सूफ़िया: नशात और तारीख
الصوفية: نشأتها وتاريخها
शैलियों
181
وفي كلتا الحالتين، ظلت الجذور الأفريقية لمجتمعات أو ممارسات الشتات حية، من خلال التقاليد المتذكرة للأسلاف في المدن البعيدة في المغرب أو في الهند. وإذا كانت أعداد الصوفيين الرافضين لهذه الأنشطة قد تزايدت في أواخر القرن الثامن عشر، ووصفوها بالبدع المذمومة، فإن الشعبية الهائلة لهذه الطقوس الموسيقية والسلوى التي منحوها للمكتئبين والمهجرين، كان معناها أنها سوف تستمر إلى العصر الحديث، على الرغم من كل انتقادات المصلحين.
ملخص
في هذا الفصل، شهدنا فترة من العلاقات الغامضة بين الصوفيين والدول، أسس فيها الصوفيون أنفسهم دولا تارة، وجذبتهم الدول تحت قبضة سيطرتها الشديدة تارة أخرى. وفي فترة كان فيها الإسلام لا يزال يتوسع في أجزاء كبيرة من العالم، لعب الصوفيون أيضا دورا في استيطان الحدود، وأدت المؤسسات الصوفية دور الدول البديلة عندما تكونت المجتمعات الإسلامية حولها. وعلى الرغم من أنه بطبيعة الحال ظل بين الصوفيين أعداد كبيرة من الدراويش المتجولين الفقراء، فإن العلامة الفارقة في التاريخ حدثت على يد النخب الصوفية الرحالة، الذين مكنهم علمهم، وأنسابهم المرموقة، وقدراتهم على صنع المعجزات، وفي بعض الحالات خلفيتهم العرقية، من توظيف الموارد لتأسيس الدول أو لتولي المناصب المهمة داخل الكيانات السياسية القائمة. وعلى الرغم من أن الفترة ما بين القرنين الخامس عشر والتاسع عشر يوحدها الانتشار المستمر للنفوذ الصوفي بين عدد متزايد من الشعوب، فإنها يمكن تقسيمها إلى فترتين تفصل بينهما بوجه عام بداية الألفية الإسلامية عام 1591. وعلى الرغم من أن هذه التطورات كانت تدريجية، فإنه في أول قرنين من الألفية الجديدة حازت الاستقامة الأخلاقية الملتزمة بالشريعة التي أبداها الصوفيون على الاهتمام، وأصبحوا قدوة اجتماعية تروق للقائمين على إدارة الدولة. وإذا كان الصوفيون والسلاطين قد كونوا في أول الأمر تحالفات في فترة العصور الوسطى، فإن الصوفيين في قرون فترة أوائل العصر الحديث ركنوا إلى الأمان المستمد من كونهم لاعبين أساسيين في النظام الاجتماعي والسياسي على حد سواء، خاصة في الإمبراطوريات الأطول أجلا. وإذا كانت الفترة قد شهدت تزايد محاولات تنظيم الأبعاد الأكثر انحرافا في السلوك الصوفي من خلال معايير شرعية موحدة، فإن هذا في نهاية الأمر، فيما عدا في بيئات استثنائية مثل إيران الشيعية، كان علامة على النفوذ الهائل الذي اكتسبه الصوفيون في هذه الفترة، من خلال الإشارة إلى الأمور العديدة التي أصبحت محفوفة بالمخاطر عندما أضل الصوفيون أتباعهم أخلاقيا.
إذا تناولنا فترة أوائل العصر الحديث في مجملها، فسنجد أنها شهدت جذب التقليد الصوفي في اتجاهين متعارضين لكنهما متداخلين. فمن ناحية، شهدت الفترة توظيف واستخدام التقليد على نحو تنافسي على يد العديد من القادة مؤسسي القبائل أو الدول، الذين استخدم الكثير منهم عناصر مميزة منه على نحو انتقائي على حسب متطلبات وضعهم. وعلى أي حال، فإنه نظرا لما تدعيه الصوفية من مزاعم السلطة، بالإضافة إلى ما تمتلكه من آليات الولاء والانتماء، فقد أصبحت وسيلة قوية للتنظيم الجماعي والتضامن المجتمعي. ومن الناحية الأخرى، شهدت الفترة عملية مقابلة (لكنها وثيقة الصلة في نهاية المطاف)، تمثلت في زيادة دمج مصطلحات ورموز التقليد القوية هذه في طرق صوفية منظمة ومقننة، والتي أصبح سلوكها على هذا النحو أكثر استقرارا، ومن الممكن توقعه على نحو أكبر. وعلى الرغم من أن هذه العملية كانت متقطعة بالتأكيد، فإنه منذ هذه الفترة أصبحت الطرق أشبه بالمنظمات الأكثر ترابطا منها بآليات إعادة إنتاج التقليد التي ميزت فترة العصور الوسطى. وما دام القدر الأكبر من تنظيم الطرق نتج جزئيا من تفاعلها الوطيد مع الدول الأكثر طموحا وتنظيما في هذه الفترة، فإن الهدف من ترويج الحكومات لها كمؤسسات اجتماعية مستقرة ومستوطنة وملتزمة بالشريعة، والتقليل من شأن الصوفية البدوية «اللاسلطوية» القائمة على المعجزات والمرتبطة بالجماعات القبلية الريفية؛ كان واضحا. وحتى في أبرز حالات قمع الصوفية في إيران الصفوية، كان العامل الأساسي هو استبدال الصوفية القبلية الانفصالية القديمة، وأن يحل محلها نموذج الإسلام الشيعي الموحد والفقهي الذي يستطيع توحيد كل السكان، على النقيض حتى من أكبر الطرق الصوفية.
في أغلب الأحيان، قدم القرن الثامن عشر على أنه «عصر إصلاح» مميز، روجت فيه طرق صوفية أجندة جديدة، محورها النبي محمد، لصوفية ملتزمة بالشرع، إلا أن ما شهدنا في هذا الفصل يشير إلى أن الألفية الإسلامية التي بدأت عام 1591 مثلت نقطة التحول الأكثر أهمية. بطبيعة الحال، إن انتشار محاولات تصحيح التردي وانتقاد البدع تقريبا في كل منطقة من المناطق الإسلامية لم يكن ناتجا عن التاريخ وحده، وكان نجاح العلماء في كل منطقة في هذا الشأن معتمدا على الظروف الاجتماعية والسياسية المحلية. وعلى الرغم من أن جماعات مثل قاضي زاده استخدمت الاتهام بالابتداع المنحرف عن السنة النبوية كوسيلة لانتقاد منافسيها الصوفيين أصحاب الامتيازات، فقد كان الصوفيون أنفسهم هم عادة من استخدموا السنة والشريعة لانتقاد صوفيين آخرين. وفي بعض الحالات، كان هذا جزءا من أشكال عقائدية أطول عمرا مدعومة من طرق معينة لطالما أكدت على أهمية الالتزام بالشريعة مهما كان تواصل الفرد الخاص مع الله باعثا على النشوة. وبدلا من أن تشهد فترة أوائل العصر الحديث ككل تلاشي الصوفيين تحت وطأة هجوم طبقة منفصلة من العلماء، على الرغم من المواءمات مع أنظمة الدول الأكثر قوة (أو حتى بسببها أيضا)، فقد شهدت من تمبكتو إلى سولاويسي تزايدا في انتشار النفوذ الصوفي على حياة المسلمين بدلا من تضاؤله. وبينما لم يكن الصوفيون بلا معارضين، فإنهم كانوا على الرغم من ذلك الطبقة الدينية المسيطرة إلى حد كبير.
الفصل الرابع
من الاستعمار إلى العولمة (1800-2000)
(1) تمهيد
ليست الصوفية باستثناء للقاعدة العامة التي تقضي بضرورة وضع تأثير الاستعمار الأوروبي في الاعتبار عند فهم أي جانب من جوانب التاريخ الإسلامي الحديث. ففي حين شهد النصف الثاني من القرن الثامن عشر وقوع أعداد كبيرة من المسلمين تحت السيطرة الأوروبية في شبه جزيرة القرم والبنغال في حالة الإمبراطورية الروسية، و«إمبراطورية الشركة» المتمثلة في شركة الهند الشرقية البريطانية، فإن القرن التاسع عشر شهد أكبر توسع أوروبي في المناطق الإسلامية. ومن المهم إدراك نطاق هذه التطورات.
अज्ञात पृष्ठ