सूडान मिस्री
السودان المصري ومطامع السياسة البريطانية
शैलियों
إن تلغراف غرنفيل المشهور جعل للمشورة الإنكليزية صبغة الأمر، وجعل موقف الحكومة المصرية بين أمرين: إما الخضوع، وإما الاستعفاء.
وكما أنه ليس ما يمنع أي شخص تعاقد مع آخر على مصلحة له من أن يتنازل عن تلك المصلحة، فكذلك مصر لا يمنعها مانع قانونيا عن أن تعدل عن اتفاق 1899 إذا هي ارتضت أن تتحمل في السودان نظام الامتيازات أو أي نظام يقوم مقامه.
وهذا اللورد كرومر يعترف صريحا بتقريره عن الاتفاق بأن الغرض الوحيد منه هو إنقاذ مصر في السودان من عراقيل الامتيازات. نعم، إنه أضاف إلى هذا الغرض غرضا آخر جعله في المقام الأول وهو ضمانة الإدارة الحسنة لأهالي السودان، ولكن هذا لا ينقض بوجه من الوجوه مذهبنا.
هل النظام الأساسي النافذ في السودان بمقتضى اتفاق سنة 1899 أو بعبارة أخرى هل الحكم الإنكليزي المصري المزدوج هناك يجعل لمصلحة السودان حقا مكتسبا تجاه مصر؟! إنهم إذا قالوا ذلك كان جوابنا القاطع: ليس للسودان شخصية ممتازة عن مصر، وإذا كانت له شخصية ممتازة فمصر لم تتعاقد مع السودان، ولكن ما الفائدة من الوقوف أمام هذه الافتراضات؟ فلنجابه الحقيقة وجها لوجه، والحقيقة هي - كما قلنا - أنه ليست للسودان شخصية خارجة أو منفصلة عن شخصية مصر، ومن هنا تنجم الاستحالة القانونية على السودان بأن يكتسب حقوقا تجاه مصر.
لقد قلنا ونقرر هنا القول: إن اتفاق 1899 لا يربط مصر من الوجهة القانونية، ولكن إذا وصلنا إلى العمل نجد أن مفاوضينا سيصطدمون بمقاومة شديدة من جانب إنكلترا العاضة بكل نواجذها على ذلك الاتفاق، وهذه الأموال الإنكليزية قد استخدمت أو هي على وشك الاستخدام في السودان، ومجال العمل الواسع في السودان - وهو بلاد خصبة لم تستثمر حتى الآن - ليتجلى أمام أصحاب الأعمال من الإنكليز، وخطأ الرأي العام الإنكليزي الذي يعتبر نصف السودان إن لم نقل السودان كله ملكا إنكليزيا، واهتمام الإنكليز بإنجاز الخط الحديدي الممتد من رأس الرجاء الصالح.
هذه كلها عوامل تحمل الحكومة الإنكليزية على أن تتفانى بالتمسك بذلك الاتفاق. فإذا فرضنا أنا توصلنا غدا إلى الاتفاق المرضي مع الإنكليز على التحفظات التي وردت في «التصريح لمصر» ولم يبق من وجه للخلاف إلا على السودان هل يقطع مفاوضونا المفاوضات من أجل ذلك؟؟
إن الجواب على هذا السؤال الخطير في مثل هذه الحالة يكون من حق البلاد، وبعبارة أخرى أنه يكون من شأن نواب الأمة الذين تستشيرهم الحكومة، ولكن إذا هم عقدوا العزيمة على أن يقبلوا في المسألة هوادة فلا يجوز بحال من الأحوال أن يكون مآل الحل جعل مركز مصر أدنى من المركز الذي يكون لها حسب اقتراح خطر لنا، وكان في العزم نشره لولا حب التفادي عن ذلك الآن، ولولا تساؤلنا: أليس الأفضل سياسيا الاحتفاظ بتبليغ هذا الاقتراح إلى المصريين وحدهم لا سيما ممثلي الأمة ونوابها وللحكومة وللمفاوضين في المستقبل.
وبمناسبة ذكر التحفظات الإنكليزية غير مسألة السودان نذكر عرضا أن لجنة الدستور الفرعية قد أزالت كل سبب كان يدعو إلى وجود واحد من تلك التحفظات وهو تحفظ يمس مساسا خطيرا بالاستقلال؛ لأن أقل ما يرمي إليه تثبيت سيادة إنجلترا على مصر - ونعني بذلك: التحفظ الخاص بحماية الأقليات.
فإن تلك اللجنة - إذا صح ما لدينا من المعلومات - قد قررت أن تدمج في الدستور المصري المبادئ المسماة: «بضمانات الأقليات» وأعلنت عدم إمكان المساس بتلك المبادئ. فحماية الأقليات تكون مضمونة في نظام البلاد الأساسي، والغرض الذي يرمي إليه التحفظ المحكي عنه قد أصبح محققا.
وسيكون المفوضون المصريون والحالة هذه في أحسن مركز لإبعاد هذا التحفظ الممقوت إبعادا تاما لا سيما وأنه يعد مطلبا جديدا من جانب الإنجليز؛ لأننا نعرف من مصدر موثوق به أنه لم يصدر مطلقا من المفوضين الإنجليز في خلال مفاوضات الصيف الماضي ما يؤخذ منه طلب اعتراف مصر لإنجلترا بحق حماية الأقليات بمصر» ا.ه.
अज्ञात पृष्ठ