وودعه عند منعطف، وجعل ينظر إليه وهو يسير متمهلا والهواء ينفخ في جبته الفضفاضة، وقال لنفسه بحزن: بدأ حياته بالاعتقال في طنطا، قبض عليه الجنود الأستراليون وهو يهتف: «يحيا الوطن ... يحيا سعد»، ثم انتهى عام 1942 بالاتجار في الوظائف الخالية، كما انتهيت أنا بالرصيد رقم 33123 ببنك مصر.
وأجال بصره في الكون، الهلال الصاعد في أبهى رواء، والنجوم المتألقة واللانهائية المسيطرة على كل شيء، ثم تساءل بصوت مسموع: «خبرني يا سيدي، ما معنى هذا كله؟ خبرني فقد احتار دليلي!»
وضغط على جرس الباب فرن بقوة في صمت الليل، وانتظر مليا ثم أعاد الكرة، وانتظر ثم أعاد، وضغط على الجرس بإصرار مستمر ودون توقف ولا مجيب.
وقال بحنق: إنها قررت ألا تفتح له الباب.
وضرب الأرض بقدمه، ثم ولى الباب ظهره وذهب.
27
بات ليلته عند إبراهيم خيرت، ثم استأجر في اليوم التالي حجرة بفندق جراند أوتيل على النيل، وعقب أسبوع اضطر إلى سحب مائة جنيه أخرى لتغطية خسائره المتتابعة ولمواجهة تكاليف الحياة اليومية، وذهبت زوجة إبراهيم خيرت بإيعاز من زوجها لزيارة قدرية للاعتذار لها عن الدور غير المقصود الذي لعبه إبراهيم في نزاعها مع زوجها، ثم حاولت الإصلاح ولكنها لم تلق استجابة ... وتمادى عيسى في القمار بلا أدنى تقدير للعواقب، وقاطع سمير السهرة تقززا من حال التدهور التي آل إليها صاحبه، وقال له سمير يوما: يجب أن تعيد النظر في موقفك كله.
كانا يجلسان في كازينو سبرانو أمام البحر عند الظهيرة، وهو الوقت الذي يستيقظ فيه عادة. وكان عيسى يتابع بعينيه المستديرتين جموع السابحات، وأهمل التعليق على صاحبه مستسلما للذة المتابعة، ولما كرر الآخر قوله، قال عيسى بنبرة اشتياق: كم أود أن أمارس تجربة لم تتح لي في وقتها؛ وهي أن أغازل فتاة جميلة وأتعرف بها ثم أخطبها، وفي أثناء ذلك نتبادل الهدايا والمكالمات التليفونية والمواعيد.
فسأله سمير: أتريد حقا أن تتزوج مرة أخرى؟
فنظر إلى سحابة تسير ببطء راسمة صورة جمل، ثم تساءل: انظر إلى هذه السحابة وخبرني، أمن الجائز أن تكون حياتنا قد خلقت كما خلقت هذه الصورة؟
अज्ञात पृष्ठ