فلنكهرب إذا اقتضى الأمر هذه الأشواك، فلنحاول تهذيب عبارة الطالب قبل أن نحشو مخه بروايات أساتيذ الأدب العربي وقولهم: امرؤ القيس أول من بكى واستبكى، وزهير أو النابغة أول من أكل بشعره في صحون من الفضة، وشعر ابن أبي ربيعة الفستق المقشر! وما علينا إذا قلنا جريا على قياسهم: شعر ابن الرومي رز مغبر، وشعر أبي نواس سمن مكرر! فيحشو تلميذنا بهذا كرش دراسته المطلوبة. وهكذا تنضج طبخة البكالوريا وتقام الولائم والأفراح إعلانا لهذا النبوغ وإجلالا لهذا الفوز.
إننا في حاجة إلى من يعبر عن فكره بلغة إن لم تكن فصيحة فلتكن على الأقل صحيحة، أما أن يحمل البكالوريا اللبنانية من يهز كلما كتب حرفا عظام الخليل وسيبويه، فهذا لا نرضاه للبنان الذي يسمونه منارة. لقد شح الزيت فأدركوا هذا السراج بنقطة تبل لسان الفتيلة ...
أما المشرفون على الامتحانات فنشكر لهم ما واجهوا به الطلاب من شدة وتدقيق، فالشهادات العليا لا تنثر كورق تشرين ... إذا كانت المعامل المحترمة لا ترضى أن تسجل «ماركتها» على بضاعة مشكوك في جودتها، فهل يليق بأمة ما أن تطبع بطابعها الثقافي شبابا لا يقرءون ولا يكتبون صحيحا؟
إن مستوى التعليم قد تدهور، إنه عندنا بين يدين: واحدة غافلة عن واجباتها لأنها تجهلها، وأخرى تستفز التلاميذ ساعة الحاجة قضاء لمآربها، فعسى أن تكون قلة الناجحين إنذارا للشباب يصرفهم عن شئون السياسة وشجونها فلا يسوسون غير الدفاتر والكتب.
لا ينكر أن هناك حيفا يلحق ببعض التلاميذ، وسببه اختيار مميزين لا يستطيعون التمييز والحكم فيما ليس من اختصاصهم، أقول هذا مع اعترافي بكفاءة بعضهم وإنكاري على فريق منهم هذه القدرة.
وهناك قضية أخرى لا تعيرها الوزارة اهتماما، وهي اختلاف أذواق ومشارب هؤلاء المميزين، فإذا وقع طالب بين براثن متنطس متحذلق حطمه تحطيما لأنه لم يكتب كما يريد ذاك المميز، بينا رفيقه الذي هو دونه معرفة ينفذ في المضيق لأنه وقع بين يدين ناعمتين أو غير متمكنتين! إن الخير كله في الرجوع إلى تأليف لجان ثلاثية أو رباعية أو خماسية من عارفي المنهاج حق المعرفة لتميز الغث من السمين وتطبع على غرار واحد، فلا يظلم طالب ويرحم آخر، والظلم في السوية عدل في الرعية، ناهيك أن «وسطاء الخير» يعجزون عن الوصول إلى الخمسة واستجدائهم.
إن الشاعر والكاتب والصحفي والموظف غير الأستاذ في الأدب، فلا تغر الوزارة كفاءات لا معنى لها، إن لهذه الكفاءات سماء تشع فيها غير امتحانات البكالوريا.
أما الأسئلة - وعسى أن تحقق الوزارة ما نطلب - فأرى أن تكون أدق وأضيق نطاقا، إن أكثرها واسع فضفاض يضل فيها الممتحن والممتحن، فيقع كلاهما في محنة لا مرجع «رسمي» يحلها، إننا محتاجون إلى اختصاصيين فاهمين العربية، أقول هذا وأنا واثق بأني تعرضت لغضب سيبويههم و«حرد» ابن أثيرهم ...!
ولكنها حقيقة مؤلمة لا بد من الجهر بها، ولتقع السماء على الأرض ...
ما دام العارفون والمختصون غرباء عن أورشليم فلا أمل ولا رجاء، وهيهات أن تثمر المؤتمرات الثقافية ثمارها المرجوة.
अज्ञात पृष्ठ