تلك البلاد، وقتلوا معه سريّته (امرأته) وهي حُبْلى بعد أن بقروا بطنها عن ولد لها، فقد أخرج أحمد عن حُمَيْدِ بْن هلال عَنْ رَجُل مِنْ عَبْدِ القيس كَانَ مَعَ الْخَوَارِجِ ثُمَّ فَارَقَهُمْ قَالَ:
"دَخَلوا قَرْيَةً فَخَرَجَ عَبْدُ الله بْنُ خَبَّاب ذَعِرًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ، فَقَالوا: لَمْ تُرَعْ؟ قَالَ: وَالله لَقَدْ رُعْتُمُونِي، قالوا: أَنْتَ عَبْدُ الله بْنُ خَبَّابٍ صَاحِبُ رَسُولِ الله ﷺ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ سَمِعْتَ مِنْ أَبِيكَ حَدِيثًا يُحَدِّثهُ عَنْ رَسُولِ الله ﷺ تُحَدِّثنَاهُ؟ قَالَ: نَعَم سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ الله ﷺ أَنَّهُ ذَكَرَ فتنة الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ القائم، وَالقائم فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الماشي، والماشي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي، قَالَ: فَإِنْ أَدْرَكتَ ذاك فَكُنْ عَبْدَ الله المَقْتُولَ، قَالَ أَيُّوبُ: ولا أعلمه إلا قَالَ: ولا تَكُنْ عَبْدَ الله الْقَاتِلَ، قالوا: أأنتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ أَبِيكَ يُحَدِّثه عَنْ رَسُول الله ﷺ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَقَدَّمُوهُ عَلَى ضَفَّةِ النَّهَر؛ فَضَرَبُوا عُنقه فَسَالَ دَمُهُ كَأَنَّهُ شِرَاكُ نَعْل مَا ابْذَقَرَّ (^١)، وَبَقَرُوا أُمَّ ولده عَمّا فِي بَطْنِهَا " (^٢).
وهذا أوّل أمرهم، فطلب منهم عليّ أن يسلّموه قتلة عبد الله بن خبَّاب فأبوا، وقالوا: كلّنا قتله، فأرسل إليهم يناشدهم فلم تزل رُسُلُه تختلف إليهم حتّى قتلوا رسوله، فقاتلهم عليٌّ ﵁ فقتلهم، ثمّ اختفوا في خلافته وأضمروا أن يقتلوه سرًّا، فأرسلوا إليه رجلًا من شرّ ما أظلّته السّماء وأقلّته الغبراء، وهو عبد الرّحمن بن ملجم أشقى النّاس، فكان أن قتله وهو يصلّي الفجر.
فلمّا آلت الخلافة إلى الحسن وصالح بعد ذلك معاوية ثارت منهم جماعة فأوقع بهم معاوية ﵁ بجيشه في النّجيلة، فظلّوا مختفين في زمان معاوية وابنه يزيد، ثمّ توسَّعُوا بعد ذلك في معتقدهم الفاسد، فحكموا بكفر من يعتقد معتقدهم إذا لم يخرج لمقاتلة المسلمين وسبيهم ونهبهم، وأبطلوا رجم المحصن، وقالوا بقطع يد السّارق من الإبط، وأوجبوا الصّلاة على الحائض في حال حيضها ...
(^١) مَا ابْذَقَرَّ: ما انقطع وما تفرّق.
(^٢) أحمد " المسند " (ج ١٥/ص ٣٩٢/رقم ٢٠٩٦٢) وإسناده ضعيف لجهالة الرّاوي الأعلى، وأخرج نحوه ابن أبي شيبة بسند صحيح في " مصنّف ابن أبي شيبة " (م ١٥/ص ٣١٠/رقم ١٩٧٤٢) كتاب الجمل.