وإذا حاجوك في أناس يطعن في حظهم، فقل لهم: «ليس هؤلاء في الحساب، ولا نريد أن نكون منهم.»
العام الجديد
تعودنا أن نودع ونستقبل كل رائح وآت حتى من الأعوام، ولكتابنا وشعرائنا بدائع وطرائف في هذا الموضوع، فالذاهب وخصوصا من السنين حبيب قلب ابن آدم، إنه يرى الخير كله في القديم على إطلاقه وإن لم يكن شيئا مذكورا.
على ألسنتنا يدور الترحم على ما فات، وفي أعيننا تحلو الذكريات، وما أرانا نحن في شيخوختنا إلا في قوة فارقتنا في منتصف طريق العمر، وآمال ضيعناها على درب الأبد، فكأنما استقبالنا لعامنا الجديد بهذه اللهفة دليل على أننا ما كنا نصدق أننا نبلغ هذه المحطة.
سوف لا أنشر شراع الخيال، ولا أقرع طبول الفصاحة في موكب استقبال العام الجديد، فلا تهليل ولا ترحيب، ولا تمنيات ولا آمال. إن عجلة الزمن لا تنتظر زجري لتسير، ولا إيماءتي لتقف، فتهليلي لها لا يقدم ولا يؤخر، فالذي فات فات، وما هو آت آت.
إن تمنياتي لا توازي ثقل حبة خردل في ميزان القدر، فلماذا أتعب نفسي لأحشو أذهانكم بتعابير فارغة لا تنفعني ولا تنفعكم مقدار جناح بعوضة؟
إن عبارة «كل عام وأنتم بخير» على صغرها وبساطتها لهي أحب وأغنى دعاء في هذا المقام، على شرط أن يكون للبؤساء والمساكين شيء من الخير الذي يتمناه الشبعان لأخيه المكتفي.
من عادة التجار أن يرصدوا حساباتهم في آخر كل عام، ويعدوا للعام الجديد دفاتر بيضاء تحمل في أولها رصيد العام الماضي من مكسب وخسارة، فينظر التاجر إلى ال «يكون» إما بعين مفتوحة وإما بقلب مكسور.
إننا في زمن انحصرت فيه كل القيم بل المثل العليا بالصناديق الحديدية، فإذا كان الصندوق متخما من كثر ما زلع وبلع فصاحبه هو ذاك الرجل، وإذا كان الصندوق غير مبشوم أحس صاحبه أنه دون جاره العائم في بحر من الثروة بعيد القرار.
حنانيك يا أخي! لا تنم على وجهك حنقا وسخطا لأن مبلغا من ميزانيتك مفقود، إن الله سيخلف عليك إن كنت أحسنت به إلى المساكين ونسيت أن تقيده، لا تدقق في دفتر الصندوق بهذه الشدة والصرامة لتعرف أين ذهب ذلك القرش، أرجوك يا سيدي، عفوا أرجوك يا سيد الصندوق وأتضرع إليك لكي تعيد النظر في دفتر حساباتك لترى فيه مقدار أرقام الإحسان وعمل الخير وخدمة الإنسانية، أنسيت يا أخي أنك إنسان؟
अज्ञात पृष्ठ