283

وهذا دليل على أن كثيرا من العلماء وطلبة العلم الشرعي -خاصة في عصور التقليد- قد يتركون المتواتر الصريح المنثور في الكتاب والسنة ويلجأون للمظنونات من الأدلة مع الأباطيل من أقوال مغفلي الصالحين ومتبعي الخيالات والأوهام، بتنشيط من الخصومات المذهبية الممتدة أربعة عشر قرنا.

وفي هذا أيضا إشارة إلى أن حضور العاطفة أو الخصومة أو كليهما حضورا قويا، وأنها قد تسير الباطل فوق أقتاب الحقيقة، وهذه هي حقيقة الغفلة (غفلة الصالحين) التي نحذر منها ولا نعيها.

إذن فبعض العلماء بل كثير منهم خصوصا في الأزمنة المتأخرة فصل (عدالة الصحابة) عن (شروط العدالة) في بقية البشر، فجعل العدالة الأولى غير قابلة للنقاش بحجة أن الله قد أثنى عليهم في كتابه الكريم، وثناؤه أبلغ دليل، وتعديله أعظم تعديل، وهذا القول كذب من القائل على الله عز وجل -كما سبق أن بينا- فإن الله لم يثن إلا على الصادقين الباذلين للمال والنفس في سبيل الله من المهاجرين والأنصار ومن سار على نهجهم مع التحذير من الردة والظلم وسائر الذنوب والمعاصي، وإنما جاء الثناء على المهاجرين والأنصار في الجملة لالتزامهم بذلك.

كما قد ذم الله في كتابه بعض الجماعات أو الأفراد ممن يذكرون في الصحابة -كما سيأتي- فأخذنا الثناء وتركنا الذم فهل هذا إيمان ببعض الكتاب وكفر ببعض؟!.

पृष्ठ 284