فقالت له فاننكا: إنك لمجنون.
وقد قالت له هاتين الكلمتين وقد ارتسم على شفتيها ابتسام يدل على استحقارها ذلك اليأس منه، وتيقنت أنها انتصرت عليه بقوة سلطانها وثباتها.
فأجابها الفتى قائلا: إذن فأرشديني يا مولاتي وأمري بما تشائين، ألست عبدك المخلص المطيع؟
فقالت له فاننكا: يجب عليك ألا تبرح القصر.
قال: كيف أبقى؟
قالت: نعم، يجب أن تبقى، فإن اليأس والانكسار شيمة النساء والصبية الصغار، أما الرجل فإن أراد أن يكون جديرا بهذا الاسم وجب عليه الثبات والمقاومة.
قال فيدور: المقاومة؟ أقاوم من؟ أقاوم والدك؟ كلا ...
فقاطعت عليه الفتاة قائلة: من يقول لك قاوم والدي؟ إنما يجب عليك مقاومة الحوادث؛ فإن عامة الناس يستسلمون لتيارها، أما الرجل الكامل فلا يندفع في ذلك التيار، بل يوجهه كيفما تقتضي أهواؤه، فعليك أن تتظاهر أمام والدي بمقاومة نفسك ومجاهدة هواك، حتى يتيقن أنك تغلبت عليهما، أما أنا فيظنني والدي جاهلة ما حصل فهو لا يرتاب بي ولا يشك في على الإطلاق، وسأسأله تأجيل الزواج سنتين، وأنا واثقة أنه يجيبني إلى طلبي، فمن يدري ما تعده الأقدار في هاتين السنتين، فربما مات القيصر أو مات من خطبوني له، أو - لا سمح الله - مات والدي؛ إذ كل حي عرضة للموت ...
فقال لها فيدور: ولكن إن ألحوا عليك ...؟
فقاطعت عليه فاننكا، وقد احمرت وجنتاها حينا، ثم اختفى الاحمرار بغتة، فقالت: إن ألحوا علي! ومن يلح علي، أوالدي؟ كلا، فإنه يحبني ولا يرفض لي طلبا، أما القيصر فله من مشاغله العائلية ما يلهيه عن أن يكدر صفو العائلات، وعلى أي حال فقد أعددت وسيلة نهائية إن أخفقت كل الوسائل، فنهر النيفا على بعد خطى من القصر، ومياهه لا يدرك لها قرار ...
अज्ञात पृष्ठ