CHECK [سيرة رسول الله1]

(1)

محمد رسول الله (ص) الجزء الاول

حول دراسة السيرة والتأريخ

يشكل التاريخ تجربة إنسانية وصيغة تشكيلية لوقائع وأحداث وقعت في الماضي ، وفق قوانين وسنن اجتماعية تكشف عن وضع الانسان ومستواه الفكري والنفسي والحضاري ، ومع التسليم بوجود سنن وقوانين تتحكم بتأريخ البشرية؛ تتم القناعة باحتمال تكرار الاحداث والوقائع المشابهة لها في الحاضر والمستقبل ، إذا ما توفرت أسبابها وشروطها كاملة .

وقد اهتم الانسان بحفظ أحداث الماضي وتدوينها ، ونقلها إلى أجيال الحاضر والمستقبل . ولعل اليونانيين هم أول من دون التاريخ وكتبه واعتنى به بهذا الشكل .

ولم تكن العرب لتعرف التدوين التأريخي ، بل كان الشعر والأخبار والقصص التي تروى شفاهة هي سجل العرب وديوان معارفهم وثقافتهم التاريخية .

وحين بزغ نور الاسلام، وهبط الوحي في أرض الجزيرة العربية ، وبدأت أحداث الدعوة الاسلامية ووقائعها وتأريخها بكل ما فيها : من سيرة النبي الكريم محمد (ص) العملية ، وسيرة أصحابه ، وكيفية قيامه بمهامها والصراع ضد خصوم الاسلام ، ومواقف الرسول العسكرية والسياسية ، وخطبه ومراسلاته وأحاديثه وتوجيهاته ومحاوراته .

وقعت كل تلك الاحداث العظيمة والخطيرة ، ولم تكن تدون أو تسجل ، بل كان أصحابه ومن يسمعونها أو يشاهدونها يتحدثون بها ويروونها مشافهة، عدا مراسلاته المكتوبة التي كان يبعث بها إلى الملوك والرؤساء .

وقد اشتد اهتمام المسلمين بحفظ ورواية ما يصدر عن الرسول الكريم (ص) من

أقوال وأفعال وتقريرات ؛ بتبليغها ونشرها بين الناس . إلا أن عدم تدوين ما كان يصدر عن الرسول الكريم (ص) في حينه ، قد تسبب في ضياع الكثير من تلك الآثار العظيمة ، خصوصا ما صدر منه في مكة المكرمة .

पृष्ठ 1

كان الرسول (ص) يبعث ببعض أصحابه للدعوة والتبليغ والقضاء؛ فيوسع دائرة النشر لما يصدر عنه ، ويعمم تبليغه . كما كان يحث الناس على نشر وتبليغ ما يصدر عنه (ص) من أقوال وممارسات .

وقد روي عنه قوله (ص) يوم حجة الوداع :

(2)

« نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها من لم يسمعها ، فرب حامل فقه غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه »(1).

ثم إن المسلمين شعروا بالحاجة إلى الكتابة ، وتدوين حديث رسول الله وسيرته المباركة بعد وفاته ، إلا أنهم واجهوا رفضا من الخليفة الثاني عمر بن الخطاب كما صرح بذلك ابن سعد في كتاب الطبقات . غير أن الرواة والمؤرخين يذكرون أن أول من دون في الاسلام وسمح به بعد عصر النبوة هو الامام علي بن أبي طالب ، وولده الحسن (ع) .

وقد كثر الكذب والدس على رسول الله (ص) ، فتسرب التحريف إلى السنة النبوية، وزور كثير من وقائع التاريخ وأحداثه، بسبب الصراعات السياسية والنزاعات الفكرية ، وظهور الزنادقة والمندسين والوضاع والكذابين ، وتسرب الاسرائيليات وأمثال ذلك، لذا فإن معرفة الحقيقة التاريخية والسنة النبوية صارت أمرا يحتاج إلى بحث وتحقيق ، وتحر علمي دقيق ، وموضوعية أمينة من الباحث والمحقق .

وواضح لدينا كم هو مهم وخطير الحصول على السيرة والسنة النبوية بكمالها

وصحتها ، ذلك لان السنة النبوية تشكل المصدر الثاني للفكر والتشريع الاسلامي بعد كتاب الله سبحانه ، وهي الدليل الهادي للامة ولمسيرتها في الحياة .

पृष्ठ 2

وهذه الاهمية هي التي دعت المسلمين بمختلف مذاهبهم إلى الاهتمام بحفظ السنة والسيرة النبوية ، وتدوينهما فيما بعد ، فاسس علم الرجال ، والفت كتب التراجم والطبقات لمعرفة أحوال الرواة ورجال الحديث والسير وضبط أسانيدها، لتمييز الصادق من الكاذب ، ومعرفة عقيدته وضبطه للرواية ، وطبقته في الرواة ، للوثوق بما يرويه .

كما اسس علم الدراية (علم الحديث والرواية) ليتعهد هذا العلم بدراسة متن الحديث ونصوص الروايات ونقدها ، وتأسيس القواعد والاسس لتقويمها ومعرفتها . كما وضع علماء اصول الفقه القواعد الاصولية لفهم السيرة العملية وحل التعارض بين الروايات والاخبار ، وتقديم بعضها على بعض .

إلا أن هذه الدراسات نفسها على الرغم مما قدمته من خدمة جليلة للسنة والسيرة والتاريخ،لم تستطع أن تتجاوز مشاكل الباحث الذاتية،وميوله الشخصية،وقدراته العلمية القاصرة أحيانا إضافة إلى مشاكل البحث المنهجي وتعدد النظريات والآراء الرجالية والروائية التي بني عليها علم الرجال والدراية واصول الفقه.وبذا تكرس جانب كبير مما كان ينبغي تصحيحه،ومما هو مشكوك فيه،أو موضوع ومدسوس في السنة،أو من محاولات طمس بعض أجزائها ومعالمها .

(3)

وقد واجهت السنة والسيرة النبوية عملية الوضع والكذب على رسول الله (ص) حتى في زمانه ، مما دعاه إلى أن يخطب الناس وينادي :

« أيها الناس ! قد كثرت علي الكذابة ، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار »(1).

كما عرضت السنة إلى التحريف بتعمد إهمال بعض النصوص أو الحوادث والشخصيات وطمسها ، وعدم ذكرها ، وحذف عبارات من أقوال الرسول (ص) .

وعليه فالتحريف الذي ادخل على السيرة والسنة النبوية تركز في :

पृष्ठ 3

1 وضع الاحاديث المكذوبة على رسول الله (ص) ، خصوصا في مجال العقائد والمناقب والاشادة بالشخصيات .

2 طمس بعض الحوادث والمواقف والاقوال الصادرة عن رسول الله (ص) وعدم روايتها ، والحيلولة دون إخراجها في كتب الحديث والسير والتاريخ والرواية لتضييعها لئلا يطلع عليها الرأي العام الاسلامي ، دفاعا عن موقف سياسي ، أو معتقد فكري يراه هذا الحاكم ، أو ذاك المؤرخ والراوي ، وأمثالهم .

3 التلاعب بما روي ، وعدم ضبط الالفاظ أو أسماء الاشخاص كما صدرت عن رسول الله (ص) لتضييع الحقيقة ، أو تغيير معناها .

4 التلاعب بحوادث التاريخ التي تلت رسول الله (ص) والمرتبطة بامتداد السنة والسيرة النبوية .

5 بتر بعض الجمل والعبارات الواردة في بعض أقوال الرسول (ص) .

إن الدارس لحوادث التاريخ والسيرة والسنة المطهرة يشاهد كل ذلك ويلمسه ، ويجد التلاعب والتحريف بمستوى اريد له أن يغير حقائق كثيرة وخطيرة ، خصوصا في المجال السياسي منها ، لذا لا بد لنا من أن ننادي جميعا بضرورة إعادة كتابة التاريخ وتنقيح ما بأيدينا من مصادر ووثائق .

مشاكل البحث التاريخي

إن البحث في آفاق السيرة والتاريخ يواجه مشكلة معقدة وشاقة للحصول على الحقيقة العلمية .

ولعل أبرز مشاكل البحث التاريخي التي تؤثر على سلامة المعلومات والحادثة ودقتها هي :

(4)

1 الدس والتزييف في المصادر .

2 بروز العنصر الذاتي في البحث التاريخي ، وفرض بعض الباحثين آراءهم الشخصية وانتماءاتهم السياسية غير المتطابقة مع محتوى السنة وارشادها ، وجر الاحداث ووقائع السيرة إلى ما يكرس قناعاتهم ولا يتعارض معها .

3 التعارض بين المنقولات وصعوبة تمييز الصحيح منها .

4 الغفلة والاخطاء وعدم الضبط عند بعض المؤرخين والرواة .

5 تأثر الحدث والخبر والقضية بالظرف السياسي الذي دونت فيه الحوادث والروايات .

पृष्ठ 4

6 ضياع بعض المصادر والوثائق وعدم وصولها إلينا .

وعلى الرغم من تلك الصعوبات ، فإن بين أيدينا الآن حقائق ووثائق وأدلة تاريخية توضح لنا السيرة النبوية وسنتها ، وتكشف لنا الحقيقة ، وتضيء جوانبها المختلفة .

ويحتاج الباحث والقارئ والمتلقي لتلك الحقائق ، أن يكون منصفا مستمعا لكلمة الحق ، مجردا عن هوى النفس والعناد والتعصب لغير الحق والاصرار على ما آمن به وتلقاه بصورة غير أمينة .

إننا بحاجة إلى الواقعية والموضوعية والامانة العلمية ، عند البحث في وقائع التأريخ ودراستها وتجريدها من المدسوسات والتلاعب القديم منه والحديث وخصوصا المحاولات التخريبية التي قام بها بعض المستشرقين ، وما زالوا يقومون بها ، ويواصلونها لتحريف الحقيقة التاريخية وتزوير تاريخ الامة ومجدها المشرق .

ومن المؤسف حقا أن يتخذ بعض الكتاب والاساتذة والمثقفين ، من المستشرقين وكتاباتهم ، في التاريخ الاسلامي وسيرة الرسول (ص) مصدرا لمعارفه وأساسا لدراساته وأبحاثه دون الرجوع إلى مصادره الاساسية .

أبرز مصادر البحث في التاريخ الاسلامي

هناك مصادر كثيرة لمعرفة السيرة النبوية والتاريخ الاسلامي الذي وقعت أحداثه في مرحلة الدعوة الاسلامية ، ومن أبرزها :

1 القرآن الكريم ، الذي تحدث عن كثير من الاحداث والوقائع الاجتماعية والحوادث الحربية، كما استعرض أوضاع العرب وعقائدهم ، وكثيرا من أحوالهم . وقد تعهدت كتب التفسير وأسباب النزول بشرح تلك الحوادث والاوضاع الاجتماعية، وتحديد أسماء الاشخاص وعلاقتها بالسيرة النبوية، كما أوضحت قيمة الشخصيات الاسلامية وجهادها وموقعها العقائدي، إلا أن هذه المصادر هي بدورها تحتاج إلى التمحيص والتحقيق .

2 كتب الروايات والتأريخ والسير والتراجم والرجال .

(5)

3 الادب والشعر وما حوى من حقائق وإيضاحات .

पृष्ठ 5