فاقترب سمير خائفا من جده، ولمح نورا ينبعث من عينيه الضيقتين، الحائرتين في محجريهم، كانتا تقولان له: اقترب. اقترب. لم تخاف؟ ألست أنا جدك؟ - ما هذا؟
ابتهل سمير وهو يحاول أن يخفي يده وراء ظهره: إنه ... لا شيء يا جدي، لا شيء أبدا. - إذن فأنت الذي تضعه كل ليلة. ورفعه الجد بيديه الخشنتين فأجلسه على ركبته. واستطاع سمير أن يرى الشمعدان بوضوح. إنه يميزه الآن، وها هو يحاول أن يخفي وجهه فلا يستطيع. وأين يهرب من جريمته؟ ألم يبح بكل شيء؟ ألم يبح بكل شيء؟
ومرت أصابع العجوز في شعر سمير، بل إنه قد مسح خده في رأسه كأنه قط هرم: أنت الذي وضعت الكيس تحت الوسادة ؟ - أنا يا جدي لم أضعه. أنا وضعته. - لم فعلت هذا؟ - صدقني يا جدي. - وتحرم نفسك كل يوم من الملبس؟
سأله سمير وهو يضع إصبعه على شفتيه: الشمعدان قال لك؟!
فقال جده مستنكرا: الشمعدان؟
فصرخ سمير في حماس: سأكسره. سأكسره حتما. وتنهد الرجل العجوز، وصار من الواضح أنه يغالب دموعه، وأشعل سيجارة، واختنق صوته فجأة، كأن حنجرته امتلأت بالدخان الذي لم يرد أن يخرج منها، وسعل كثيرا حتى بح صوته وهو يقول: أنت أشفقت على جدك. نعم يا حبيبي. لكل شيء نهاية. أين جدتك المسكينة؟ عشرة أربعين عاما، من كان يصدق؟!
هتف سمير كأنه قد عثر على حل مسألة حسابية عويصة: هي عند الله. أبي قال لي ذلك.
فقرب العجوز وجهه منه قائلا: نعم يا حبيبي، هي في السماء، ولكنها لن تعود. هل قال أبوك ذلك أيضا؟ كان ينبغي أن يسبقها جدك. هل قال لك إنها لن تعود؟
لم يعرف سمير بماذا يجيب؛ فإن كلمات جده كانت أصعب من مسائل الحساب، ولكنه ردد بصره بين الشمعدان المتهم وهو يحاول أن يخفي وجهه عنه عبثا، وبين السرير النحاسي الذي تدلت من أحد عمده جبة وقفطان عظيمان، والنافذة التي ما يزال النور يتدفق منها كأنه موج البحر، ثم رفع وجهه إلى جده ورأى التجعدات الكثيرة على جبهته العريضة.
قال جده وهو يضحك: ولكن أين خبأت الكيس؟
अज्ञात पृष्ठ