تنبأت؟ قال على الشعراء. فقيل: لكل نبي معجزة فما معجزتك؟ قال: هذا البيت:
ومِن نكد الدنيا على الحرّ أن يَرى ... عَدُوًّا له ما من صداقته بُدُّ
وحكى أبو الفتح عثمان بن جني قال: سمعت أبا الطيب يقول: إنما لقبتُ بالمتنبي لقولي:
أنا تِرْبُ النَّدى ورَبُّ القوافي ... وسمام العدَا وغَيظُ الحسودِ
أنا في أمَّة تداركها الل ... هُ غريبُ كصالح في ثَمودِ
ما مُقامي بأرضِ نَحْلَةَ إلا ... كمقام المسيح بين اليَهودِ
قال أبو العلاء المعري في رسالة الغفران: وحدثت أن المتنبي كان إذا سئل عن حقيقة هذا اللقب، قال: هو من النبوة أي المرتفع من الأرض، وكان قد طمع في شيء قد طمع فيه من هو دونه؛ ثم قال: وقد دلت أشياء في ديوانه أنه كان متألهًا ومثل غيره من الناس متدلهًا. فمن ذلك قوله:
ولا قابلًا إلا لخالقه حُكْما
وقوله:
ما أقدر اللهَ أن يُخْزي بَريَّته ... ولا يُصَدَّقُ قولًا في الذي زعموا
ثم قال: وإذا رجع إلى الحقائق فنطق اللسان لا ينبي عن اعتقاد الإنسان، لأن العالم مجبول على الكذب والنفاق، ويحتمل أن يظهر الرجل بالقول تدينًا، وإنما يجعل ذلك تزينًا.
ثم قال: وحدثت أن المتنبي كان يصلي بموضع بمعرة النعمان يقال له كنيسة الأعراب، وأنه صلى ركعتين، وذلك في وقت العصر. ويجوز أنه كان على سفر، وأن القصر له جائز.
ثم قال: وحدثت عنه حديثًا معناه أنه لما حصل في بني عدي، وحاول أن يخرج فيهم، قالوا له وقد تبينوا دعواه: هاهنا ناقة صعبة فإن قدرت على ركوبها أقررنا أنك مرسل، وأنه مضى إلى تلك الناقة وهي رائحة في الإبل، فتحيل حتى وثب على ظهرها، فنفرت ساعة، وتنكرت برهة، ثم سكن نفارها، ومشت مشى الممسحة وأنه ورد بها الحلة، وهو راكب عليها، فعجبوا له كل العجب، وصار ذلك من دلائله عندهم.
وحدثت أيضًا أنه كان في ديوان اللاذقية؛ وأن بعض الكتاب انقلبت على يده سكين الأقلام، فجرحته جرحًا مفرطًا، وأن أبا الطيب تفل عليها من ريقه وشدها، غير منتظر لوقته، وقال للمجروح: لا تحلها في يومك، وعد له أيامًا وليالي، وأن ذلك الكاتب قبل منه، فبرئ الجرح فصاروا يعتقدون في آبي الطيب أعظم اعتقاد، ويقولون: هو كمحي الأموات.
وحدث رجل كان أبو الطيب قد استخفى عنده في اللاذقية أو في غيرها من السواحل، وأراد الانتقال من موضع إلى موضع، فخرج بالليل ومعه ذلك الرجل، ولقيهما كلب ألح في النباح ثم انصرف، فقال أبو الطيب لذلك الرجل وهو عائد: إنك ستجد الكلب قد مات. فلما عاد الرجل ألفي الأمر على ما ذكر.
ولا يمتنع أن يكون أعد له شيئًا من المطاعم مسمومًا وألقاه وهو يخفي عن صاحبه ما فعل.
وقال له بعض الأكابر وهو في مدينة السلام: أخبرني من أثق به أنك قلت: أنا نبي، فقال: الذي قلته: أنا أحمد النبي.
قال أبو عبد الله ياقوت الرومي: ولم يزل المتنبي بعد خروجه من الاعتقال في خمول
1 / 43