفة من أمتي منصورين، لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة" رواه البخاري ومسلم، وغيرهما.
وهم الفرقة الناجية المذكورة في حديث معاوية الذي سبق ذكره قريبًا، وغيره.
٣ - السلف:
السلف في اللغة: الجماعة المتقدمون: يقال: سلَف يسلُف أي مضى، وسلَفُ الإنسان: آباؤه المتقدمون.
وفي الاصطلاح: هم أصحاب النبي ﷺ ومن تبعهم وسار على طريقتهم من أئمة الدين من آهل القرون الثلاثة المفضلة.
٤ - الخَلَف:
الخلف في اللغة: المتأخر، وكل من يجيء بعد من مضى.
وفي الاصطلاح: من خالف طريقة النبي ﷺ وأصحابه في باب العقائد كالخوارج والرافضة، وكأهل الكلام الذين قدموا العقل البشري على النصوص الشرعية: كالجهمية والمعتزلة والأشاعرة والقدرية والمرجئة وغيرهم.
_________
(^١) أي التي أيدها الله تعالى وقواها على من خالفها وعاداها، وجعل الغلبة لها.
1 / 26
المسألة الثانية: خصائص العقيدة الإسلامية
الخصائص: جمع خصيصة.
والخصيصة: هي الصفة الحسنة التي يتميّز بها الشيء ولا يشاركه فيها غيره.
وخصائص العقيدة الإسلامية كثيرة، نكتفي بذكر اثنتين منها:
١ - أنها عقيدة غيبية:
الغيب: ما غاب عن الحس، فلا يدرك بشيء من الحواس الخمس: السمع والبصر واللمس والشم والذوق.
وعليه فإن جميع أمور العقيدة الإسلامية ومسائلها التي يجب على العبد أن يؤمن بها ويعتقدها من الغيب، كالإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر، وعذاب القبر ونعيمه، وغير ذلك من أمور الغيب التي يُعتَمَد في الإيمان بها على ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.
وقد أثنى الله تعالى على الذين يؤمنون بالغيب، فقال ﷾ في صدر سورة البقرة: ﴿الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ الآية.
٢ - أنها عقيدة توقيفية:
فعقيدة الإسلام موقوفة على كتاب الله، وما صح من سنة رسوله محمد بن عبد الله ﷺ، فليست محلًا للاجتهاد، لأن مصادرها توقيفية.
وذلك أن العقيدة الصحيحة لابد فيها من اليقين الجازم، فلابد أن تكون
1 / 27
مصادرها مجزومًا بصحتها، وهذا لا يوجد إلا في كتاب الله وما صح من سنة رسوله ﷺ.
وعليه فإن جميع المصادر الظنية، كالقياس والعقل البشري لا يصح أن تكون مصادر للعقيدة، فمن جعل شيئًا منها مصدرًا للعقيدة فقد جانب الصواب، وجعل العقيدة محلًا للاجتهاد البشري الذي يخطئ ويصيب.
ولذلك أخطأ أهل الكلام كالجهمية، والمعتزلة، والأشاعرة، حينما جعلوا العقل مصدرًا من مصادر العقيدة، وقدموه على النصوص الشرعية، حتى أصبح القرآن والسنة عندهم تابعين للعقل البشري، وهذا فيه نوع استهانة بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، كما أنهم بهذه الطريقة جعلوا عقيدة الإسلام خاضعة لآراء البشر واجتهاداتهم العقلية.
والحق أن العقل مؤيد للنصوص الشرعية، فالعقل الصريح يؤيد النص الصحيح، ولا يعارضه، وما توهمه المعطلة والمؤولة من التعارض بينهما فهو بسبب قصور عقول البشر، ولذلك فإن ما قد يراه أحدهم متعارضًا قد لا يراه الآخر كذلك، وهكذا.
وعليه فإن العقل يعتبر مؤيدًا للنصوص الشرعية في باب العقائد وغيرها، وليس مصدرًا مستقلًا للعقيدة، فلا يجوز أن يستقل بالنظر في أمور الغيب، ولا فيما لا يحيط به علمًا، والبشر لا يحيطون علمًا بالله ولا بصفاته، كما قال تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (١١٠)﴾ [طه: ١١٠].
1 / 28
المسألة الثالثة: وسطية أهل السنة والجماعة بين فرق الضلال:
عقيدة أهل السنة والجماعة - والتي هي عقيدة الإسلام الصحيحة - وسط بين عقائد فرق الضلال المنتسبة إلى دين الإسلام، فهي في كل باب من أبواب العقيدة وسط بين فريقين آراؤهما متضادة، أحدهما غلا في هذا الباب والآخر قصر فيه، أحدهما أفرط والثاني فرط، فهي حق بين باطلين: فأهل السنة وسط - أي عدول خيار - بين طرفين منحرفين، في جميع أمورهم.
وسأذكر أربعة أصول عقدية كان أهل السنة والجماعة وسطًا فيها بين فرق الأمة:
الأصل الأول: باب أسماء الله وصفاته:
توسَّط أهل السنة والجماعة في هذا الباب بين المعطلة، وبين الممثلة.
فالمعطلة منهم من ينكر الأسماء والصفات، كالجهمية.
ومنهم من ينكر الصفات كالمعتزلة.
ومنهم من ينكر أكثر الصفات، ويؤولها كالأشاعرة، اعتمادًا منهم على العقول البشرية القاصرة، وتقديمًا لها على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.
والممثلة يضربون لله الأمثال، ويدعون أن صفات الله تعالى تماثل صفات المخلوقين، كقول بعضهم "يد الله كيدي" و"سمع الله كسمعي" تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.
1 / 29
فهدى الله أهل السنة والجماعة للقول الوسط في هذا الباب، والذي دل عليه كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، فآمنوا بجميع أسماء الله وصفاته الثابتة في النصوص الشرعية، فيصفون الله تعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفه به أعرف الخلق به رسوله محمد بن عبد الله ﷺ من غير تعطيل ولا تأويل ومن غير تمثيل ولا تكييف، ويؤمنون بأنها صفات حقيقية، تليق بجلال الله تعالى، ولا تماثل صفات المخلوقين، عملًا بقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١].
الأصل الثاني: باب القضاء والقدر:
توسط أهل السنة والجماعة في هذا الباب بين القدرية والجبرية.
فالقدرية نفوا القدر، فقالوا: إن أفعال العباد وطاعاتهم ومعاصيهم لم تدخل تحت قضاء الله وقدره، فالله تعالى على زعمهم لم يخلق أفعال العباد ولا شاءها منهم، بل العباد مستقلون بأفعالهم، فالعبد على زعمهم هو الخالق لفعله، وهو المريد له إرادة مستقلة، فأثبتوا خالقًا مع الله سبحانه، وهذا إشراك في الربوبية، ففيهم شبه من المجوس الذين قالوا بأن للكون خالقين، فهم (مجوس هذه الأمة).
والجبرية غلوا في إثبات القدر، فقالوا: إن العبد مجبور على فعله، فهو كالريشة في الهواء لا فعل له ولا قدرة ولا مشيئة.
فهدى اللهُ أهلَ السنة والجماعة للقول الحق والوسط في هذا الباب، فأثبتوا أن العباد فاعلون حقيقة، وأن أفعالهم تُنسب إليهم على جهة الحقيقة، وأن فعل العبد واقع بتقدير الله ومشيئته وخلقه، فالله تعالى خالق العباد وخالق
1 / 30
أفعالهم، كما قال سبحانه: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (٩٦)﴾ [الصافات: ٩٦]. كما أن للعباد مشيئة تحت مشيئة الله، كما قال تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٩)﴾ [التكوير: ٢٩].
ومع ذلك فقد أمر الله العباد بطاعته، وطاعة رسله، ونهاهم عن معصيته، وهو سبحانه يحب المتقين، ولا يرضى عن الفاسقين، وقد أقام الله الحجة على العباد بإرسال الرسل وإنزال الكتب، فمن أطاع، أطاع عن بينة واختيار، فيستحق الثواب الحسن، ومن عصى، عصى عن بينة واختيار، فيستحق العقاب ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦)﴾ [فصلت: ٤٦].
فأهل السنة يؤمنون بمراتب القضاء والقدر الأربع الثابتة في الكتاب والسنة، وهي:
١ - علم الله المحيط بكل شيء، وأنه تعالى عالم بما كان وما سيكون، وبما سيعمله الخلق قبل أن يخلقهم.
٢ - كتابة الله تعالى لكل ما هو كائن في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة.
٣ - مشيئة الله النافذة، وقدرته الشاملة، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وكل ما يقع في هذا الوجود قد أراده الله قبل وقوعه.
٤ - إن الله خالق كل شيء، فهو خالق كل عامل وعمله، وكل متحرك وحركته، وكل ساكن وسكونه.
وقد نظم بعضهم هذه المراتب بقوله:
1 / 31
علم كتابة مولانا مشيئته ... كذاك خلقٌ وإيجادٌ وتكوين
ومن أهم مسائل القضاء والقدر التي يجب على المسلم أن يؤمن بها: أن يؤمن بأن جميع ما قدره الله تعالى حكمة وعدل، وقد ثبت عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: "ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه، وأبدله مكانه فرحا"، قال: فقيل: يا رسول الله ألا نتعلمها؟ فقال: "بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها"، فهو تعالى يقدر الخير والشر لحكم عظيمة يعلمها، والشر بالنسبة إلى تقديره تعالى حكمة وعدل، فالشر المحض ليس إليه تعالى (^١).
ويدخل في ذلك المعاصي والطاعات، فإن الله تعالى بفضله يوفق المطيع لفعل الطاعة، وبعدله يكل من يشاء من خلقه إلى نفسه، فيقع في المعصية، فيعاقبه
_________
(^١) قال الحافظ ابن القيم في شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل ٢/ ٦٤ في الباب ٢١: "فتبارك وتعالى عن نسبة الشر إليه بل كل ما نسب إليه فهو خير، والشر إنما صار شرا لانقطاع نسبته وإضافته إليه، فلو أضيف إليه لم يكن شرا كما سيأتي بيانه، وهو سبحانه خالق الخير والشر، فالشر في بعض مخلوقاته لا في خلقه وفعله، وخلقه وفعله وقضاؤه وقدره خير كله ولهذا تنزه سبحانه عن الظلم الذي حقيقته وضع الشيء في غير موضعه كما تقدم، فلا يضع الأشياء إلا في مواضعها اللائقة بها وذلك خير كله، والشر وضع الشيء في غير محله فإذا وضع في محله لم يكن شرا، فعلم أن الشر ليس إليه وأسماؤه الحسنى تشهد يذلك".
1 / 32
تعالى على ذلك بأن يقع في معصية أخرى، وهكذا (^١).
فالمؤمن يرضى بقضاء الله وقدره لأنه يؤمن أنه عدل وحكمه - كما سبق بيانه - ويعلم أنما أصابه من مصائب وأمراض وغيرها مما يكره أنه بسبب ما اكتسبه من ذنوب، قال سبحانه: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (٣٠)﴾ [الشورى: ٣٠]، وقال تعالى: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ [النساء: ٧٩]، وقال جل وعلا: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦)﴾ [فصلت: ٤٦]، وإذا رضي بقضاء الله وقدره فإنه بإذن الله سيجد السعادة ولذة الإيمان، وقد روى مسلم عن العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا".
هذا وللإيمان بالقضاء والقدر ثمرات وفوائد، أهمها:
أولًا: تكميل الإيمان بالله تعالى، فالقدر قدر الله، فالإيمان به من تمام الإيمان بالله تعالى.
_________
(^١) قال ابن القيم في شفاء العليل الباب ٢٧، ج ٢ ص ٢٧٥، ٢٧٦: "فإن قيل فالقضاء بالجزاء عدل إذ هو عقوبة على الذنب فيكون القضاء بالذنب عدلا على أصول أهل السنة ... قيل نعم كل قضائه عدل في عبده، فإنه وضع له في موضعه الذي لا يحسن في غيره، فإنه وضع العقوبة ووضع القضاء بسببها وموجبها في موضعه، فإنه سبحانه كما يجازي بالعقوبة فإنه يعاقب بنفس قضاء الذنب، فيكون حكمه بالذنب عقوبة على ذنب سابق، فإن الذنوب تكسب بعضها بعضا، وذلك الذنب السابق عقوبة على غفلته عن ربه وإعراضه عنه، وتلك الغفلة والإعراض هي في أصل الجبلة والنشأة، فمن أراد أن يكمله أقبل بقلبه إليه وجذبه إليه وألهمه رشده وألقى فيه أسباب الخير، ومن لم يرد أن يكمله تركه وطبعه وخلى بينه وبين نفسه، لأنه لا يصلح للتكميل وليس محله أهلا ولا قابلا لما وضع فيه من الخير، وها هنا انتهى علم العباد".
1 / 33
ثانيًا: استكمال أركان الإيمان؛ لأن النبي ﷺ ذكره ضمن أركان الإيمان في حديث جبريل المشهور.
ثالثًا: إن الإنسان يعيش حياة سعيدة، فلا يتكدر عيشه ولا يأكل نفسه بالحسرات إذا أصابه مكروه، ولا يحزن إذا فاته أمر يحبه، لأنه إذا علم أنه من الله رضي واطمأن وعرف أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
قال الله تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (٢٣)﴾ [الحديد: ٢٢، ٢٣].
وروى مسلم في صحيحه عن صهيب قال: قال رسول الله ﷺ: "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له".
وثبت عن أبى حفصة قال: قال عبادة بن الصامت لابنه: يا بني إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب. قال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة". يا بني إنى سمعت رسول الله ﷺ يقول: "من مات على غير هذا فليس منى".
رابعًا: إن المؤمن الذي يجعل الإيمان بالقضاء والقدر أمام عينيه ويتذكره عند كل عمل يريد أن يقوم به، يحمله ذلك على أن يقتصر عند فعله للأسباب للحصول
1 / 34
على ما يريده من جلب مرغوب أو للتخلص من مكروه على الأسباب التي أباحها الله تعالى، فمثلًا عندما يريد الحصول على مال يسلك طرق الكسب المباحة ويجتنب طرق الكسب المحرمة، لأنه يعلم أن ما كتب الله له من المال قبل أن يولد سيأتيه لا محالة وأن ما لم يكتب له من المال لن يأتيه ولو بذل كل الأسباب المحرمة للحصول عليه، وكذلك عندما يريد الإنسان العلاج من مرض أو الحصول على وظيفة فإنه يسلك الطرق المباحة، ويجتنب الطرق والوسائل المحرمة، لأنه يعلم أنه لن يحصل له شيء من شفاء أو وظيفة أو غيرهما إلا ما كتب الله له.
وقد ثبت عن عبد الله بن عباس أنه ركب خلف رسول الله ﷺ يوما، فقال له رسول الله ﷺ: "يا غلام، إني معلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف".
وثبت عن عبد الله بن مسعود ﵁ أنه قال: "إذا طلب أحدكم الحاجة فليطلبها طلبا يسيرا، فإنما له ما قدر له، ولا يأتي أحدكم صاحبه فيمدحه فيقطع ظهره".
خامسًا: إن المسلم لا يعجب بنفسه عند حصول مراده، فلا يقول: حصل هذا الشيء بسبب مهارتي وذكائي، لأنه يعلم أن حصوله نعمة وتفضل من الله تعالى، وأن الله سبحانه قد قدر وشاء أن يحصل له هذا الشيء في هذا الوقت وكتبه تعالى له وهو في بطن أمه، وقدر له تعالى أسبابًا لحصوله.
1 / 35
سادسًا: إن المسلم لا يخاف من قطع رزقه ولا من الموت عند قيامه بما أوجبه الله تعالى عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن الجهاد بالنفس؛ لأنه يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله أن يصيبه، وأن ما لم يقدره تعالى عليه فلن يصيبه ولو اجتمع الخلق كلهم لإيقاع ذلك عليه، وقد نسب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه كان يقول عند القتال:
من أي يومَيّ من الموت أفر ... أيومَ لم يقدر أم يوم قُدر
يوم لا قدر لا أرهبه ... ومن المقدور لا ينجو الحذر
الأصل الثالث: باب الوعد والوعيد:
توسط أهل السنة والجماعة في هذا الباب بين الوعيدية وبين المرجئة.
فالوعيدية يغلبون نصوص الوعيد على نصوص الوعد، ومنهم الخوارج الذين يرون أن فاعل الكبيرة من المسلمين كالزاني وشارب الخمر كافر مخلد في النار.
ومن عقائد الخوارج كذلك: أنهم يرون أن من وقع من ولاة الأمر في معصية من كبائر الذنوب وجب الخروج عليه، ولهذا خرجوا على الخليفة الراشد علي بن أبي طالب، وقتلوه ﵁ (^١)، وخرجوا على الدولتين
_________
(^١) قال أبو محمد ابن حزم في الفصل ٤/ ١٥٦، ١٥٧: "فصحّ يقينًا لا محيد عنه صواب علي في تحكيم الحكمين والرجوع إلى ما أوجبه القرآن، وهو الذي لا يجوز غيره، ولكن أسلاف الخوارج كانوا أعرابًا قرأوا القرآن قبل أن يتفقّهوا في السنن الثابتة عن رسول الله ﷺ، ولم يكن فيهم أحدٌ من الفقهاء، فأعرضوا عن سائر الصحابة، ولم يقع اختيارهم إلا على عبد الله بن وهب الراسبي - أعرابي بوال على عقبيه لا سابقة له ولا صحبة ولا فقه ولا شهد الله له بخير قط - فمن أضلّ ممن هذه سيرته واختياره، ولكن هذا حق من كان أحد أئمته (ذو خويصرة) الذي بلغ ضعف عقله وقلة دينه إلى تجويره النبي ﷺ في حكمه والاستدراك عليه، =
1 / 36