الياء الأولى وإن كانت ساكنة مضموما ما قبلها، من قبل أنها قويت بالإدغام فحصنها عن القلب.
فإن قلت: فما بالك تقول سوط وحوض وثوب وبيت وقيد وشيخ، فتصح الواو والياء هما ساكنتان وقبلهما حركة تخالفهما؟ وهلا قلبتهما ألفا لانفتاح ما قبلهما، كما تقلب الواو ياء لسكونها وانضمام ما قبلها في نحو: الكوسي والطوبي؟
فالجواب في ذلك أن بين الياء وبين الواو قربا ونسبا ليس بينهما وبين الألف، ألا تراها تثبت في الوقف في المكان الذي تحذفان فيه، وذلك قولك: هذا زيد، ومررت بزيد، ثم تقول: ضرب زيدا، وتراهما تجتمعان في القصيدة الواحدة ردفين نحو قول امرئ القيس:
قد أشهد الغارة الشعواء تحملني ... جرداء معروقة اللحيين سرحوب١
ثم قال فيها:
كالدلو بتت عراها وهي مثقلة ... وخانها وذم منها وتكريب٢
ولا يجوز معهما ألف في مكانهما.
فلم كان بين الياء والواو هذا التقارب، وتباعدتا من الألف هذا التباعد، وغيره مما سنذكره في أماكنه، جذبت كل واحدة منهما صاحبتها إليها، لأنهما صارتا بما ذكرناه من أمرهما بمنزل الحرفين يتقارب مخرجاهما، نحو الدال والطاء، والذال
_________
١ الشعواء: المنتشرة من شعيت الغارة تشعى شعى: إذا انتشرت. لسان العرب "٤/ ٢٢٨٢".
الجرداء: القصيرة الشعر، وهو من نعت عتاق الخيل. لسن العرب "١/ ٥٨٨". مادة "جرد".
معروقة اللحيين: ليس على لحييها لحم، وهو أيضا من علامات عتقها. لسان "٤/ ٢٩٠٦".
والسرحوبة: الطويلة الحسنة الجسم، لسان العرب "٣/ ١٩٨٧". مادة "سرحب".
ويبدو نعت الخيل حيث يصفها امرؤ القيس بأنها: جرداء -معروقة اللحيين- سرحوب -وكلها صفات تطلق على عتاق الخيل التي تصول وتجول في الحرب.
٢ الوذم: جمع الوذمة، وهي السير الذي أذان الدلو وعراقيها تشد بها، وقيل: هو الخيط الذي بين العرا، لسان العرب "٦/ ٤٨٠٧". مادة "وذم".
والكرا والتكريب: حبل يشد على عراقي الدلو، ثم يثنى ثم يثلث، ليكون هو الذي يلي الماء، فلا يعفن الحبل الكبير، لسان العرب "٥/ ٣٨٤٦". مادة "كرب".
1 / 36