Studies in the Distinctiveness of the Islamic Ummah and the Orientalists' Position on It
دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه
प्रकाशक
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية
संस्करण संख्या
الأولى
प्रकाशन वर्ष
١٤٣٤ هـ - ٢٠١٣ م
प्रकाशक स्थान
قطر
शैलियों
دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه
تأليف
د. إسحاق بن عبد الله السعدي
[المجلد الأول]
إصدارات
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية
بتمويل الإدارة العامة للأوقاف
إدارة الشؤون الإسلامية - دولة قطر
अज्ञात पृष्ठ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 / 2
حُقُوق الطَّبْع مَحْفُوظَة لوزارة الْأَوْقَاف والشؤون الإسلامية
الطبعة الأولى
١٤٣٤ هـ - ٢٠١٣ م
1 / 3
دراسات فِي تميز الْأمة الإسلامية وموقف المستشرقين مِنْهُ
[المجلد الأول]
1 / 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد، فإن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر -وقد وفقها اللَّه لأن تضرب بسهم في نشر الكتب النافعة للأمة- لَتحمد اللَّه ﷾ على أن ما أصدرته قد نال الرضا والقبول من أهل العلم.
والمتابع لحركة النشر العلمي لا يخفى عليه جهود دولة قطر في خدمة العلوم الشرعية ورفد المكتبة الإسلامية بنفائس الكتب القديمة والمعاصرة، وذلك منذ تسعة عقود، عندما وجه الشيخ عبد اللَّه بن قاسم آل ثاني حاكم قطر آنذاك بطباعة كتابي (الفروع) و(تصحيح الفروع)، سنة ١٣٤٥ هـ، وكان المؤسس الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني رحمه اللَّه تعالى قد سن تلك السنة من قبل.
وقد جاء مشروع إحياء التراث الإسلامي والنشر العلمي الذي بدأته الوزارة في السنوات الأخيرة امتدادًا لتلك الجهود، وسيرًا على تلك المحجة التي عُرفت بها دولة قطر.
ومنذ انطلاقة هذا المشروع المبارك يسَّر اللَّه جلَّ وعلا للوزارة إخراج مجموعة من أمهات كتب العلم والدراسات المعاصرة المتميزة في فنون مختلفة، تُطبع لأول مرة، نذكر منها:
1 / 5
• في التفسير وعلوم القرآن:
أصدرت الوزارة عدة كتب منها: (فتح الرحمن في تفسير القرآن) للعُليمي، و(المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز) لابن عطية في طبعته الثانية.
وفي علم رسم المصحف أصدرت الوزارة: كتاب (مرسوم المصحف) للعُقيلي، و(الدرة الصقيلة في شرح أبيات العقيلة) لأبي بكر اللبيب.
وفي علم القراءات أصدرت الوزارة كتاب: (البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة) لأبي حفص النشار، و(معاني الأحرف السبعة) لأبي الفضل الرازي.
• وفي السنة النبوية وشروحها:
أصدرت الوزارة عدة كتب، منها: (التقاسيم والأنواع) لابن حبان، و(مطالع الأنوار) لابن قرقول، (التوضيح شرح الجامع الصحيح) لابن الملقن، و(حاشية مسند الإمام أحمد) للسندي، وشرحين لموطأ الإمام مالك؛ لكُلٍّ من (القنازعي)، و(البوني)، و(المخلصيات) لأبي طاهر المخلص، و(شرح مسند الإمام الشافعي) للرافعي، و(نخب الأفكار شرح معاني الآثار) للعيني، و(مصابيح الجامع) للدَّمَاميني.
ومما تشرفت الوزارة بإصداره في تحقيق جديد متقن: (صحيح ابن خزيمة)، و(السنن الكبرى) للإمام النسائي، والمحقَّقين على عدة نسخ خطية، و(جامع الأصول في أحاديث الرسول)، و(النهاية في غريب الحديث) لابن الأثير.
• وفي الفقه وما يتصل به:
أصدرت الوزارة عدة كتب في المذاهب الأربعة، منها: كتاب: (الأصل) لمحمد بن الحسن الشيباني (ت ١٨٩ هـ) كاملًا محققًا على أصول
1 / 6
عدة، و(التبصرة) للخمي، و(نهاية المطلب في دراية المذهب) للإمام الجويني بتحقيقه المتقن للأستاذ الدكتور عبد العظيم الديب رحمه اللَّه تعالى عضو لجنة إحياء التراث الإسلامي، و(حاشية الخلوتي).
كما أصدرت الوزارة: (الأوسط من السنن والإجماع والاختلاف) للإمام ابن المنذر بمراجعة دقيقة للشيخ الدكتور عبد اللَّه الفقيه عضو لجنة إحياء التراث الإسلامي، و(بغية المتتبع لحل ألفاظ روض المربع) للعوفي الصالحي، و(منحة السلوك في شرح تحفة الملوك) للعيني.
• وفي السيرة النبوية:
أصدرت الوزارة الموسوعة الإسنادية: (جامع الآثار في السير ومولد المختار) لابن ناصر الدين الدمشقي، وغيرها.
• وفي العقيدة والتوحيد:
أصدرت الوزارة كتابًا نفيسًا لطيفًا هو: (الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد) لابن العطار تلميذ الإمام النووي رحمهما اللَّه تعالى، كما أعادت نشر كتاب الرد على الجهمية للإمام أحمد رحمه اللَّه تعالى، وغيرها من كتب عقيدة أهل السنة والجماعة.
• وفي مجال الدراسات المعاصرة المتميزة:
أصدرت: (القيمة الاقتصادية للزمن)، و(نوازل الإنجاب)، و(مجموعة القره داغي الاقتصادية)، و(التعامل مع غير المسلمين في العهد النبوي)، و(صكوك الإجارة)، و(الأحكام الفقهية المتعلقة بالتدخين)، و(التورق المصرفي)، و(حاجة العلوم الإسلامية إلى اللغة العربية)، و(روايات الجامع الصحيح ونسخه دراسة نظرية تطبيقية)، وغيرها.
كما قامت الوزارة بشراء وتوزيع أجود الطبعات من بعض الكتب المطبوعة لما لها من أهمية مثل: (مسند الإمام أحمد)، و(صحيح الإمام
1 / 7
مسلم)، و(الجامع لأحكام القرآن) للقرطبي، و(الجامع لشعب الإيمان) للبيهقي، و(تاريخ الخلفاء) للسيوطي، و(التاريخ الأندلسي) لعبد الرحمن علي الحجي، و(الإقناع في مسائل الإجماع) لابن القطان الفاسي، و(شرح العقيدة الطحاوية) لابن أبي العز الحنفي، و(قواعد الأحكام في إصلاح الأنام) للعز ابن عبد السلام.
ومثل (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) لأبي الحسن الندوي و(الرسالة المحمدية) لسليمان الندوي، وغيرها.
ويسرنا اليوم أن نقدم لإصدار جديد هو كتاب (دراسات في تميز الأمة الإسلامية، وموقف المستشرقين منه) وهو رسالة علمية حصل بها مؤلفها على درجة الدكتوراة، بين فيها خصائص هذه الأمة، وفضلها على الأمم، في ضوء الكتاب والسنة، وأقوال الأئمة، كأبي حنيفة، وابن حزم، وابن تيمية، وابن القيم، والسيوطي، وغيرهم، ثم عرج على موقف المستشرقين من الأمة الإسلامية وخصائصها وتميزها، فعرف الاستشراق وأهله، وتعرض لشبههم حول الأمة، وأجاب عنها، وذكر طرفًا من أقوال عدد من أساطين الفكر والرأي لديهم والتي تنضح بالكراهية والحقد على الإسلام وأهله، والتحريض على الأمة ودينها وهويتها، ومجانبتهم للإنصاف في ذلك.
والحمد للَّه على توفيقه، ونسأله المزيد من فضله.
وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إدارة الشؤون الإسلامية
1 / 8
مقدمة الدراسة: بين يدي تميز الأمة الإسلامية
• ظاهرة التميز بين التاريخ والدين.
• أهميّة تأصيل تميز الأمة الإسلامية، ونقد موقف المستشرقين منه.
• الدراسات السابقة في تميز الأمة الإسلامية.
• المنهج في دراسة تميز الأمة الإسلامية، وموقف المستشرقين منه، وخطة البحث فيه.
• فكرة تقسيم الدراسة في خمسة كتب.
1 / 9
[مخطط]
1 / 10
المقدمة
إنَّ الحمد للَّه، نحمده ونستعينه، ونستهديه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد اللَّه فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلَّا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله صلى اللَّه عليه وعلى آله وصحابته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا .. أمَّا بعد:
فإنَّ التفضيل والاصطفاء والاختيار والتميز من سنن اللَّه في خلقه؛ قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ (١) [القصص: ٦٨]، وقال تعالى: ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ﴾ [الحج: ٧٥]، وقال تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ [الحج: ٧٨]، وقال تعالى: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٤]، وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ١٠٥]، وقال الرسول ﷺ: "إنكم وفيتم سبعين أُمَّة أنتم خيرها وأكرمها على اللَّه" (٢).
_________
(١) انظر ما قاله ابن قيم الجوزية في الاختيار هنا: زاد المعاد في هدي خير العباد ١/ ٣٩ - ٤٠، تحقيق شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، الطبعة الخامسة والعشرون ١٤١٢ هـ - ١٩٩١ م عن مؤسسة الرسالة - بيروت.
(٢) أخرجه ابن ماجه في سننه: ٢/ ١٤٣٣ كتاب الزهد حديث رقم (٤٢٨٨)، تحقيق: محمد =
1 / 11
ظاهرة التميز بين التاريخ والدين:
إنَّ سنة التفضيل والاختيار والاصطفاء سنة ماضية في التاريخ البشري؛ قدرًا وشرعًا وواقعًا، فقد تفاضلت الأمم في تاريخها الطويل، وتمايزت على الرغم من التشابه بين بعضها وبعضها الآخر من وجوه عديدة، ويحفظ التاريخ لكلِّ أمَّة في القديم أو الحديث ذاتية خاصة تميَّزت بها عن سائر الأمم الأخرى.
وإذا كان تَميُّز الأمم يرتكز على المواهب والقدرات الذَّاتية في المقام الأول، فإنَّ هناك جوانب أخرى للتميُّز المكتسب، بعضها شرعي وبعضها الآخر وضعي من صنع البشر، قد يرتكز على حقائق، أو يكون من قبيل الادعاء والغرور (١).
ولا يتسع المجال هنا للإلمام بنماذج عدَّة توضح هذه الجوانب المتنوعة التي ظهرت في تلك الأمم عبر التاريخ؛ بي أنني أكتفي بذكر التميُّز الشرعي الذي حازته أشهر الأمم الكتابيَّة (اليهود والنصارى) بسبب استقامتها على شرع اللَّه كما هو الشأن في بني إسرائيل حين وصفهم اللَّه بقوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [الجاثية: ١٦]، وقوله تعالى: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ
_________
= فؤاد عبد الباقي، عن المكتبة الإسلامية - تركيا، وانظر استكمال تخريجه: ص ٥٨.
(١) انظر: الشهرستاني: الملل والنحل: ١/ ١٨ - ٢٠، تحقيق: أمير علي المهنا وآخر، الطبعة الثانية ١٤١٣ هـ - ١٩٩٢ م، عن دار المعرفة، بيروت، وانظر: أحمد عصام الصفدي: تصنيف المعرفة والعلوم في ضوء خصائص الأُمَّة الإسلامية ص ١٣٧ - ١٤٠، طبعة ١٤١١ هـ - ١٩٩١ م، المطابع الأمنية بالمركز العربي للدراسات الأمنية - الرياض، وانظر: جرجي زيدان: تاريخ آداب اللغة العربيَّة: ١/ ١٩، ٢٠، طبعة ١٩٨٢ م، عن دار مكتبة الحياة، بيروت.
1 / 12
بِمَا صَبَرُوا﴾ [الأعراف: ١٣٧]، ولكنهم أخفقوا في حمل الرسالة؛ "إذ انكبوا على حطام الدنيا، وأهملوا الآخرة، وزعموا لأنفسهم مبررات كاذبة لاستحلال الأمم، مالًا ودماءً وأعراضًا. . . وادعوا على اللَّه ﷿ دعوى خطيرة بأنه يغفر لهم كل خطيئة، ونحو ذلك مما افتراه أحبار السوء من خلفاء السامري، والذي تجسد في عقائد (التلمود) وأخلاقه، وأضاليله فيما بعد، تلك التي نسوا بها مواثيق (التوراة) الغليظة بألَّا يفتروا على اللَّه ﷿. . . " (١). وقد أشار القرآن الكريم في مواضع كثيرة لهذا التميُّز، وانتفائه عنهم، وأنهم لا زالوا يدعونه سفاهة وغرورًا (٢).
وأمَّا النصارى فإنَّ اللَّه اختارهم لحمل رسالته من بعد اليهود، وبعث فيهم رسوله عيسى ﵇، وأيَّده بروح القدس يكلم الناس في المهد وكهلًا، وعلَّمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، وأجرى على يديه من المعجزات والآيات، وكفَّ عنه بني إسرائيل، وشدَّ أزره بالحواريين الذين آمنوا باللَّه وبرسوله، ثمَّ طلبوا مائدة من السماء تكون لهم عيدًا لأولهم وآخرهم، فاستجاب اللَّه لهم، وأنعم عليهم ورزقهم، ولكن سرعان ما دَبَّ إليهم داء الأمم من قبلهم فأشركوا باللَّه، وزعموا أن عيسى ﵇ قال: اتخذوني وأمي إلهين من دون اللَّه، وقد سجلت الآيات (١١٠ حتى ١١٨) من سورة المائدة قصتهم مع التميُّز وما آل إليه.
وعلى نحو ممَّا فعل اليهود فعل النصارى من ادعاء التميُّز والاستعلاء على الآخرين بحجّة القرب من اللَّه، واصطفائه بهم من دون الخلق، قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ
_________
(١) عبد الستار فتح اللَّه سعيد: معركة الوجود بين القرآن والتلمود: ص ١٠٤، الطبعة الثانية ١٤٠٢ هـ، عن مكتبة المنار، الأردن.
(٢) انظر: المرجع السابق نفسه: ص ١٦٢ - ١٧٥.
1 / 13
أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [المائدة: ١٨]، وقال تعالى: ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: ١١١]، وقال تعالى: ﴿وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [البقرة: ١٣٥].
وقد استفاضت آيات القرآن الكريم في تأكيد انتفاء التميُّز عن اليهود والنصارى بسبب تنكبهم صراط ربهم، وإخفاقهم في حمل رسالته وفق شرعه ومراده؛ من مثل قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (١٢) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣) وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [المائدة: ١٢ - ١٤].
ثمَّ آل حمل الرسالة الإلهيَّة إلى الأُمَّة الإسلاميَّة، قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: ١١٠] الآية، وجاء عن النبي ﷺ قوله: "أوتي أهل التوراةِ التوراةَ فعملوا حتى إذا انتصف النهار عجزوا فأعطوا قيراطًا قيراطًا، ثم أوتيَ أهل الإنجيل الإنجيل، فعملوا إلى صلاة العصر ثم عجزو فأعطوا قيراطًا قيراطًا، ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس، فأعطينا قيراطين قيراطين، فقال أهل الكتابين: أيْ ربنا أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين، وأعطيتنا قيراطًا، ونحن أكثر عملًا، قال اللَّه: هل
1 / 14
ظلمتكم من أجركم من شيء؟! قالوا: لا. قال: فهو فضلي أوتيه من أشاءُ" (١).
وفي هذا الحديث ما يدل على تميُّز الأمَّة من نواحٍ عدَّة، منها:
أولًا: كونها حملت الرسالة بعد أن عجز عنها أهل الكتابين من قبلها.
ثانيًا: أنها وُفِّقَتْ في حمل الرسالة، وأداء الأمانة.
ثالثًا: كونها مُيِّزَتْ من ناحية مضاعفة الأجر بفضل من اللَّه.
رابعًا: ويدل على أنَّ الظرف التاريخي المتبقي من يوم الأمم المشار إليها هو للأمّة الإسلامية لفاعليتها الحضاريَّة الخيّرة، ولسيادتها في ظلِّ عبوديتها للَّه وأدائها لما اشترطه عليها، وهذا ما تأتى لها ردحًا من الزمن؛ فقد سادت بهذا التميُّز، وحققت به أفضل الحضارات التي شهدها تاريخ البشرية.
بيد أنَّ الحضارة الغربية سادت في العصر الراهن، وباتت الأُمَّة الإسلاميَّة تواجه تحديًا خطيرًا تحت وطأة هذا الواقع يمس هويَّتها الثقافية، ذلك أن الحضارة الغربية كما "أجمع مؤرخو الحضارة والثقافة الغربية على وحدة واطراد هذه الحضارة، وأنها وليدة تراكم تاريخي، وتفاعل ثلاثة عناصر متداخلة تشكل في مجموعها الأصل اليوناني الروماني المشترك لهذه الحضارة؛ هي الفكر اليوناني المتميز بنزعته العلمية وإبداعاته الفنية، والتراث الروماني المعروف بمؤسساته الإداريَّة والسياسيَّة، وأخيرًا الديانة المسيحية التي أعطتها الدفق الروحي" (٢)، في حين تشكلت الهويَّة الثقافية
_________
(١) أخرجه البخاري: صحيح البخاري ١: ١٣٩، كتاب مواقيت الصلاة، الباب [١٧]، ترتيب: محمد فؤاد عبد الباقي، عن المكتبة الإسلاميّة، إستانبول - تركيا، (بدون تاريخ)، وانظر تخريجه بشكل أوسع في الصفحة (٦٠).
(٢) انظر: جرونبام (غوستاف فون): الإسلام الحديث البحث عن الهويَّة الثقافية: ص ٢٤٩، (بالإنكليزية من منشورات جامعة كاليفورنيا ١٩٦٢ م)، نقلًا عن: عرفان =
1 / 15
للأُمَّة الإسلاميَّة على نحوٍ آخر "ارتبط بوثاق قوي ومتين بالعقيدة والرسالة" (١).
إضافة لما تميَّز به العرب -وهم حملة هذه الرسالة في المقام الأول- "من جودة الأذهان، وقوة الحوافظ، وبساطة الحضارة والتشريع، والبعد عن الاختلاط بالأمم" (٢)، ومن العقيدة والرسالة انبثقت الحضارة الإسلاميَّة "ولزم عن هذا. . . أن تداخلت قضايا الواقع المادي بأصول الرسالة وتعاليمها. . . فالعقيدة والرسالة والحضارة والسلوك والتاريخ. . . وحدة جامعة مشتركة في بنيان هذه الأُمة في ترابط يعزّ فصله؛ ولهذا فقد تحوّل الواقع إلى ساحة اختبار، وميدان تجربة؛ لصدق الوفاء بالرسالة منهجًا وسلوكًا وتصرفًا" (٣).
والمحك في ذلك مضمون الحضارة الغربية، والهويَّة الثقافية للأُمَّة الإسلاميَّة؛ أن سيادة الحضارة الغربية وهيمنتها لا تعطي هذه الهويَّة خصوصيتها، وفرضت نوعًا من الاستلاب الحضاري، ونوعًا من التنكر لمنجزات الطرف الآخر، ومرتكزاته الثقافية؛ يصل إلى مس الهويَّة الإسلاميَّة بخاصة (٤).
_________
= عبد الحميد فتَّاح: دراسات في الفكر العربي الإسلامي (أبحاث في علم الكلام والتصوف والاستشراق والحركات الهدَّامة): ص ١٧، الطبعة الأولى ١٤١٢ هـ - ١٩٩١ م، عن دار الجيل - بيروت.
(١) المرجع السابق: ص ٢٠.
(٢) محمد الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة الإسلامية: ص ٨٩، الطبعة الأولى، ١٩٧٨ م، عن الشركة التونسية للتوزيع، تونس، وانظر: محمد رشيد رضا: خلاصة السيرة المحمديَّة وحقيقة الدعوة الإسلامية وكليات الدين وحكمه: ص ٥، ٦، ٩، ١٠، الطبعة الرابعة ١٤٠٥ هـ - ١٩٨٥ م، عن المكتب الإسلامي - بيروت.
(٣) عرفان عبد الحميد: دراسات في الفكر العربي الإسلامي: ص ٢٠، ٢١، (المرجع السابق نفسه).
(٤) انظر: المرجع السابق نفسه: ص ٢٢.
1 / 16
وهذا ما عبَّر عنه أحد المفكرين -في صدد نقده للفكر الغربي- بقوله: "فهم الغرب عملية التثاقف وباستمرار في صورة الاستلاب الحضاري Inacualturation والتنكر التام لمنجزات الطرف المقابل الحضارَّية والثقافيَّة، وأرادها أن تتحول دائمًا إلى وسيلة للسيطرة والهيمنة وإلغاء الهويَّة الذاتية المستقلة للأمم والشعوب والحضارات The Obliration Of Cultural Identity إلى حدود اقتربت في مضامينها ومنحنياتها السلبية إلى الاغتيال الحضاري للآخرين، وذلك صدورًا عن نظرية عرقية قديمة، جددتها وبشرت بها مدرسة (كرستيان لاش وأرنست رينان) في أواخر القرن الماضي مؤداها: تمايز العقل الأوروبي وسموه عن العقل السامي (العربي) الذي هو في زعم أنصار هذه المدرسة غبي التكوين، معادٍ للعلم والفلسفة" (١).
إنَّ هذه المزاعم التي يثيرها بعض المستشرقين بين الحين والآخر تمس تميُّز الأُمَّة الإسلاميَّة، وتحاول التقليل من مكانتها؛ ممَّا يوجب على الأمَّة
_________
(١) المرجع السابق نفسه: ص ٢٢، وانظر: جوستان لوبون: حضارة العرب: ص ٢١، ٢٢، ترجمة عادل زعيتر، طبعة الحلبي، ١٩٦٩ م، وعن التفريق بين مصطلح التثاقف الذي يعني الحوار الحضاري البناء، وبين الاستلاب الثقافي الذي يعني نسخ الهوية ... انظر: جرونبام: المرجع السابق: ص ٢٤٩ وما بعدها، نقلًا عن: عرفان عبد الحميد: المرجع السابق: ص ٢٢ "الحاشية"، وانظر: استيفان فيلد: الثقافة العربية في غاية الأهمية بالنسبة للثقافة الأوروبية؛ حيث أشار إلى "المذهب الذي يقول: إن أوروبا هي مركز الكون كله وأن الثقافات والحضارات والآداب العالمية ليس لها قيمة تذكر إلا إذا اتفقت اتفاقًا تامًا مع الثقافات والحضارات والآداب الأوروبية وهو ما يسمى " eurozeutrismus" أشار إلى ذلك -في سياق نقده لهذا المذهب- في مقابلة أجراها معه: محمد أَبو الفضل بدران؛ في بون، ونشرت في مجلة الحرس الوطني: ص ١٢٤، عدد رجب ١٤٠٩ هـ - فبراير ١٩٨٩ م، تصدر من رئاسة الحرس الوطني السعودي - الرياض.
1 / 17
الإسلاميَّة الوعي بتميُّزها في ضوء ما خصَّها اللَّه به دون سائر الأمم بالملَّة الحنيفية السمحة، وأن تحافظ على هويتها المنبثقة من ذلك المنهج الرباني الذي حدَّد مسارها في الفكر والتاريخ، وألَّا تنخدع -وتحت أي مسمى- للنزول من قلعة هذا التميُّز، فيجري عليها ما جرى على أهل الكتاب من قبل، قال تعالى: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ [النساء: ١٢٣]، وقوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: ٢١٤].
ولَمَّا نفى اللَّه التميُّز عن اليهود والنصارى أثبته لمن قام بشرطه؛ قال تعالى: ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: ١١٢].
ومن هنا تأتي أهمية البحث في تميُّز الأُمَّة الإسلاميَّة وموقف المستشرقين منه، لتأصيله أولًا في ضوء الكتاب والسنة، وفهم سلف الأُمَّة وما درج عليه المسلمون في قديم تاريخهم وحديثه، ولنقد موقف المستشرقين منه؛ حيث إنَّهم من طلائع الحضارة الغربية وفكرها، وهو فكر يختلف في موقفه من الفكر الإنساني عامَّة عن فكر الأُمَّة الإسلاميَّة الذي اتسم "بموقفه الإنساني السمح من مجمل الفكر الإنساني، على تباين صوره وأشكاله، سماحة لم يتسع لها صدر غيره من دوائر الفكر والحضارة في تاريخ البشر" (١).
وهذا ما يقر به المنصفون من المستشرقين وغيرهم من مفكري الغرب
_________
(١) عرفان عبد الحميد، دراسات في الفكر العربي الإسلامي، ص ٢٣، (المرجع السابق نفسه).
1 / 18
ومؤرخيه، على حين أنَّ موقف الفكر الغربي والفكر الاستشراقي -في جملته- جزءٌ منه ينطلق من نظرية "عبء الرجل الأبيض، في حمل رسالة العلم والمعرفة إلى الآخرين، وأنَّ الغرب هو مركز الاستقطاب الفكري للإنسانية. . . فهو من صنع ما اصطلحوا عليه (بالمعجزة اليونانية الخالدة)، (وهو الذي قدَّم من وجهة نظرهم) تفسيرًا متناسقًا رائع التوازن للإنسان والكون والحياة" (١).
إضافة للأهميَّة المشار إليها آنفًا فإنَّ اللَّه ﷿ قد ميَّز الأُمَّة الإسلاميَّة دون سائر الأمم بخصائص ومميزات كثيرة، منها:
١ - بما أورثها من هذا الدين العظيم، وجعل فيها النبي الكريم ومن معه من الصحابة الأبرار، ورفعها لمنزلة الشهادة على الناس، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣]، وقال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: ١١٠].
إنَّ هذا الاصطفاء الإلهي الكريم قد تمثل في صفوة طبَّقت كتاب اللَّه وسنة رسوله ﷺ، وكانت نبراسًا للأجيال وأنموذجًا لتميز الأُمَّة الإسلاميَّة، قال تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح: ٢٩].
وقد نصَّ الرسول ﷺ إبَّان تكوين الدولة الإسلاميَّة على تميُّز الأُمَّة
_________
(١) عرفان عبد الحميد: المرجع السابق نفسه: ص ٢٢.
1 / 19
الإسلاميَّة حينما كتب في المعاهدة مع اليهود بأنَّ المسلمين (أُمَّة واحدة من دون الناس) (١)، وبأن اليهود (أُمَّة مع المسلمين) (٢).
٢ - إنَّ هذا التميُّز مستمر في أُمَّة محمد ﷺ حتى قيام الساعة لما خصت به من الرسالة الخاتمة، قال تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب: ٤٠]، (فكانت رسالته تجديدًا لدعوة التوحيد التي بعث بها سائر الأنبياء والمرسلين، وتعديلًا للشرائع السابقة، وإكمالًا لها، بعد أن ارتقت البشرية، وتفتحت عقولها، وتهيأت نفوسها لاستقبال الرسالة الخاتمة بكل جوانبها الروحية والاجتماعية، وقد أوضح المصطفى ﷺ أنَّ رسالته إكمال لرسالات الأنبياء السابقين. . .) (٣)، فقد ثبت أنه قال: "مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى دارًا فأتمها وأكملها إلا موضع لبنةً، فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون منها ويقولون: لولا موضع اللبنة. . . فأنا موضع اللبنة، جئت فختمت الأنبياء" (٤)، والحديث يبين اكتمال الرسالة الخاتمة ووفاءها بحاجات البشرية، مهما
_________
(١) و(٢) أبو محمد عبد الملك بن هشام: السيرة النبوية ٢/ ١٤٣، ١٤٤، علق عليها وخرَّج أحاديثها وصنع فهارسها عمر عبد السلام تدمري، الطبعة الثانية ١٤٠٩ هـ - ١٩٨٩ م عن دار الكتاب العربي - بيروت.
وانظر: محمد حميد اللَّه الحيدرآبادي: مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلافة الراشدة. ص ١، ٢، ٣، ٤، ٥، وقد ذكر طائفة من مصادر الوثيقة في غرة ذكرها، عن مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، (بدون تاريخ).
(٣) أكرم ضياء العُمري: الرسالة والرسول: ص ٣٧، الطبعة الأولى ١٤٠١ هـ - ١٩٩٠ م، (لم يذكر الناشر).
(٤) أخرجه مسلم: صحيح مسلم ٤/ ١٧٩١ كتاب الفضائل، الحديث رقم (٢٢٨٧)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، عن المكتبة الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، إستانبول - تركيا (بدون تاريخ).
1 / 20