لا بد للإجابة على السؤال عما إذا كانت نظرية المعرفة عند اسپينوزا تنطوي على عناصر صوفية أو مضادة للنزعة العقلية، من أن تستعرض بعض آرائه الرئيسية في المعرفة، ولا سيما تلك التي يعتقد بوجود مثل هذه العناصر فيها، بشيء من التفصيل. «فكرة الحقيقة، والأفكار الكافية»: ليست الفكرة
idea
عند اسپينوزا كيانا مجردا يطابق موضوعا أو يتفق معه أو يصدق عليه، وإنما «هي ذاتها ذلك الموضوع»، من وجهة نظر الفكر، فليس ثمة فكرة وموضوع، وإنما هناك حقيقة واحدة، ينظر إليها من ناحية فتكون فكرة، ومن ناحية أخرى فتكون موضوعا.
هذا الرأي القائل إن الفكرة وموضوعها حقيقة واحدة، هو أساس نظرية الحقيقة عند اسپينوزا، وهي النظرية التي لا تجعل التطابق بين الفكرة وموضوعها معيارا للحقيقة، وإنما تؤكد أن معيار حقيقة الفكرة كامن في الفكرة الصحيحة ذاتها، وأن الفكرة صحيحة بقدر ما تكون كافية.
5
فما هي هذه الفكرة «الكافية»
adequate idea ؟ يعرفها اسپينوزا بقوله: «أعني بالفكرة الكافية فكرة إذا ما نظر إليها في ذاتها ، دون إضافة إلى الموضوع، كانت لها كل خصائص الفكرة الصحيحة أو مميزاتها الباطنة.»
6
وهكذا فإن أهم ما يؤكده اسپينوزا هنا هو استبعاد مفهوم «المطابقة» أو «المعيار الخارجي» للفكرة الصحيحة؛ لأنه لا يوجد «تواز» بين الأفكار والأشياء، وإنما الأفكار هي ذاتها الأشياء منظورا إليها من خلال الذهن، ويعبر اسپينوزا عن هذا الرأي تعبيرا أوضح فيقول: «لا يجهل أحد لديه فكرة صحيحة، أن الفكرة الصحيحة تنطوي على أقصى قدر من اليقين؛ إذ إن وجود فكرة صحيحة لديك، ليس إلا تعبيرا آخر عن معرفتك للشيء بصورة كاملة أو بأفضل صورة ممكنة. والحق أنه ليس في وسع أحد أن ينكر ذلك، ما لم يعتقد أن الفكرة شيء جامد، كالصورة في إطار، وليست حالا من أحوال التفكير؛ أعني عملية الفهم ذاتها، وإني لأسأل: من ذا الذي يعلم أنه يفهم شيئا ما لم يكن قد فهمه بالفعل؟ وبعبارة أخرى: من ذا الذي يعلم أنه موقن بشيء ما، ما لم يكن قد أيقن بذلك الشيء بالفعل؟»
7
अज्ञात पृष्ठ