सूफ़िया: नशात और तारीख
الصوفية: نشأتها وتاريخها
शैलियों
28
بطبيعة الحال، تنطوي الحجة على بعض العيوب الأساسية المتعلقة بالتفريق المسبق بين الكلمات والأمور؛ فمجرد اختيار الصوفيين وصف ممارساتهم أو معتقداتهم بمصطلحات قرآنية لا يعني بالضرورة أن الممارسات أو المعتقدات الفعلية نفسها مصدرها القرآن. استخدم نقاد هذه النظرية أسلوب القرآن الذي رأوا أنه جاف أو طائفي أو سردي، لتوضيح أن القرآن كدليل في حد ذاته لا يمكن أن يكون مصدر معتقدات الصوفيين: «فالنص [القرآني] يتميز بالصرامة والإحكام، وقد اضطر متصوفو الإسلام إلى أن يعملوا جاهدين من أجل استنباط معان باطنية تعكس تواصلهم الشخصي مع الله.»
29
بيد أن جواب هذه المسألة يمكن أن يكمن في كلمات النقد نفسه؛ فقد اضطر الصوفيون بالفعل إلى العمل بكد في معالجة النص القرآني؛ لأن هذا التعاطي التأملي والنشط مع معانيه هو بالضبط طريقة معالجتهم له. وبدلا من صياغة الجدل حول ما يمكن أن نراه كقراء متأخرين في القرآن (الصرامة والإحكام)، والمطالبة بامتلاك النص نفسه بطريقة أو بأخرى للقدرة على خلق معتقدات وحركات في العالم الخارجي، فإنه من الأفضل أن نحول منظورنا نحو التساؤل عما رآه الصوفيون الأوائل أنفسهم في القرآن، وأن نسأل أنفسنا كيف أنتجت أساليب القراءة الفعالة التي اتبعوها تلك المعاني من خلال التفاعل الإبداعي بين حياتهم وظروفهم وبين النص القرآني؛ ومن ثم، لا تصبح المسألة متمثلة فيما إذا كانت «الصوفية» قد نشأت عن القرآن أم لا، بل تصبح متمثلة فيما إذا كان صوفيو القرن التاسع قد استخدموا القرآن باعتباره مصدرا لفهم العالم من حولهم ولخلق طرق تعامل أخلاقي وفكري وعملي مع العالم.
30
لا يوجد خطأ في التساؤل حول ما إذا كان الصوفيون قد جعلوا أفكارهم تنبع من كتاب الإسلام المقدس؛ لأن هذا بالضبط هو طريقة قراءة الكتب المقدسة. استخدم الحديث بطرق مشابهة، واستخدمت جماعات مختلفة آلافا من الروايات المتناقضة غالبا التي تروي أقوال أو أفعال النبي محمد للدفاع عن أفعالهم أو لانتقاد أفعال الآخرين. وكما هو الحال مع القرآن، لم يكن الحديث في حد ذاته «أداة» أو «مصدرا» بالضرورة للحركات الدينية، بل كان مصدرا استخدمه الصوفيون مثلما فعل معاصروهم الآخرون في تكوين تعاليمهم والدفاع عنها. أخيرا، استخدم القرآن أيضا بين الصوفيين باعتباره مصدرا للعبارات المغناة التي كونت ممارسة الإنشاد الصوفي الخاصة بذكر الله (وهو مصطلح مأخوذ أيضا من القرآن). في مثل هذه السياقات، كانت كلمات القرآن ليست مجرد مصدر للمعنى اللغوي، بل كانت مثيرا صوتيا لحالات ذهنية مختلفة.
شكل 1-2: تأمل القرآن: صحيفة للآيتين 199-200 من سورة البقرة تعود للعراق في القرن التاسع (معرض فرير للفنون، مؤسسة سميثسونيان، واشنطن: بيرتشيس، إف194217، إف1937. 6. 7ب).
بهذه الطريقة، يمكننا أن نرى كيف استخدم الصوفيون الأوائل مصادر الماضي الخطابية المميزة (القرآن والسنة النبوية) لتطوير «طريقتهم الدينية» وتأسيسها اعتمادا على مصادر السلطة الشرعية المعترف بها لدى معاصريهم. إن للكلمات تاريخا، ومن ثم تتغير معانيها مع مرور الزمن، وفي الأزمان والأماكن المختلفة التي تقرأ فيها كلمات النص القرآني المحفوظة، تستخدم للإشارة إلى أمور مختلفة في العالم عن تلك التي أشارت إليها في زمان ومكان نزوله؛ ولذلك استخدم القرآن في بغداد في منتصف القرن التاسع باعتباره مصدرا لغويا لمصطلحات كانت لها معان مختلفة وأشارت إلى أنشطة وفضائل ومشاعر مختلفة عما أشارت إليه للقراء المسلمين من الأجيال السابقة. ونظرا لأن العراق في هذه الفترة كان مجتمعا أكثر تعقيدا وعالمية إلى حد كبير عن شبه الجزيرة العربية التي نزل فيها القرآن؛ فقد كانت الأفعال والأفكار التي ارتبطت بمصطلحاته مختلفة بالضرورة في هذا الزمن المتأخر. ونظرا للتبادلات الثقافية اليومية التي حدثت في العراق في القرن التاسع، فإنه سيكون من المفاجئ لو أن بعض الأفعال أو الأفكار التي ارتبطت بكلمات القرآن لم تقتبس من قبل سكان المنطقة غير المسلمين الكثيرين. فعندما تكتب مسيحية أمريكية معاصرة - استجابة لتوصية الكتاب المقدس بالإحسان - شيكا لإحدى المنظمات الخيرية، فإنها لا تعد أقل تدينا لأن مثل هذه الإجراءات المصرفية ابتكرت في الجمهورية الهولندية، وليس في فلسطين الرومانية. إذا، في نهاية المطاف، فإن مسألة ما إذا كانت الصوفية قد نشأت عن القرآن أم عن أمور مقتبسة من المسيحية، هي مسألة زائفة تبسط الطريقة التي قرئ بها النص القرآني، والتي أنتجت بها الأفكار والأفعال الدينية.
بين أوساط مفسري القرآن والحديث المتخصصين، كان الصوفيون الأوائل أقرب إلى اتجاه الدفاع عن الوحي والتقليد وتقديمهما على العقل ؛ فقد كانوا بعيدين كل البعد عن كونهم زنادقة منتهكين لأحكام الشريعة، أو راديكاليين روحانيين؛ لذلك، فإننا على الأرجح يجب أن نراهم باعتبارهم جماعة محافظة بوجه عام. وبدلا من الهروب من المجتمع مثل الزهاد الأوائل، كانوا في الغالب داعمين بشدة للنظام الأخلاقي والقانوني الناشئ. وعلى غرار الحركة السنية الناشئة التي اشتركوا فيها، اتبعوا الأمر القرآني الذي ينص على «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، حتى لو أزعج ذلك من لا يرغبون في التحلي بالأخلاق.
31
अज्ञात पृष्ठ