لم تقل التوراة كيف راح غضب يونان، فلا شك في أن حوت هذه الموعظة قد ابتلع ذلك الغضب ... وعلم يونان الحلم.
اللهم نجنا من الشرير، فلا نغضب للا شيء، ثم لا يرضينا شيء!
اللهم لا تكثر بيننا إخوة يونان فنغتاظ حتى الموت لذهاب يقطينة، ولا يطيب لنا عيش حتى نخرب مدينة ...! إن العمر قصير، والغضب الحامي يقصره أكثر، فما علينا إلا أن نداوي هذا الداء بالحلم، وإذا لم نستطع أن نطفئ ناره المتأججة فلا أقل من أن نتجنبها.
كانت امرأة إبراهيم لنكولن حمقاء بل مجنونة، تغضب لأقل بادرة تصدر عن زوجها، وقد عجز ذاك الرئيس العظيم عن الإقلال من غضبها، فبينما كانا يفطران يوما إذا بها ترميه بفنجان القهوة فتحرق وجهه وتبلل ثيابه، واتقى شرها بالصمت طلبا للسترة، ولكنها لم تكف عن السب واللعن حتى سمعت شتائمها المارة.
أما كيف كان يداوي لنكولن هذه المرأة السبابة الشتامة، فيروي مؤرخوه أنه كان ينام في الفنادق النائية؛ لأنه كان يخاف المجيء إلى بيته حيث لا يسمع غير الشتم والسب واللعن. هذا ما يورثه الغضب أهله، فإنه يؤذي الغاضبين والمغضوب عليهم، ولا دواء لهذا الداء إلا الحلم، فهو الذي يخفف مرارة الحياة وقسوتها، ولو لم يكن الغضب شر الشرور لما جرى ذلك الحوار بين النبي يونان وربه في التوراة، حوار يدل على أن الله ندم على غضبه على نينوى ولم يشأ أن يخربها، فغلب حلمه غضبه ونجت المدينة.
وفي القول الذي نسبه الجاحظ إلى معاوية والحسن بن علي تصديق لقولهم «كمال العلم بالحلم.» قال معاوية: «إذا لم يكن الهاشمي جوادا لم يشبه قومه، وإذا لم يكن المخزومي تياها لم يشبه قومه، وإذا لم يكن الأموي حليما لم يشبه قومه.» فبلغ قوله الحسن بن علي فقال: «ما أحسن ما نظر لقومه! أراد أن تجود بنو هاشم بأموالها فتفتقر إلى ما في يديه، وتزهى بنو مخزوم على الناس فتبغض وتشنأ، وتحلم بنو أمية فتحب.»
سير العظام تخلق العظائم
نحن قوم خياليون يروعنا مشهد الحقائق عارية فنلجأ إلى الخيال نتذرى به، وإلى الصوفية فتشغلنا عن العمل المثمر، تهنا في دنيا أحلام اليقظة مكتفين بما عندنا من ميراث تاريخي، ثم تمادينا في غرورنا فأمست تلك الأحلام الهرمة الشائخة رسالة، وأصبحنا جميعا رسلا وفلاسفة.
فماذا تنفعنا العزلة يا أخي، بل ماذا يجدينا وقوفنا في عرض الطريق غير مرور القوافل بنا ضاحكة هازئة؟ ما رأيت عظيما واحدا قعد كالدرويش في واحة الأحلام والأماني، ولكنني رأيت مواكب العظماء ضاربة في عرض الصحراء متخبطة في غمار البحار، ولولا المغامرات لما كان في الدنيا عظيم، بل كانت الدنيا سواسية كأسنان المشط ...
فنصيحتي لكل قارئ هي أن يضع سير الرجال العباقرة موضع قصص المغامرات المصنوعة وحكايات الحب، التي لا تزيد على أنها حوادث تتكرر بصور مختلفة.
अज्ञात पृष्ठ