सूडान
السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)
शैलियों
ومن أغراض الاستعمار، ما هو اقتصادي وما هو إمبراطوري وما هو أدبي. أما الاقتصادي فهو السيطرة على ينابيع المواد الخام. وأما الإمبراطوري فهو ما كان لحفظ مواصلات الإمبراطورية، وبإنشاء ثغور ونقط عسكرية برية أو بحرية، مثل السيطرة على البحر الأحمر وتفوق النفوذ البريطاني في بلاد العرب، بالحمايات والاتفاقات، فليس لإنكلترا منافع اقتصادية جوهرية في تلك المناطق.
أما الاستعمار الذي يكون الغرض منه أدبيا فهو منافسة البلاد الأخرى وتعزيز مقام الإمبراطورية وإبرازها قوية. وهناك استعمار مصطبغ بصبغة الإنسانية، وهي دعوى إنقاذ الأمم الضعيفة من الجهل والظلم والفوضى والرق!
ويماشي الاستعمار الإنكليزي التطورات ويحسب حسابها، أو يحاول أن يحسب حسابها، فلقد أصبحت أستراليا ونيوزيلندة وكندا واتحاد جنوبي أفريقية، متمتعة بالحكم الذاتي وباستقلال داخلي تام، أو كما يصفها بعض رجال القانون الدولي أنها أصبحت ممالك مستقلة متحالفة في اتحاد بريطاني. محتفظة بالتاج البريطاني، حتى دعيت إنكلترا بأنها «الأم».
لو أن إنكلترا أرادت احتلال طرابلس الغرب، فإنني لا أعتقد أنها كانت تفعل ما فعلت إيطاليا من حشد الجيوش والأساطيل، وإضاعة ملايين الجنيهات، وإفناء ألوف الإيطاليين، واحتمال تبعة الفظائع، مع أن طرابلس - في الأغلب - صحراء جرداء كانت إنكلترا تبدأ بالاعتراف بالحكم الوطني ومماشاته والتأثير فيه تدريجيا.
ويزن الإنكليز التكاليف التي يحتملونها من أجل الاحتلال، فهم يريدون الاستعمار من أيسر السبل وبأقل التكاليف. وإذا اضطروا للحرب، ففي الغالب حيث لا يكون هناك مناص منها لتعزيز النفوذ، وحيث لا يرون الشعوب تذعن لغير القوة أو مظهرها، وحيث تكون الحرب مأمونة العاقبة، أي إن النصر هو المصير الأرجح لها، كما حدث في جنوب أفريقيا وفي احتلال مصر والاشتراك في استعادة السودان.
وبعد أن تنتهي الحرب، يعمل الإنكليز على إزالة سوء التفاهم وتوطيد الحكم، بالعفو عن زعماء الثائرين شيئا فشيئا وبحسب الظروف، وبإكرامهم والاستعانة بنفوذهم لتوطيد الحكم. فبعد إعادة السودان، جنحت الحكومة السودانية إلى تعيين مرتبات لأبناء المهدي وخلفائه وزعماء المهدية، وتعليم الكثير منهم مجانا وتعيينهم في الوظائف.
أي إنه بعد الانتصار في الحرب، يعرف الإنكليز أن هناك مهمة أخرى هي توطيد الحكم الإنكليزي، بإزالة آثار الحرب من النفوس ومصافاة الثائرين، إلا إذا أصروا على العداء، فعندئذ «يؤدبون» بالقوة، حتى يذعنوا أو يموتوا.
ولا يتدخل الإنكليز بالقوة في العقائد الدينية والعادات وفرض لغتهم، فإذا انتشرت لغتهم فإنما ذلك يجيء من طريق المكاتبات الرسمية وبتفضيل العارفين للإنكليزية في الوظائف، وبتعيين المعلمين الإنكليز في المدارس، وهكذا تنتشر الإنكليزية تدريجيا.
ويستعين الإنكليز في الحكم بالفئات الأهلية الموالية لهم، وهم يكثرون منها، ويداولون بينها، ويثيرون الخلاف بينها، أو يستغلون ما بينها من خلاف، وتقدم الحكومة البريطانية الهدايا والأوسمة للزعماء وكبار القوم، وأحيانا تعين مرتبات، كما هو حاصل في الهند والسودان والإمارات العربية المحمية.
وتعيين الطرق، وتسهيل المواصلات بأنواعها، والاهتمام بالسواحل والمعاقل، والسيطرة على الجيش والسلاح، ومنع تسليح الأهالي، هو أول ما يعني به الإنكليز في المحافظة على المستعمرات والبلاد الخاضعة لنوع من النفوذ البريطاني.
अज्ञात पृष्ठ