Study of Texts from the Pre-Islamic Era: Analysis and Appreciation
دراسة في نصوص العصر الجاهلي تحليل وتذوق
प्रकाशक
مكتبة المتنبي
शैलियों
مقدمة
مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، وأستفتح بالذي هو خير.
وبعد:
فمنذ قدرلي الاتصال بالدراسات الأدبية أحسست في أعماقي هوى يشدني إلى الشعر الجاهلي، ويملي على إطالة الوقوف أمامه وإنعام النظر فيه، حتى غدا شغلي الشاغل، فوقفت عليه جهدي في أطروحتي الماجستير والدكتوراه، وما تزال الأواصر بيني وبينه موصولة، وما يزال شغفي به يزداد يوما بعد يوم.
ولعل ذلك راجع إلى أن الشعر الجاهلي هو القاعدة الصلبة، والينبوع الثر الذي يستمد منه الأدب العربي -على اختلاف عصوره وتنائي دياره- أسباب حياته: لما فيه من قيم جمالية أخاذة، ولأنه تعبير صادق عما استكن في أعماق قائله، وتصوير دقيق للبيئة العربية آنذاك، فلم يعرف قائله زيف العواطف، ولا تمويه القول، ومن ثم غدا المنارة الهادية التي انبثقت أضواؤها لتخترق غياهب العصور والأزمان، فإذا الأدب العربي كله على اتساع وقعته، وامتداد آفاقه يقبس من هذا النور، ويتخذه الأ نموذج والمثل.
1 / 1
لهذا كله أشرب قلبي حب الشعر الجاهلي، وصارت القراءة فيه تحقق لي متعة فنية أجد معها نفسي، هذه القراءات المتواصلة رشحت لي فكرة انتخاب بعض قصائده، أطيل الوقوف أمام قيمها الجمالية المتعددة من خلال التحليل الفني والاستشفاف والتفسير، والتعرف على نفسيات قائليها وتطلعاتهم وآمالهم وآلامهم وسائر حيواتهم من خلال ذلك.
وقد جاءت هذه القصائد المنتخبة تصور إنسان هذا العصر، إذ يصور بعضها خروج العربي على قومه ونفوره من جوارهم بسبب وجوده في وضع اجتماعي مهين لا دخل له فيه، ويصور بعضها خروج العربي على قومه كذلك من خلاله ذاته ويثبت جوده، كما يصور بعضها الآخر العربي في حرصه على سلامة قومه وتمسكه بالإنتماء إليهم مهما لقي في سبيل ذلك من العناء والهول الذي قد يسلمه للموت، فهذان اتجاهان متقابلان، وقد ختمت هذه القصائد بنموذج المديح الذي لم تدفع إليه رغبة أو رهبة، مما يكشف عن إنسان متحضر ذي قيم خلقية أصيلة.
وقد حاولت من خلال معايشة هذه النصوص أن يكون منظوري لها شاملا يتمثل أولًا في الرجوع إلى المعاجم والاستئناس بالشواهد الشعرية كلما كان ذلك ميسورا بغية تجسيد المعنى وكشف مكنونه بالنسبة لبعض الألفاظ، ومن واقع المعرفة اللغوية كنت أتجه
1 / 2
إلى المعنى الذي يطلبه السياق ويستدعيه المقام، ويهدي إليه الذوق الفني، وأحيانا كنت أعرض المعاني الأخرى للكلمة التي لا يرفضها السياق، والتي تصح فيه بوجه من الوجوه، وإذا كانت هذه النظرة تبدو عليها سمة التقليدية ومسحتها فإنه لا مفر منها، إذ كنا نتعامل مع ألفاظ الشعر الجاهلي وبيننا وبين قائليه بون شاسع مع اختلاف الظروف والبيئات، على أن ربط هذه الألفاظ أو بعضها بأي من القرآن الكريم يسمو بالكلمة ويرطب من جفافها وييسر فهم مضمونها والمقصود منها.
لذلك كنت أقرأ القصيدة وأتعرف على ظروفها وسيرة شاعرها ثم أوجه عنايتي إلى دراسة لغتها فالشعر فن متميز البنية متميز الشكل متميز الجمال مادته اللغة بكل ما تحويه اللغة من طبيعة دلالية أو وظيفة إيحائية.
كما يتمثل ثانيًا في الاستعانة بالدراسة التحليلية التي تكشف عن نواحي الجمال الأدبي في النص كما يهدي إلى ذلك الذوق المتأمل، وذلك مثل دراسة الحالة النفسية للشاعر من خلال موسيقاه التي أفرغ في لحنها كلماته، والنفاذ من مدلول الكلمات أي إيماءاتها النفسية والفكرية، وغير ذلك مما يساعد في الوقوف على عناصر الإبداع في العمل الأدبي، تلك العناصر التي تتشابك وتتداخل.
1 / 3
في ضوء هذا المفهوم اتجه الباحث في معالجة هذه النصوص مؤملا أن يضيف -من خلال هذا العمل المتواضع- لبنه في صرح البحث العلمي الخالص خدمة لتراثنا وأدبنا، والله من وراء القصد، وهو نعم المولى ونعم النصير.
السيد أحمد عمارة
1 / 4
الشنفرى بين نزعة التمرد والإعتصام بالكرامة الإنسانية
لمحة عن الشاعر
...
الشنفرى بين نزعة التمرد والاعتصام بالكرامة الإنسانية لامية العرب للشنفرى
1 / 1
الشاعر١:
اختلف الرواة في اسمه كما اختلفوا في نسبه وأغلب الروايات تذكر أنه الشنفرى بن الأواس بكسر الهمزة أو ضمها بن الحجر بن الهنو ابن الأزد٢، فهو أزدي من أزد شنوءة التي كان موطنها جبال السراة، بين مكة والمدينة.
وكان أبوه في قلة من المال، وأمه كانت سبية.٣
وهو أحد أغربة العرب، ويصرح في شعره بأنه هجين٤ يقول:
ألا ليت شعري والتلهف ضلة ... بما ضربت كف الفتاة هجينا
وكان هؤلاء الأغربة ينبذهم آباؤهم لعار ولادتهم لأنهم ليسوا بأولاد حرائر ومن معاني الشنفرى الغليظ الفتين، وغلظ الشفتني من سمات الجنس الأسود كما يقرر ذلك علماء الأجناس.
_________
١ راجع ترجمته: الأغاني جـ٢١صـ٨٧ سمط اللآلي ٤١٤ وأسماء المغتالين ٢٣١ والخزانة جـ٢ صـ١٦، والطرائف الأدبية ٢٧.
٢ الأغاني جـ٢١ صـ١٧٩.
٣ ابن الأنباري شرح المفضليات ١٩٥.
٤ الهجين: العربي الذي أمه أَمَةٌ.
1 / 2
قد اصطرع قوم الشنفرى مع بني شبابة إحدى قبائل فهم بن عدوان وقد هزموا، وقتل والد الشنفرى في هذه المعركة، وأخذ هو أسيرًا وظل فيهم، حتى زهدوا فيه، واستبدلوه بأسير منهم وقع في أيدي أعدائهم بني سلامان، فكان الشنفرى في بني سلامان مكان الفهمي وعاش في بني سلامان كأنه واحد منهم وعلى عينيه غشاوة عن حقيقة وضعه حتى ظن أنه ابن الرجل الذي تبناه فكن يعامله على أساس أنه والده ويناديه ياأبي، حتى حدث ما حدث من الأحداث التي جعلته ينقم على بني سلامان ويعود إلى بني فهم.
وتختلف الروايات في سبب نقمته عليهم، وتذكر بعضها أن الرجل السلامي الذي كان يعيش عنده، الشنفرى ويرعى غنمه وإبله كانت له فتاة تسمى قعسوس وبينما هما يرعيان -وأبوها غائب- طلب منها الشنفرى أن تعينه في غسل رأسه فأنفت أن يستخدمها، ولطمته لطمة مدوية على خديه، طار لها لبه وفقد صوابه، واستشاط منها غضبا، وانتظر حتى حضر أبوها، وذهب له مغاضبا وسأله من أنا؟ فقال: من الأواس بن الحجر، فقال: أما إني لن أدعكم حتى أقتل منكم مائة بما استبعدتموني١.
ثم قال للجارية التي لطمته وقالت له لست بأخي:
آلا ليت شعري والتلهف ضلة ... بما ضربت كف الفتاة هجينها
_________
١ الأغاني جـ٢١صـ١٧٩.
1 / 3
ولو علمت قعسوس أنساب والدي
... ووالدها ظلت تقاصر دونها
أنا ابن خيار الحجر بيتًا ومنصبًا ... وأما ابنة الأحرار لوتعرفينها
وبعض الروايات تذكر أنه أحبها، وتمنى أن يتزوجها، وحاول أن يقبلها حين خلا بها، فصكت وجهه، ثم سعت إلى أبيها فأخبرته فخرج إليه ليقتله فوجده ينشد أبياتًا يأسف فيها على أن هذه الفتاة لا تعرف نسبه، وبعضها تذكر أنه تزوجها فعلًا، وأن بني سلامان استقبحوا أن يصهر إليهم رجل كالشنفرى، وأن أبا قعسوس خشي أن يقتله أهله أن أصهر إليه، فأقسم له الشنفرى إن قتلوك لأقتلن منهم مائة رجل بِكَ فأنكحه ابنته، وبعد أن تزوجها الشنفرى قتلت بنو سلامان أباها، فأخذ الشنفرى يوفي بوعده للرجل فيغزو بني سلامان وقتلهم.
والذي يعنينا من ذاك أنه نشأ في غير قومه نشأة غير عادية، فلم يتمتع بما كان يتمتع به من نشأ بين قومه وفي أحضان عشيرته.
ففقد توازنه الاجتماعي مع قبيلة الأزد، ثم انتقل إلى قبيلة فهم المشهورة بلصوصها، وهناك اتصل به تأبط شرًا، ووجد فيه تلميذًا ممتازًا، فلقنه دروس الصعلكة الأولى، ورأى الشنفرى أن فرصته في الانتقام من قبيلة الأزد قد سنحت له فصب عليها كل غزواته.١
_________
١ الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي د/ يوسف خليف ٣٧٥
1 / 4
فكان يغير على الأزد على رجليه فيمن معه من فهم، وكان يغير عليهم وحده أكثر من ذلك.١
وتذكر بعض الروايات أنه قتل منهم تسعة وتسعين رجلًا، وأنهم حاولوا أكثر من مرة أن يتمكنوا منه ولكنه كان يفر منهم وأخيرًا تمكنوا من قتله بعد أن أذاقوه صنوف العذاب٢، فيمر رجل منهم بجمجمته فيضربها فتعقره فيموت، وتتم به المائة الذين كانت حلفة الشنفرى عليهم٣. ففي قتله لبني سلامان قتل لعدوه الظاهر ولم تدر أن نفس الشنفرى ليست ككل النفوس في إبائها للضيم وشعورها بالهوان، يقول عن نفسه:
ولكن نفسًا حرة لا تقيم بي ... على الضيم إلا ريثما أتحول
وقد كانت نفسه شديدة الحساسية سريعة التأثير فقد سجل هذا الصراع الذي دار بينه وبين بني سلامان: تهديده لهم، تربصه بهم، أحاديث غاراته عليهم، أسلحته التي استخدمها، كما صور فقره وهزاله ونعليه الممزقتين، وتشرده في الصحراء، وغير ذلك من
_________
١ الأغاني جـ٢١صـ١٨٣.
٢ وقد رثاه صديقه تأبط شرًا بأبيات شاكية الطرائف الأدبية ٢٨.
٣ السابق ١٨٦.
1 / 5
الأحداث التي لا ترجع أهميتها لذاتها بل لما تعسكه من آثار على نفسه وحياته.
على أن الشنفرى من الشعراء البارزين في طائفة الصعاليك والذين كان لهم منهج خاص في حياتهم ومنهم عروة بن الورد والسليك بن السلكة وتأبط شرًا، وقد تميز هؤلاء الصعاليك باحتراف الغزو والغارات على الأغنياء والبخلاء ثم يوزعون ما غنموه على الفقراء والمعوزين، وكانت لهم صفات نفسية وبدنية خاصة تؤهلهم للقيام بهذا العمل فقد تميزوا بالشجاعة والصبر وشدة المراس وتحمل المشاق وسرعة العدو حتى ضرب بهم المثل في ذلك فقيل: أعدى من الشنفرى
أو أعدى من السليك.
1 / 6
عزم على الرحيل
...
أقيموا بني أُمي صدور مَطيكم ... فإني إلى قوم سواكم لأميَلُ
فقد حُمت الحاجات والليل مُقمر ... وشُدت لطِيات مطايا وأرحُلُ
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى ... وفيها لمن خاف القلي مُتعزَّلُ
لعمرك ما في الأرض ضيق على امرئ ... سرى راغبًا أوراهبًا وهو يعقلُ
ولي دونكم أهلون سيد عَمَلَّس ... وأرقط زهلول وعرفاء جيألًُ
هم الأهل لا مستودَعُ السرِ ذَائعٌ ... لديهم ولا الجاني بما جر يُخْذلُ
وكل أَبِيٌّ باسِلٌ غير أنني ... إذا عرضت أولى الطرائد أبسلُ
وإن مُدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجلُ
1 / 7
وما ذاك إلا بسطة عن تفضلٍ
...
عليهم وكان الأفضلَ المتفضلُ
وإني كفاني فقد من ليس جازيًا
...
بحسني، ولا في قربه متعللُ
ثلاثة أصحاب: فؤاد مشيع
...
وأبيض إصليت وصفراء عيطلُ
هتوف من المُلس المتون يزينها
...
رصائع نيطت إليها ومحملُ
إذا زل عنها السهم حنت كأنها
...
مرزأة عَجْلَى ترن وتعولُ
اللغة:
١- أقيموا صدور المطي: هيئوها للسير كي نرحل ومنه قول الشاعر:
أقيموا بني النعمان عنا صدوركم
وإلا تقيموا صاغرين الرءوسا
وبنو الأم: الأشقاء من الأخوة وغير الأشقاء ما دامت تجمعهم الأم
المطايا: الإبل، وإقامة صدورها كناية عن التهيؤ للرحيل
_________
١ ١ عجب العجب في شرح لامية العرب١١.
1 / 8
أميل: بمعنى مائل من الميل وهو العدل.
٢ حمت الحاجات: قدرت ودبرت، والطية: الحاجة أو النية المدبرة، الأرحل: جمع رحل، وهو ما يوضع على البعيرة.
٣ المنأى: المكان البعيد وكذا المنتأى قال النابغة يخاطب النعمان:
فإنك كالليل الذي هو مدركي
وإن خفت أن المنتأى عنك واسع
القلى، الهجر، ومنه قوله تعالى: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ .
المتعزل: مكان العزلة عن الناس، والبيت كله حكمة كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾ ١.
٤ لعَمرك: ولعَمري ولعَمر الله كلمات تستعمل في القسم تكون فيها اللام للتوكيد، والعَمر: الحياة والبقاء، ومنه قوله تعالى: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ ٢
سرى: السرى: سير عامة الليل والمقصود مطلق السير، راغب: صاحب رغبة راهب: من الرهبة وهي الخوف.
_________
١ النساء: ٩٧.
٢ الحجر ٧٢.وفي رواية لعمرك ما بالأرض.
1 / 9
٥ دونكم: غيركم، أهلون: جمع أهل، السِيد بكسر السين الذئب، عملَّس بفتحتين، قوي سريع، الأرقط: النمر الذي في جلده بياض وسواد، الزهلول: الأملس، العرفاء: الضبع الطويلة العرف، جيال اسم للضبع.
٦ ذائع: منتشر، جرَّ جريرة: جنى جناية، وخذله: تخلى عن نصرته، وهم الأهل بأسلوب القصر، أي هم الأهل الحقيقيون ولا أهل غيرهم.
٧ الأبي: الذي يأبى الذل ويرفض الضيم، الباسل: الشجاع البطل، الطرائد: جمع طريدة، وهي الفريسة التي تطارد.
٨ أعجل: أسرع، الجشع: النهم وشدة الحرص على الطعام والإسراع إليه.١
٩ البسطة: السعة، قال تعالى: ﴿وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْم﴾ ٢
التفضل: الإحسان، أو هو ادعاء الفضل على الغير. الأفضل: الذي يفضل غيره ويتميز عليه، المتفضل، المحسن.
١٠ فَقْد مفعول ثان لكفاني، الجازي بالحسنى: المكافئ بالإحسان، والحسنى أفعل تفضيل للمؤنث، والتعلل: التلهي وتعلل بالشيء اليسير اكتفى به، قال أبوفراس الحمداني:
_________
١ ومثل هذا قول حاتم:
أكف يدي من تنال أكفهم
إذا نحن أهوبنا وحاجاتنا معًا
٢ البقرة ٢٤٧
1 / 10
معللتي بالوصل والموت دونه ... إذا مت ظمأنًا فلا نزل القطر
وقال آخر:
لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد ... ليسوا من الشر فى شيء وإن هانا
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ... ومن أساءة أهل السوء إحسانًا
١١ مشيع: جريء شجاع الأبيض: السيف، والأصلت: الصقيل، والصفراء: القوس التي صنعت من النبع، والعيطل: القوس الطويلة العنق.
١٢ هتوف: ذات هتاف ورنة أي لها صوت مخصوص وهذه صفة للقوس، الملس: النواعم، فالملاسة ضد الخشونة، والمتن: الصلب وهو الظهر والملس متونها أي جوانبها، الرصائع: جمع رصيعة وهي ما يرصع أي يحلى به، والمراد السيور التي تحلى بها القوس، ونيطت إليها: علقت عليها، المحمل: ما يعلقه متقلد القوس في كتفه.
١٣ زل السهم: خرج منها، حنت: صوتت صوتًا معينًا قريبًا من صوت البكاء، المرزاة: الكثيرة الرزايا والمصائب، والثكلى التي فقدت
1 / 11
أباها أو ابنها الوحيد، عجلى: مسرعة، ترن: تصوت برنين، وتعول: ترفع صوتها بالبكاء والعويل.
التحليل:
تعبر هذه الأبيات عن الهموم التي تعتري الشاعر من صراعه من بني قومه، ومن المجتمع الذي ينتمي إليه، فقد بدأها بالحديث عما يحس به من نفرة وسأم وملل راح بسبب ذلك يتهيأ للرحيل عن قومه مخاطبًا إياهم بأن يقيموا صدور مطيهم لا ليرحلوا هم وأنما ليستعدوا لرحيله، فقد كره مقامه بينهم ورغب في مكان سوى هذا المكان، وبرحيله أصبحوا لا مكان لهم فمن الخير أن يرحلوا كذلك، وقد عقد العزم على ذلك وصار مقتنعًا بمسلكه وما يقوم عليه من التصرف، فلم ير في قومه من الشمائل ما يشجعه على البقاء بينهم والحفاظ على ودهم فليضرب في جنبات الأرض الفسيحة مرددًا قول الشاعر:
إذا أنت لم تكرم بأرض فارتحل ... فلا خير في دار يهان كريمها
وهو واثق أن الأرض لن تضيق بأمثاله ممن يأبون الضيم ويرفضون المهانة والمذلة بل فيها متسع لمن يمشي في مناكبها يطلب العيش الكريم.
1 / 12
والشاعر هنا يعرض حجته في مفارقته لقومه مع حرصه على رعاية أواصر الرحم التي تربط بينه وبينهم، فالحاجات قد حمت وآن أوانها المقدر، وقد اتضحت أمامه الرؤيا وفكر في هدوء واتزان فاتخذ قراره بالرحيل والكريم يربأ بنفسه عن الأذى فيهاجر إلى مكان بعيد، كما أن اعتزال الناس أكرم من الإثقال عليهم واحتمال نفورهم وكراهيتهم.
ثم يقسم الشاعر أن الأرض واسعة لصاحب الحاجات والآمال فإذا عجز عن تحقيقها في مكان ما فليرحل إلى غيره، ومن فقد الأمان في أرض فليطلب سواها عله يجد الأمن في جنياتها، فالعاقل الحازم هو الذي يحتال بالهجرة ليحقق ما ابتغاه بدل أن يستسلم للواقع فيعيش في فزع فضلًا عن عجزه عن تحقيق آماله، والحر لا يعز عليه أن يعثر على مكان يهنأ به وينأى عن الهوان.
وقد اختار مجتمعا غير مجتمع الناس جميعا أنه مجتمع الوحوش، يعايش الحيوان المفترس والأسد الضاري، والنمر الأرقط، والضبع الطويلة العرف، هؤلاء جميعا هم الأهلون الذين يؤثرهم على قومه ويفضلهم على الناس جميعا ثم يعود ثانية للحديث عن أهله الجدد واقتناعه بالانتساب إليهم ويعبر عن هذه القناعة بأسلوب القصر الذي يعني أنه لا أهل سواهم، ويبد وأنه ألف هذه الوحوش وعرف طبائعها، ولذلك وصفها وصفا كاملًا يخفي وراءه شعورا بالألم
1 / 13
والضيم من قوم يذلونه ويتخلون عنه في المقام الحرج، وهو هنا يقارن بين مجتمع الناس الذي هجره، ومجتمع الوحوش الذي ألفه فيقول:
هم الأهل لا مستودع السر ذائع ... لديهم ولا الجاني بما جر يخذل
ففي مجتمع الوحوش تتكتم الأسرار، ولا يتخلى القوي عن الضعيف فلا يخذله أو يسلمه حتى في أشد المواقف وأكثرها حرجًا، وهو بذلك يشير إلى سبب هجره لمجتمع الناس حيث لا يؤتمن أحدهم على سر، وفي هذا تعريض بأهله لأنهم على النقيض من ذلك.
ثم أخذ يصف هذه الوحوش التي اتخذ منها أهلًا وأصحابًا، فهي تتسم بالبسالة والشجاعة، ومع شجاعتها الفائقة فهو أكثر جرأة منها حين تعرض له الفريسة فيطاردها، فلا يكل إلى هذه الوحوش أمره ولا يعتمد عليها في الدفاع عنه، فله من شجاعته وبسالته ما يتخذه درعًا وسندًا يضرب به الأمثال، فالشاعر هنا يقارن بينه وبين الوحوش.
ومع هذه الشجاعة الفائقة فله من عفته وقناعته ما يدفع عنه تهمه الجشع، فإذا كان يسبق إلى الفريسة ويزاحم في صيدها فلا يسبق إلى أكلها فحسبه ما يتمتع به من غنى النفس مع تفضل على الفقراء والمعوزين.
1 / 14
وقد فقد الشاعر قومه وهجرهم حين وجد أنه لا خير منهم، حيث لا يقدرون المعروف ولا يفهمون معنى الجميل ولا يكافئون عليه، وليس هناك من سبب واحد يحمله على البقاء معهم ويساعده على الحياة في كنفهم، فله عزاء عن فقدهم، وعزاؤه يتمثل في رباطة جأشة وثبات قلبه، كأنه في ثباته محمي ومنصور بشيعة له وأنصار، كما يتمثل في سلاحه: سيفه الصقيل الذي يضرب به عن قرب وقت الالتحام، وقوسه المتينة التي تخطئ الأهداف عن بعد حين تنطلق منها السهام سواء أكان هذا الهدف من الأعداء أم من الصيد.
ويأخذ في وصف هذه القوس رفيقته في الجهاد وعونه على الأعداء فهي ملساء الصلب والجوانب، تسمع لها نغمًا معينًا وصوتًا قويًا عند انطلاق السهم عنها للدلالة على قوتها وسلامتها من العطب، بالإضافة إلى أنها محلاة ومرصعة ببعض ما يزينها فاهتمامه بمظهرها وشكلها لا يقل عن إهتمامه بجوهرها ومادتها، فهو يعتز بها لأنها قوس عجيبة تسمع له صوتًا حين يزل عنها السهم وينطلق أشبه ما يكون بصوت الثكلى الحزينة في رنة صوتها وعويلها، ووصف الثكلى بكثرة الرزايا، والسرعة تشير إلى جودة القوس وكثرة السهام التي ترمى بها وسرعتها في انطلاقها، وهذا يعني أنه ليس له أصحاب، أنه وحده صاحب نفسه، والسيف والقوس وسيلتاه للدفاع عن النفس والبقاء.
1 / 15
صفات يبرأ منها
...
ولست بمهياف يعشي سوامه
... مجدعة سقيانها وهي بُهَّلُ
ولا جُبَّا أكهى مرب بعرسه ... يطالعها في شأنه كيف يفعل
ولا خرق هيق، كأن فؤاده ... يظل به المكاء يعلو ويسفل
لا خَالِف دَارِيَة مُتغزل ... يروح ويغدو، داهنًا يتكحلُ
ولست بعل شره دون خيره ... أَلفّ، إذا ما رعته، اهتجاج أعزلُ
ولست بمحيار الظلام إذا انتحت ... هدى الهوجل الْعِسِّيقِ يَهْمَاءُ هَوْجَلُ
اللغة:
١٤ المهياف: الذي يبعد بإبله في طلب المرعى فيعطشها، أو هو السريع العطش أو السيء التدبير، السوام: الماشية الراعية في
1 / 16