सुल्तान मुहम्मद फतेह
السلطان محمد الفاتح: فاتح القسطنطينية
शैलियों
لقد استطاع الأتراك بمدفعيتهم القوية إحداث ثغرات في أسوار المدينة، ورفع العلم العثماني فعلا على الأسوار، وكادت المدينة تؤخذ لولا أن أعلن مسيح باشا في هذه اللحظة أن الغنائم كلها ستحفظ للسلطان، ففت ذلك في عضد المهاجمين وغضبت الجنود المهاجمة، ورفضوا مساعدة إخوانهم الذين اقتحموا الأسوار، وانتهز المدافعون ذلك الخلل فردوا الفرق الأولى المهاجمة على أعقابها، واضطر مسيح باشا إلى رفع الحصار والعودة، وأنقذت رودس لمدة نصف قرن من الزمان.
وفي نفس الوقت الذي هاجم فيه الأتراك رودس أنزلوا جنودهم بقيادة بطل القرم إلى إيطاليا، على شاطئ أبوليا، وساروا نحو تارنتو، وكانت تعتبر في ذلك الوقت مفتاح جنوب إيطاليا، فلم تستطع الوقوف طويلا أمام قوة الأتراك وسلمت في أغسطس سنة 1480م وقتل سكانها واستبيحت المدينة. فكانت هذه الحملة الحربية درسا قاسيا لإيطاليا لتدخلها في شئون البلقان، وتهديدا لمركز البابوية في إيطاليا ذاتها.
لقد وضع السلطان محمد الفاتح قدمه في إيطاليا واستولى على ميناء صالحة لتوغل جنوده في داخلها، وأخذ في تجهيز معدات عظيمة لإتمام مشروعه، ولم يكن يعرف وجهتها الحقيقية غيره، فلقد كان يحتفظ دائما بسرية مشاريعه لنفسه، ولكنه مات بغتة في وسط جيوشه في 3 مايو سنة 1481م، فأنقذت إيطاليا من الخطر العثماني.
عصر الفاتح وتنظيماته
أنشأ السلطان محمد الثاني الفاتح دولة عظيمة، هي غير منازعة أقوى الدول الكبرى في القرن الخامس عشر، ووحدها أرضا وشعوبا فأصبحت كتلة متماسكة تمتد من أعالي نهر الفرات إلى الأدرياتي، ومن البحر الأبيض إلى نهر الدانوب والقرم، وأزال بقايا الدول التي كانت تجهد بجيش ناصب في آسيا الصغرى، أو تناوئ الأتراك العثمانيين في البلقان، واتخذ للأتراك عاصمة جديدة عظيمة لها تاريخ مجيد، جميلة الموقع، متوسطة المركز بين بلادهم الآسيوية وممتلكاتهم الأوروبية، تشرف على البر والبحر، وتتفق مع ما أصبح للعثمانيين من مجد وقوة وجبروت، ولم يعد بعد عهد الفاتح للإغريق ولا للبنادقة ولا للجنويين أو الإغريق أو الصرب قوة ولا ذكر في البلقان إلى أن جاء القرن التاسع عشر، ومهدت فتوحات ذلك السلطان العظيم الطريق لفتوح العثمانيين التي سيقوم بها خلفاؤه في الشام ومصر والعراق والمجر وأواسط أوروبا.
كان السلطان الفاتح مصلحا كبيرا ومنظما من الطراز الأول، كما كان رجل حرب من العبقريات النادرة التي شهدها التاريخ.
وكان رجل ثقافة واسع الاطلاع في العلم والأدب، يتذوق الشعر ويستلهم الفن، كما كان طويل الباع في الإدارة والحكومة.
رتب السلطان الحكومة الجديدة لدولته العظيمة، واستفاد من كل الظروف المحيطة به، واستلهم كل الحضارات التي ترك تراثها للعثمانيين؛ فهو سلطان مسلم يحكم دولة واسعة الأطراف، إسلامية قبل كل شيء، ولكنه في نفس الوقت جلس على عرش الأباطرة البيزنطيين في مدينتهم وعاصمتهم فأصبح خليفة القياصرة، كما حل محل الأمراء الكثيرين الذين كانوا يحكمون في البلقان.
حكم السلطان الفاتح دولة تتكون من أجزاء مهمة في شرقي البحر الأبيض لها حضارات شرقي البحر الأبيض، حضارات امتزج فيها الشرق والغرب معا، وتقابلت فيها نظم سياسة مختلفة وقوانين وعادات متباينة، وديانتان عظيمتان هما المسيحية والإسلام، فكان لا بد من مراعاة هذه الحقائق جميعها والاستفادة منها في إقامة صرح دولته الجديدة العظيمة.
اهتم محمد الثاني بإصلاح النظام الداخلي للدولة، وعني قبل كل شيء بنشر الطمأنينة والسلام التركي في إمبراطوريته الواسعة التي تجمع عناصر كثيرة من خلائق يختلفون في الجنس واللغة والدين والعادات، فبجانب الأتراك المسلمين - وهم عمود الدولة الفقري - يوجد الإغريق والصقالبة على اختلاف أنواعهم، والبلغار والألبانيون، يوجد الأرثوذكس والكاثوليك، عاش هؤلاء جميعا قبل الحكم العثماني حياة اضطراب وفوضى لا يعرفون للأمن طعما، ونسوا من زمن بعيد كل شيء عن الطمأنينة والاستقرار، فلا بد إذن من وضع نظام قوي للحكم يعطي لهؤلاء ما فقدوه من حرية وراحة وسلام، ولا بد من وضع نظام خاص لسكان الدولة من غير المسلمين ينظم العلاقات بينهم وبين جيرانهم من المسلمين، بينهم وبين الدولة التي تحكمهم وترعاهم. •••
अज्ञात पृष्ठ