सुबुल वा मनहिज

मारून अबूद d. 1381 AH
130

सुबुल वा मनहिज

سبل ومناهج

शैलियों

إن المكتبة خير ينبوع يستقي منه الطالب فينتعش ويذهب يأسه، ولكن من أين لأسير هذه المناهج الوارمة أن ينعتق ولو ساعة في النهار ليخلو بكاتب يحبه، أو شاعر يستملحه، أو علم تدفعه إليه عاطفة ملحة، أو فن دفنت بزوره في أعماق كيانه؟ فخير العلم الذي يجب أن نوجه إليه همنا هو ما ينفع أبناءنا ويلذ لهم، فلا يجهدهم ولا يضنيهم ثم ينفعهم بنافعة في العالم.

إذا هبت رياحك فاغتنمها

إذا زرته عند انتشار النهار رأيته في فراشه متمطيا بصلبه كأنه ليل امرئ القيس، يتقلب يمينا وشمالا كالمريض في دور إبلاله، وإذا تحدثتما وسألته عما كسبه أمس تأوه وتألم وقال لك: «حظنا قليل.»

تفرس فيه قليلا تر أنامل الكسل تداعب وجهه الناعم، وهو مسترخي الأهداب، منكسر العينين يحلم بالعظائم، يتنهد كأنه يشكو سوء حظه، وأشعة الشمس تمد إليه حبالها من خلال السجف لتنشله من لجة الأحلام، فيفتح عينيه نصف فتحة ليحاور نفسه قائلا: أقوم الآن؟ كم الساعة؟

ويلتفت إلى المنبه فيرى أنه قريب من الميعاد، ولكن الوقت لم يحن بعد فيخاطب نفسه قائلا: بعد ربع ساعة. وينقلب على جنبه الآخر ويستدير في فراشه إن كان الزمن شتاء ليستأنف نومة هانئة لذيذة، ثم لا يستيقظ إلا على صفير القطار أو عزيف جن زمارات السيارات، فيهب إلى الانزلاج في بنطلونه، وهيهات! ... الوقت قد فات، وها هو قد وصل، ولكن ليسمع التبكيت إن كان مأمورا، أو ليبكت نفسه إن كان من ذوي الأعمال الحرة.

ينتظر صاحبنا وهو متهدل في فراشه أن يأتي إليه الرغيف سعيا على الوجه أو مشيا على الرأس، فلا يدري حضرته أن الأرض وما عليها وما فيها والسماء وأجرامها لا تقف قط عن العمل، ولا تضيع ثانية واحدة من الوقت.

كم من فرصة مرت بباب هذا الذي يشكو قلة الحظ ورأته محكم الإقفال فلم تستطع الدخول، فراحت في طريقها تفتش عمن هو في انتظارها ليقبض عليها بيديه الثنتين ويضمها إلى صدره ضمة عاشق منتظر! كثيرون منا ينتظرون أن يأتيهم رزقهم رغدا، وأن ينزل عليهم الرغيف في قفة من فوق، وقد فاتهم ما قاله أحد رجال الفكر: «إن خير الرجال هم من لا ينتظرون أن يجيئهم الحظ إلى البيت، ولكنهم يهاجمونه ويحاصرونه ليتغلبوا عليه ويجعلوه خادما لهم.»

فالقول بالحظ وعدم سنوح الفرص واقتناصها حجة لاجئ إليها خائرو الهمم، هؤلاء الذين وصلوا متأخرين جدا حين وزع الله الحزم على عباده، فليتهم يتذكرون قول شاعرنا العظيم: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم.» فيفيقوا من ثبات كسلهم، فلا يدعون الفرص تدخل بيوتهم من الباب وتخرج من الشباك.

يزعم مصنفو الأساطير أن الفرصة صلعاء من خلف ولها شعر طويل من قدام، فإذا جاءتك وتشبثت بناصيتها فذاك، وإلا فلا.

وبعد، فما هي الفرصة؟ إنها كل عمل نتقنه، وكل أمانة نؤديها، فكل سعي صادق نسعاه هو فرصة تفتح لنا باب الفلاح، فأي رجل منا إذا حاسب نفسه وفكر تفكير رجل يريد أن يكون شيئا في الحياة، لا يتذكر أنه أضاع فرصة ما لو كان أحسن الاستفادة منها لغيرت تاريخ حياته، بل ربما غيرت مجرى حياة كثيرين غيره ممن يعملون معه. إننا نتذكر تلك الفرصة التي تفلت منا بالحزن والأسف ونهتف قائلين: آه! لو كنا عملنا كذا لصرنا كذا وكذا، لو لم نتأخر خمس دقائق ما فاتتنا الغنيمة الفلانية، قد أدركها فلان فأصبح اليوم من الأغنياء العظام وقبر الفقر.

अज्ञात पृष्ठ