Sirat Ibn Hisham, Ed. Taha Abdul Raouf Saad
سيرة ابن هشام ت طه عبد الرؤوف سعد
अन्वेषक
طه عبد الرءوف سعد
प्रकाशक
شركة الطباعة الفنية المتحدة
शैलियों
المجلد: الأول
المتن
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَبِهِ نَسْتَعِين﴾
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَوَاتُهُ عَلَى سَيِّدِنَا محمد وعلى آله أَجْمَعِينَ
ذِكْرُ سَرْدِ النَّسَبِ الزَّكِيِّ
مِنْ مُحَمَّدٍ ﵌ إلَى آدَمَ ﵇
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عبدُ الْمَلِكِ بنُ هشام: هَذَا كتابُ سِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﵌ -محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. وَاسْمُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: شَيْبَة١ بْنُ هَاشِمٍ. وَاسْمُ هَاشِمٍ: عَمْرُو٢ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَاسْمُ عَبْدِ مناف: المغيرة٣ بن قصي٤، بن كلاب٥
_________
١ هكذا ذكر ابن إسحاق: أن اسمه شيبة -وهو الصحيح- وسمي بذلك لأنه ولد في رأسه شيبة. وأما غيره من العرب ممن اسمه شيبة، فإنما قصد في تسميتهم بهذا الاسم التفاؤل لهم ببلوغ سن الحنكة والرأي، كما سموا بهرم وكبير.
وعاش عبد المطلب مائة وأربعين سنة وكان لدى عبيد بن الأبرص الشاعر المشهور.
ويقال: إنه أول من خضب بالسواد. وقد ذكر أن اسمه عامر، "انظر الروض الأنف بتحقيقنا طبعة عباس شقرون ص٧ ج١".
٢ عمرو: وهو اسم منقول من أحد أربعة أشياء: من العَمر الذي هو العُمر. أو العَمر: الذي هو من عمور الأسنان. أو العُمر الذي هو طرف الكم. أو العَمر الذي هو القُرط.
٣ المغيرة: وهو منقول من الوصف، والهاء فيه للمبالغة، أي أنه مُغير على الأعداء، أو مغير من: أغار الحبل إذا أحكمه.
٤ قُصى واسمه زيد، وهو تصغير قَصيّ أي بعيد؛ لأنه بعد عن عشيرته في بلاد قُضاعة، حين احتملته أمه فاطمة مع ربيعة بن حرام.
٥ كلاب: وهو منقول إما من المصدر الذى هو معنى المكالبة، وإما من الكلاب جمع كلب؛ لأنهم يريدون الكثرة وقد قيل لأبي الرقيش الأعرابى: لم تسمون أبناءكم بشر الأسماء نحو: كلب وذئب، وعبيدكم بأحسن الأسماء نحو: مرزوق ورباح، فقال: إنما نسمي أبناءنا لأعدائنا، وعبيدنا لأنفسنا: يريد أن الأبناء عدة الأعداء وسهام في نحورهم؛ فاختاروا لهم هذه الأسماء.
1 / 3
ابن مرة١، بن كعب٢ بن لؤي٣، بن غالب، بن فهر٤، بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، بْنِ خُزَيْمَةَ٥، بْنِ مُدْرِكَةَ، وَاسْمُ مُدْرِكَةَ: عَامِرُ، بْنُ إلْيَاسَ٦، بْنِ مضر٧،
_________
١ مرة: منقول من وصف الحنظلة والعلقمة، ويجوز أن تكون الهاء للمبالغة، فيكون منقولًا من وصف الرجل بالمرارة. أو قد يكون من المسمين بالنبات فقد ذكر: أن المرة بقلة تقع فتؤكل بالخل والزيت.
٢ كعب: وهو منقول من الكعب الذي هو قطعة من السمن، أو من كعب القدم، يقولون: ثبت ثبوت الكعب، وكعب هو أول من جمع يوم العروبة، ولم تسم العروبة إلا مذ جاء الإسلام وقيل: هو أول من سماه الجمعة؛ فكان يجمع قريش في هذا اليوم ويذكرهم بمبعث النبي –ﷺ– ويعلمهم أنه ولده، ويأمرهم باتباعه.
٣ لؤي: هو تصغير اللأى، وهو الثور الوحشي كما ذكر ابن الأنباري.
٤ فهر: قيل: إنه لقب، والفهر من الحجارة الطويل، واسمه قريش وقيل: بل اسمه فهر، وقريش لقب له.
٥ خزيمة: تصغير خزمة، وهي المرة الواحدة من الخزم، وهو شد الشيء وإصلاحه.
٦ الياس. قال فيه ابن الأنباري: إلياس بكسر الهمزة وجعله موافقًا لاسم إلياس النبي، وقيل في اشتقاقه: إنه إفعال، من قولهم: رجل أليْس وهو الشجاع الذي لا يفر. قال العجاج:
أليْس عن حوبائه سخى
أما غير ابن الأنباري فقال: إنه إلياس، سمي بضد الرجاء، واللام فيه للتعريف والهمزة همزة وصل.
٧ مضر: قال فيه القتبى. هو من المضيرة وهي شيء يصنع من اللبن فسمي مضر لبياضه، فقيل: مضر الحمراء؛ لأن العرب تسمي الأبيض أحمر.
1 / 4
ابن نِزَارِ١، بْنِ مَعَد٢ بْنِ عَدْنَانَ٣، بْنِ أُدٍّ٤.
وَيُقَالُ أدَد، بْنُ مُقَوِّم، بْنِ نَاحُورَ، بْنِ تَيْرَح، بْنِ يَعْرُب، بْنِ يَشْجُب٥، بْنِ نَابِتِ، بن إسماعيل٦، بن إبراهيم٧ -خليل الرحمن- ابن تَارِحٍ -وَهُوَ آزَرُ٨- بْنُ نَاحُورَ، بْنِ سَارُوغَ، بن داعو، بْنِ فَالَخٍ٩، بْنِ عَيْبر١٠، بْنِ شالَخٍ١١، بْنِ أرْفَخْشَذ١٢، بن سام، ابن نوح١٣، بن لمك، بن متوشلخ١٤، بن أخنوخ وَهُوَ إدْرِيسُ النَّبِيُّ -فِيمَا يَزْعُمُونَ- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَانَ أَوَّلَ بَنِي آدَمَ أُعْطَى النُّبُوَّةَ، وَخَطَّ بالقلم -ابن يرد١٥ بن مهليل١٦،
_________
١ نزار: واشتقاقه من النزر وهو القليل، وكان أبوه حين ولد له ونظر إلى النور بين عينيه وهو نور النبوة نحر وأطعم وقال: إن هذا كله نزر لحق هذا المولود.
٢ معد: أخذ من المعد وهو القوة.
٣ عدنان: فعلان من عدن إذا أقام.
٤ أد: ويقال: أدد. قال ابن السراج: هو من الود وانصرف.
٥ ناحور: من النحر، وتبرح: من الترحة. ويشجب: من الشجب.
٦ إسماعيل: تفسيره: مطيع الله.
٧ إبراهيم: معناه: أب راحم.
٨ قيل معناه: يا أعوج.
٩ ويقال فيه: فالغ.
١٠ عيبر: ويقال فيه عابر، وذكر الطبري: أن بين فالغ وعابر أبا اسمه قينن أسقط اسمه من التوراة؛ لأنه كان ساحرًا.
١١ شالخ: معناه الرسول أو الوكيل.
١٢ أرفخشذ: تفسيره المصباح مضيء.
١٣ نوح: واسمه عبد الغفار ويقال: إنه سمي "نوحا" لنوحه على ذنبه.
١٤ متوشلخ: وتفسيره مات الرسول؛ لأن أباه كان رسولًا ومات، ومتوشلخ في بطن أمه.
١٥ يرد: وتفسيره الضابط.
١٦ مهليل: وقيل مهلائيل: وتفسيره: الممدح.
1 / 5
ابن قَيْنَنَ١، بْنِ يانِشَ٢، بْنِ شِيثِ٣، بْنِ آدَمَ٤، ﷺ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عبد الله البَكَّائى٥، عن محمد بن إسحاق الْمُطَّلِبِيِّ٦، بِهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ نَسَبِ مُحَمَّدٍ رسول الله ﵌ إلَى آدَمَ ﵇، وَمَا فِيهِ مِنْ حَدِيثِ إدْرِيسَ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي خلاد بن قُرَّة بن خالد السَّدومي، عن شَيْبان ابن زُهَيْر بْنِ شَقِيقِ بْنِ ثَوْر، عَنْ قتَادة بْنِ دِعامة، أَنَّهُ قَالَ:
إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ -خليل الرحمن- ابن تارِح -وهو آزر- ابن نَاحُورَ بْنِ أَسْرَغَ بْنِ أَرْغُو بْنِ فَالَخٍ بْنِ عَابِرِ بْنِ شَالَخٍ بْنِ أرْفَخْشَذ بْنِ سام بن نوح بن لَمْك بن متُّوشلخ بْنِ أَخْنُوخَ بْنِ يَرْدِ بْنِ مِهْلَائِيلَ بْنِ قَاين ابن أنُوش بْنِ شِيثِ بْنِ آدَمَ ﷺ.
منهج ابن هشام في عرضه للسيرة: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنَا -إنْ شَاءَ اللَّهُ- مبتدئٌ هَذَا الْكِتَابَ بِذِكْرِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَمَنْ وَلد رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مِنْ ولدِه، وأولادِهم لِأَصْلَابِهِمْ، الأولَ فالأولَ، مِنْ إسْمَاعِيلَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَمَا يَعْرِض مِنْ حَدِيثهِمْ، وتاركٌ ذكْرَ غَيْرِهِمْ مِن وَلَدِ إسْمَاعِيلَ عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ، لِلِاخْتِصَارِ، إلَى حَدِيثِ سِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وتاركٌ بعضَ مَا ذَكَرَهُ ابنُ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْكِتَابِ، مِمَّا لَيْسَ لرسول الله ﷺ فِيهِ ذِكْرٌ. وَلَا نَزَلَ فِيهِ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ، وَلَيْسَ سَبَبًا لِشَيْءِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَلَا تَفْسِيرًا لَهُ، وَلَا شَاهِدًا عَلَيْهِ، لِمَا ذَكَرْتُ مِنْ الِاخْتِصَارِ، وَأَشْعَارًا ذَكَرَهَا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يَعْرِفُهَا، وَأَشْيَاءَ بعضُها يَشْنُعُ الْحَدِيثُ بِهِ، وَبَعْضٌ يَسُوءُ بعضَ النَّاسِ ذِكْره، وَبَعْضٌ لَمْ يُقرّ لَنَا البَكَّائى بِرِوَايَتِهِ، ومستقصٍ -إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى- مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْهُ بِمَبْلَغِ الرِّوَايَةِ لَهُ، والعلم به.
_________
١ قينن: وقيل: قينان، وتفسيره المستوى.
٢ يانش: وقيل: أنوش، وتفسيره الصادق.
٣ شيث: وهو بالسريانية: شاث، وتفسيره: عطية الله.
٤ آدم: وفيه ثلاثة أقوال: أنه اسم سرياني، أو هو أفعل من الأدمة وهي السمرة، أو أخذ من لفظ الأديم؛ لأنه خلق من أديم الأرض.
٥ هو: أبو محمد زياد بن عبد الله البكائي الكوفي وهو محدث مشهور.
٦ هو أبو بكر محمد بن إسحاق بن يسار من المحدثين خاصة في المغازى والسير، توفي ببغداد سنة إحدى وخمسين ومائة هجرية. انظر تاريخه مفصلًا هو وابن هشام في مقدمة الكتاب.
1 / 6
سِيَاقَةُ النَّسَبِ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ ﵇
أولاد إسماعيل ﵇: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ الله البَكَّائى، عن محمد بن إسحاق المُطَّلِبي قَالَ:
ولدَ إسماعيلُ بنُ إبْرَاهِيمَ ﵉ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا: نَابِتًا -وَكَانَ أَكْبَرَهُمْ- وقيْذَر وأذْبُل، ومنْشا ومِسْمَعًا، وماشى، ودمَّا، وأذر، وطيما، ويَطُورا، ونَبِش، وقَيْذُما، وأمهم: بنت مُضاض بن عَمر الجُرْهُمي. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: مِضَاضٌ، وجُرهم بْنُ قَحْطَانَ –وَقَحْطَانُ أَبُو الْيَمَنِ كُلِّهَا، وَإِلَيْهِ يَجْتَمِعُ نَسَبُهَا- ابْنُ عَامِرِ بْنِ شالَخِ بْنِ أرْفَخْشَذ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ.
قَالَ ابْنُ إسحاق: جُرْهُم بن يَقْطن بن شالخ، ويَقْطن هو: قحطان ابن عَيْبر بن شالخ.
عمر إسماعيل وموطن أمه ووفاته: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ عُمْرُ إسْمَاعِيلَ -فِيمَا يذكرون- مائة سَنَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، ثُمَّ مَاتَ -رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْهِ- وَدُفِنَ فِي الحِجْر١ مَعَ أُمِّهِ هاجر -رحمهما الله تعالى.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَقُولُ الْعَرَبُ: هَاجَرَ وَآجَرَ، فَيُبْدِلُونَ الْأَلِفَ مِنْ الْهَاءِ، كَمَا قَالُوا: هَرَاقَ الْمَاءَ، وَأَرَاقَ الْمَاءَ، وَغَيْرَهُ. وَهَاجَرُ مِنْ أَهْلِ مصر.
حديث الوصاة بأهل مصر وسببها: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهيعَة، عَنْ عُمر مَوْلَى غَفْرَة٢ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:
"اللَّهَ اللَّهَ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ. أَهْلِ المدَرَة السَّوْدَاءِ، السُّحْم الجِعاد٣، فَإِنَّ لَهُمْ نسبًا وصهرًا".
_________
١ الحجر: هو حجر الكعبة وهو ما تركت قريش في بنائها من أساس إبراهيم ﵇ حينما ضافت بهم النفقة وحجرت على الموضع ليعرف أنه من الكعبة.
٢ غفرة: أخت أو بنت بلال ﵁.
٣ المدرة: البلدة. والسحم: السود. والجعاد: يقال فلان جعد الشعر إذا كان فيه تكسير.
1 / 7
قَالَ عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَة: نسبُهم: أَنَّ أمَّ إسْمَاعِيلَ النَّبِيِّ ﷺ-مِنْهُمْ. وصهرُهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تسرَّر فِيهِمْ١.
قَالَ ابْنُ لَهِيعَة: أُمُّ إسْمَاعِيلَ: هَاجَرُ، مِنْ: "أُمِّ العَرَب" قَرْيَةٍ كَانَتْ أَمَامَ الفَرَما٢ مِنْ مِصْرَ.
وَأُمُّ إبْرَاهِيمَ٣: مَارِيَةُ٤ سُرِّيَّة النَّبِيِّ ﷺ الَّتِي أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِسُ مِنْ حَفْنٍ٥، مِنْ كُورَةِ أنصِنا٦.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مسلم بن عُبَيْد الله بن شهاب الزهري: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيَّ، ثُمَّ السُّلَمي، حَدَّثَهُ: أن رسول الله ﷺ قال: "إذا فتحتم مِصْرَ، فاستوصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا فَإِنَّ لَهُمْ ذِمة ورحِمًا". فَقُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ: مَا الرَّحِمُ الَّتِي ذَكر رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَهُمْ؟ فَقَالَ: كَانَتْ هاجَر أُمُّ إسْمَاعِيلَ مِنْهُمْ.
أَصْلُ الْعَرَبِ: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَالْعَرَبُ كُلُّهَا مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَقَحْطَانَ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْيَمَنِ يَقُولُ: قَحْطَانُ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ، وَيَقُولُ: إسماعيل أبو العرب كلها.
_________
١ تسرر الرجل: اتخذ أمة لفراشه.
٢ الفرما: مدينة شرق مصر كانت ميناء كبيرًا، وتعرف الآن بتل الفرما.
٣ هو إبراهيم ابن رسول الله ﷺ.
٤ مارية ومعناها: البقرة الفتية إذا كان اللفظ مخففًا، والملساء إذا كان اللفظ مشددًا وهي التي أهداها إلى النبي ﷺ المقوقس- واسمه جُرَيج بن ميناء. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قد أرسل إليه حاطب بن أبي بلتعة وجبرًا مولى أبي رُهْم الغفاري، فقارب الإسلام وأهدى معهما أيضًا بغلته التي يقال لها: دلدل -القنفذ العظيم- وأهدى إليه قدحًا من قوارير كان يشرب فيها. انظر: "الروض الأنف بتحقيقنا ج١ ص١٧".
٥ حفن: قرية بصعيد مصر وهي التي رفع عنها معاوية الخراج بوساطة الحسن بن علي ﵁ حفظًا لوصية رسول الله ورعاية لحرمة صهره ﷺ.
٦ أنصنا: قرية بصعيد مصر، يقال: إنها كانت مدينة السحرة وشهرتها قائمة على وجود شجر اللبخ بها.
1 / 8
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: عَادُ بْنُ عَوْص بْنِ إرَم بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، وَثَمُودُ وجَديس ابْنَا عَابِرِ بْنِ إرَمِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، وطَسْم وعِمْلاق وأمَيم بَنُو لاوِذ بْنِ سَامِ بنِ نُوحٍ. عربٌ كلُّهم. فَوَلَدَ نابتُ بنُ إسماعيلَ: يشْجُبَ بْنَ نَابِتٍ، فولَدَ يشجبُ: يعرُبَ بْنَ يَشْجُبَ: فولدَ يَعْرُبُ: تَيْرح بْنَ يَعْرُبَ، فَوَلَدَ تيرحُ: ناحورَ بْنَ تَيْرَحَ، فولَدَ نَاحُورُ: مُقَوّم بْنَ نَاحُورٍ، فَوَلَدَ مُقَوِّمُ: أدَدَ بنَ مُقَوِّمٍ، فَوَلَدَ أددُ: عدنانَ بْنَ اُدَد.
قَالَ ابنُ هشامٍ: ويقالُ: عدنانُ بْنُ أُدٍّ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَمِنْ عَدْنَانَ تَفَرَّقَتْ الْقَبَائِلُ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ ﵉ فَوَلَدَ عَدْنَانُ رَجُلَيْنِ: مَعَدَّ بْنَ عَدْنَانَ، وعَكّ بن عدنان.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَصَارَتْ عَكٌّ فِي دَارِ الْيَمَنِ، وَذَلِكَ أَنَّ عَكَّا تَزَوَّجَ فِي الْأَشْعَرِيِّينَ، فَأَقَامَ فِيهِمْ؛ فَصَارَتْ الدَّارُ وَاللُّغَةُ وَاحِدَةً. وَالْأَشْعَرِيُّونَ: بَنُو أَشْعَرَ بْنِ نَبْت بْنِ أدَد بْنِ زَيْدِ بْنِ هَمَيْسع بْنِ عَمْرِو بْنِ عَرِيبِ بْنِ يَشْجُب بْنِ زَيْد بْنِ كَهْلان بْنِ سَبَأِ بْنِ يَشْجُب بْنِ يَعْرب بْنِ قَحْطَانَ وَيُقَالُ: أشعرُ: نَبْت بْنُ أدَد. وَيُقَالُ: أَشْعَرُ: ابنُ مَالِكٍ، وَمَالِكٌ: مَذْحج بْنُ أدَد بْنِ زَيْدِ بْنِ هَمَيْسع. وَيُقَالُ: أَشْعَرُ: ابْنُ سَبَأِ بْنِ يشجُب.
وَأَنْشَدَنِي أَبُو مُحْرِز خَلف الْأَحْمَرُ، وَأَبُو عُبَيْدة، لِعَبَّاسِ بْنِ مِرْداس، أَحَدِ بَنِي سُلَيْم بن منصور بن عِكْرِمة بن خَصَفة بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلان بْنِ مُضَر بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ، يَفْخَرُ بِعَكِّ:
وَعَكُّ بْنُ عَدْنَانَ الَّذِينَ تلقَّبوا ... بِغَسَّانِ حَتَّى طُرِّدوا كلَّ مَطْرِد
ِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ: وَغَسَّانُ: مَاءٌ بِسَدِّ مَأْرِبَ بِالْيَمَنِ، كَانَ شِرْبًا لِوَلَدِ مَازِنِ بْنِ الأسْد١ بْنِ الغَوْث، فسُموا بِهِ. وَيُقَالُ: غَسَّانُ٢: مَاءٌ بالمُشَلَّل قَرِيبٌ مِنْ الجُحْفَة، وَاَلَّذِينَ شربوا منه تحزبوا فسُموا بِهِ قَبَائِلُ مِنْ وَلَدِ مَازِنِ بْنِ الْأَسْدِ، بْنِ الغَوْث، بْنِ نَبْت، بْنِ مَالِكِ، بْنِ زَيْد، بْنِ كَهْلان، بْنِ سَبَأِ، بْنِ يَشْجُب، بن يَعْرُب، بن قَحْطان.
_________
١ ويقال فيه الأزد أيضًا.
٢ واشتقاق غسان -اسم ذلك الماء- من الغس والضعيف وبعد هذا البيت:
يا أخت آل فراس إنني رجل
من معشر لهم في المجد بنيان
1 / 9
قَالَ حسانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَالْأَنْصَارُ بَنُو الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، ابنَىْ حَارِثَةَ، بْنِ ثَعْلبة، بْنِ عَمْرِو، بْنِ عَامِرِ، بْنِ حَارِثَةَ، بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ، بْنِ ثَعْلَبَةَ، بْنِ مَازِنِ، بْنِ الأسْد، بْنِ الْغَوْثِ:
إمَّا سألْتِ فَإِنَّا مَعْشرٌ نُجُبٌ ... الأسْدُ نسبتُنا والماُء غسانُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ.
فَقَالَتْ الْيَمَنُ، وَبَعْضُ عَكٍّ، وَهُمْ الَّذِينَ بِخُرَاسَانَ مِنْهُمْ: عَكُّ بْنُ عَدْنَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ. وَيُقَالُ: عُدْنان بن الديث بن عبد الله بن الأسْد بن الغوْث.
قَالَ ابنُ إسْحَاقَ: فوَلَدَ معدُّ بْنُ عَدْنَانَ أربعةَ نَفَرٍ: نِزَارَ بْنَ مَعَدٍّ، وَقُضَاعَةَ، بْنَ مَعَدٍّ، وَكَانَ قُضَاعَةُ بِكْر مَعَدٍّ الَّذِي بِهِ يُكْنَى -فِيمَا يَزْعُمُونَ- وقُنُص بْنَ مَعَدٍّ، وَإِيَادَ بْنَ مَعَدٍّ.
فَأَمَّا قُضاعة فَتَيَامَنَتْ إلَى حِمْير بْنِ سَبَأٍ -وَكَانَ اسْمُ سَبَأٍ: عَبْدَ شَمْسٍ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ سَبَأً؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَبَى فِي الْعَرَبِ– ابْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُب بْنِ قحطان.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَقَالَتْ الْيَمَنُ وَقُضَاعَةُ: قُضَاعَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ حِمْير. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ الْجُهَنِيُّ١، وجُهَينة بْنُ زَيْدِ، بْنِ لَيْث، بن سَوْد، بن أسلم، بن الحاف، بن قُضاعة:
نَحْنُ بَنُو الشَّيْخِ الهِجان الأزْهَر ... قُضَاعَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ حِمْيَرِ
النَّسَبِ الْمَعْرُوفِ غَيْرِ المنْكَر ... في الحَجَرالمنقوش تحتَ المِنْبرِ٢
قُنُصُ بْنُ مَعَدٍّ وَنَسَبُ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ: قَالَ ابنُ إسْحَاقَ: وَأَمَّا قُنُص بْنُ مَعَدٍّ فَهَلَكَتْ بَقِيَّتُهُمْ -فِيمَا يزعمُ نُسَّاب مَعَدٍّ- وَكَانَ مِنْهُمْ النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ مَلِكُ الحيرة. قال ابن إسحاق:
_________
١ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
له حديثان أحدهما في أعلام النبوة، والآخر: "من ولي أمر الناس، فسد بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة، سد الله بابه دون حاجته وخلته ومسكنته يوم القيامة". انظر: "الروض الأنف بتحقيقنا ج١ ص٢٣".
٢ الهجان الكريم. الأزهر: المشهور، ويقال: إن هذا الشعر لأفلح بن اليعبوب كما ذكر ذلك ذو الحسبين عن الزبير. ويقال أول هذا الرجز قوله:
يا أيها الداعي أدعنا وأبشر ... وكن قضاعيًّا ولا تنزر
1 / 10
قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن مسلم بْنِ عُبَيد اللَّهِ بْنِ شِهَابِ الزُّهْري: أَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ كَانَ مِنْ وَلَدِ قُنُص بْنِ مَعَدٍّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ويُقال: قَنَص.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبة بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الأخْنَس، عَنْ شَيْخٍ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي زُرَيْق أَنَّهُ حَدَّثَهُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ﵁ حِينَ أُتِيَ بِسَيْفِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ١، دَعَا جُبَيْر بن مُطْعِم بن عَدِي بن نَوْفَل بن عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَى -وَكَانَ جُبَيْر مِنْ أَنْسَبِ قُرَيْشٍ لِقُرَيْشِ، وَلِلْعَرَبِ قَاطِبَةً، وَكَانَ يَقُولُ: إنَّمَا أَخَذْتُ النسبَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ﵁ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَنْسَبَ الْعَرَبِ- فَسَلَّحَهُ إيَّاهُ، ثُمَّ قَالَ: مِمَّنْ كَانَ، يَا جُبَيْر النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ؟ فَقَالَ: كَانَ مِنْ أَشْلَاءِ قُنُص بْنِ مَعَدٍّ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَمَّا سَائِرُ الْعَرَبِ فَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا مِنْ لَخْم، مِنْ وَلَدِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ، فَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ.
لَخْمِ بْنِ عَدِيٍّ: قَالَ ابنُ هِشَامٍ: لَخْم: ابْنُ عَدِيِّ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ أُدَدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ هَمَيْسَع بْنِ عَمْرِو بْنِ عَرِيب بْنِ يَشْجُب بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ. وَيُقَالُ: لَخْم: ابْنُ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَبَأٍ. وَيُقَالُ: رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرِ٢ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، وَكَانَ تَخَلَّفَ بِالْيَمَنِ بَعْدَ خُرُوجِ عَمْرِو بن عامر من اليمن.
_________
١ وإنما أتى بهذا السيف حين افتتحت المدائن، وكانت بها خرائب كسرى وذخائره فأخذت نفائسه ومن جملتها خمسة أسياف. أحدها: سيف كسرى أبرويز، والثاني سيف كسرى أنوشروان وثالثها: سيف النعمان بن المنذر كان استلبه منه حين غضب عليه وقتله، ورابعها: سيف خاقان ملك الترك، وخامسها: سيف هرقل وكان تصير إلى كسرى أيام غلبته على الروم.
٢ ويقال فيه: نصر بن ربيعة: وهو في قول نساب اليمن ربيعة بن نصر بن الحارث بن نمارة بن لخم، وقال الزبير: نصر بن مالك بن شعوذ بن مالك بن عجم بن عمرو بن نمارة بن لخم.
1 / 11
أَمْرُ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ فِي خُرُوجِهِ مِنْ الْيَمَنِ: وَقِصَّةُ سَدِّ مَأْرِبٍ
وَكَانَ سَبَبُ خُرُوجِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ مِنْ الْيَمَنِ، فِيمَا حَدَّثَنِي أَبُو زَيْد الْأَنْصَارِيُّ، أَنَّهُ رَأَى جُرَذًا يَحْفِرُ فِي سَدِّ مأرِب الَّذِي كَانَ يَحْبِسُ عَلَيْهِمْ الْمَاءَ فَيُصَرِّفُونَهُ حَيْثُ شَاءُوا مِنْ أَرْضِهِمْ، فَعَلِمَ أَنَّهُ لَا بقاءَ لِلسَّدِّ عَلَى ذَلِكَ، فَاعْتَزَمَ عَلَى النُّقْلة مِنْ الْيَمَنِ، فَكَادَ قَوْمَهُ، فَأَمَرَ أَصْغَرَ وَلَدِهِ إذَا أَغْلَظَ لَهُ وَلَطَمَهُ، أَنْ يَقُومَ إلَيْهِ فَيَلْطِمَهُ، فَفَعَلَ ابْنُهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ، فَقَالَ عَمْرٌو: لَا أُقِيمُ بِبَلَدِ لَطَمَ وَجْهِي فِيهِ أصغرُ وَلَدِي، وَعَرَضَ أموالَه، فَقَالَ أَشْرَافٌ مِنْ أَشْرَافِ الْيَمَنِ: اغْتَنِمُوا غضبةَ عَمرو، فَاشْتَرَوْا مِنْهُ أَمْوَالَهُ، وَانْتَقَلَ فِي وَلَدِهِ وَوَلَدِ ولده. وقال الْأَزْدُ: لَا نَتَخَلَّفُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، فَبَاعُوا أموالَهم، وَخَرَجُوا مَعَهُ، فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا بِلَادَ عَكٍّ مُجْتَازِينَ يَرْتَادُونَ الْبُلْدَانَ. فَحَارَبَتْهُمْ عَك، فَكَانَتْ حَرْبُهُمْ سِجالًا، فَفِي ذَلِكَ قَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ الْبَيْتَ الَّذِي كَتَبْنَا١. ثُمَّ ارْتَحَلُوا عَنْهُمْ، فَتَفَرَّقُوا فِي الْبُلْدَانِ، فَنَزَلَ آلُ جَفْنَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ: الشامَ، وَنَزَلَتْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ: يَثْرِبَ، وَنَزَلَتْ خُزَاعَةُ: مَرًّا، وَنَزَلَتْ أزدُ السراةَ: السَّرَاةَ. وَنَزَلَتْ أزدُ عُمان: عُمَانَ. ثُمَّ أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى السدِّ السيلَ فَهَدَمَهُ، فَفِيهِ أَنْزَلَ اللَّهُ ﵎ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ، فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ﴾ . [سبأ: ١٥] .
والعَرِم: السَّدُّ، وَاحِدَتُهُ: عَرِمَة، فِيمَا حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدة.
قال الأعشى: أعشى بني قيس، ابن ثَعْلَبَةَ، بْنِ عُكابة، بْنِ صَعْب، بْنِ عَلِيِّ، بْنِ بَكْرِ، بْنِ وَائِلِ بْنِ هِنْب، بْنِ أفْصَي، بْنِ جَديلة، بْنِ أسَد، بْنِ رَبِيعَةَ، بْنِ نِزار، بْنِ مَعَدّ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: أَفْصَى بْنِ دُعْمِيّ بْنِ جَدِيلَةَ، وَاسْمُ الْأَعْشَى: مَيْمُونُ بْنُ قَيْس، بْنِ جَنْدَلِ، بْنِ شَرَاحِيلَ، بْنِ عَوْفِ، بْنِ سَعْدِ، بْنِ ضُبَيْعة، بْنِ قَيْسِ، بْنِ ثَعْلَبَةَ:
وَفِي ذَاكَ لِلْمُؤْتَسِي أُسْوَةٌ ... ومأربُ عفَّى عَلَيْهَا العَرِمْ
رُخام بَنَتْهُ لَهُمْ حِمْيرٌ ... إذَا جَاءَ مَوَّارُه لَمْ يَرِمْ
فَأَرْوَى الزروعَ وأعنابَها ... عَلَى سَعةٍ مَاؤُهُمْ إذْ قُسِمْ
_________
١ وهو قوله:
وَعَكُّ بْنُ عَدْنَانَ الَّذِينَ تَلَقَّبُوا
بِغَسَّانِ حَتَّى طردوا كل مطرد
1 / 12
فَصَارُوا أَيَادَى مَا يَقْدِرُو ... نَ مِنْهُ عَلَى شُرْبِ طِفْلٍ فُطِمْ
وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
وَقَالَ أميةُ بنُ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفي -وَاسْمُ ثَقيف: قَسِيُّ بنُ مُنَبِّه، بْنِ بَكْرِ، بْنِ هَوَازِنَ، بْنِ مَنْصُورِ، بْنِ عِكرمة، بْنِ خَصَفة، بْنِ قَيْسِ، بْنِ عَيْلان، بْنِ مُضَر، بْنِ نِزَار، بْنِ مَعَدّ، بْنِ عَدْنَانَ:
مِنْ سَبَأِ الْحَاضِرِينَ مَأْرِبَ إذْ ... يَبْنُونَ مِنْ دُونِ سَيْلِهِ الْعَرِمَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَتُرْوَى لِلنَّابِغَةِ الجَعْدي، وَاسْمُهُ: قَيْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَحَدُ بَنِي جَعْدة، بْنِ كَعْبِ، بْنِ رَبِيعَةَ، بْنِ عَامِرِ، بْنِ صَعْصَعة، بْنِ مُعَاوِيَةَ، بْنِ بَكْرِ، بْنِ هَوَازن.
وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ، مَنَعَنِي مِنْ اسْتِقْصَائِهِ مَا ذَكَرْتُ مِنْ الِاخْتِصَارِ.
حديث ربيعة بن نصر ورؤياه
رؤيا ربيعة: قَالَ ابنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ مَلِكُ الْيَمَنِ بَيْنَ أضْعَاف مُلُوكِ التَّبَابِعَةِ، فَرَأَى رُؤْيَا هَالَتْهُ، وَفَظِعَ بِهَا، فَلَمْ يَدَعْ كَاهِنًا، وَلَا سَاحِرًا، وَلَا عَائِفًا١، وَلَا منجِّما مِنْ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ إلَّا جَمَعَهُ إلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ: إنِّي قَدْ رَأَيْتُ رُؤْيَا هَالَتْنِي، وفَظِعْت بِهَا؛ فأخْبروني بِهَا وَبِتَأْوِيلِهَا، قَالُوا لَهُ: اُقْصُصْهَا عَلَيْنَا نخبرْك بِتَأْوِيلِهَا، قَالَ: إنِّي إنْ أَخْبَرْتُكُمْ بِهَا لَمْ أَطْمَئِنَّ إلَى خبرِكم عَنْ تَأْوِيلِهَا، فَإِنَّهُ لَا يَعْرِفُ تَأْوِيلَهَا إلَّا مَنْ عَرَفَهَا قَبْلَ أَنْ أُخْبِرَهُ بِهَا، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ: فَإِنْ كَانَ الْمَلِكُ يُرِيدُ هَذَا فَلْيَبْعَثْ إلَى سَطيحٍ٢ وشِقٍّ٣، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَعْلَمَ مِنْهُمَا، فهما يخبرانه بما سأل عنه.
_________
١ العائف: من يزجر الطير.
٢ وسمي سطيحا: لأنه كان جسما ملقى لا جوارح له ولا يقدر على الجلوس، إلا إذا غضب انتفح فجلس. ويذكر أن وجهه في صدره ولم يكن له رأس ولا عنق ويذكر عن وهب ابن منبه أنه قال: قيل لسطيح: أنى لك هذا العلم؟ فقال: لي صاحب من الجن استمع أخبار السماء من طور سيناء حين كلم الله تعالى موسى ﵇ فهو يؤدى إلي من ذلك ما يؤديه.
٣ وسمي بذلك؛ لأنه كان نصف إنسان، له يد واحدة؟ ورجل واحدة، وعين واحدة. وولد شق وسطيح في اليوم الذي ماتت فيه طريفة الكاهنة وهي بنت الخير الحميرية امرأة عمر بن عامر فدعت بشق وسطيح قبل أن تموت فتفلت في فيهما وأخبرت أنهما سيخلفانها في كهانتها.
1 / 13
وَاسْمُ سَطِيحٍ: رَبِيعُ بْنُ رَبِيعَةَ، بْنِ مَسْعُودِ، بْنِ مَازِنِ، بْنِ ذِئْبِ، بْنِ عَدِيِّ، بْنِ مازن غسان، وشق: بن صَعْب، بْنُ يَشْكُر، بْنِ رُهْم، بْنِ أفْرَك، بن قَسْر، بن عَقْبَر، بْنِ أَنْمَارِ، بْنِ نِزَارٍ: وَأَنْمَارُ أَبُو بَجِيلَةَ وَخَثْعَمَ.
نَسَبُ بَجِيلَةَ: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَتْ الْيَمَنُ: وَبَجِيلَةُ بَنُو أَنْمَارِ، بْنِ إرَاشِ بْنِ لَحْيان، بْنِ عَمْرِو، بْنِ الغَوْث، بْنِ نَبْت، بن مالك، بن زيد، بن كهلان، بن سَبَأٍ: وَيُقَالُ: إرَاشُ بْنُ عَمْرِو، بْنِ لحْيان، بن الغَوْث. ودار بجيلة وخثعم يمانية.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَعَثَ إلَيْهِمَا، فَقَدِمَ عَلَيْهِ سَطيح قبلَ شِقٍّ، فَقَالَ لَهُ: إنِّي رَأَيْتُ رُؤْيَا هَالَتْنِي، وفظِعْت بِهَا، فأخبرْنى بِهَا، فَإِنَّكَ إنْ أصبتَها أصبتَ تأويلَها.
قَالَ: أفعلُ. "رأيتَ حُمَمَة، خَرَجَتْ مِنْ ظُلُمة، فَوَقَعَتْ بِأَرْضِ تَهَمة، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كلُّ ذاتِ جُمْجُمة"١.
فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا أخطأتَ مِنْهَا شَيْئًا يَا سطيحُ؛ فَمَا عندَك فِي تَأْوِيلِهَا؟ فَقَالَ: أَحْلِفُ بِمَا بين الحَرَّتَيْن من حَنَش، ليهبِطنَّ أرضَكم الْحَبَشُ، فَلَيَمْلِكُنَّ مَا بَيْنَ أبيَن إلَى جُرَش٢، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: وَأَبِيكَ يَا سَطِيحُ، إنَّ هَذَا لَنَا لَغَائِظٌ مُوجِعٌ، فَمَتَى هُوَ كَائِنٌ، أَفِي زَمَانِي هَذَا؛ أَمْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ بَعْدَهُ بِحِينِ، أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ أَوْ سَبْعِينَ، يَمْضِينَ مِنْ السِّنِينَ، قَالَ: أَفَيَدُومُ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِهِمْ أَمْ يَنْقَطِعُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ يَنْقَطِعُ لِبِضْعِ وَسَبْعِينَ مِنْ السِّنِينَ، ثُمَّ يُقتلون وَيَخْرُجُونَ مِنْهَا هَارِبِينَ. قَالَ: وَمَنْ يلي ذَلِكَ مِنْ قتْلِهم وَإِخْرَاجِهِمْ؟ قَالَ: يَلِيهِ إرَمُ ذي يَزن٣، يخرج
_________
١ الحممة: الفحمة المحرقة، والظلمة: الظلام يريد خروج عسكر الحبشة من أرض السودان. وأرض تهمة أي منخفضة وقوله: أكلت منها كل ذات جمجمة" ولم يقل: كل ذي جمجمة لأن القصد إلى النفس والنسمة فهو أعم، ويدخل فيه جميع ذوات الأرواح.
٢ بنو حبش بن حام بن نوح وبه سميت الحبشة، وأبين هكذا رويت بفتح الهمزة وذكرها سيبويه بكسر الهمزة على مثل إصبع. وقال ابن ماكولا هو أبين بن زهير بن أيمن بن الهميسع من حمير، أو من ابن حمير سميت به البلدة، وذكر الطبري: أن أبين وعدن ابنا عدنان سميت بهما البلدتان، وجرش: مدينة باليمن.
٣ المعروف أن اسمه: سيف بن ذي يزن، ولكن جعل إرما، إما لأن الإرم هو العلم فمدحه بذلك، وإما شبهه بعاد إرم في عظم الخلقة، قال اللَّهُ ﵎: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ .
1 / 14
عَلَيْهِمْ مِنْ عَدَنَ، فَلَا يَتْرُكُ أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْيَمَنِ.
قَالَ: أَفَيَدُومُ ذَلِكَ مِنْ سُلْطَانِهِ، أَمْ يقطع؟
قَالَ: لَا، بَلْ يَنْقَطِعُ.
قَالَ: وَمَنْ يَقْطَعُهُ؟
قَالَ: نَبِيٌّ زَكِيٌّ، يَأْتِيهِ الْوَحْيُ، مِنْ قِبَلِ الْعَلِيِّ. قَالَ: وَمِمَّنْ هَذَا النَّبِيُّ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ غَالِبِ بْنِ فهْر بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْر، يَكُونُ المُلك فِي قَوْمِهِ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ. قَالَ: وَهَلْ لِلدَّهْرِ مِنْ آخِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، يومٌ يُجْمَع فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، يَسْعَدُ فِيهِ الْمُحْسِنُونَ، وَيَشْقَى فِيهِ الْمُسِيئُونَ. قَالَ: أَحَقٌّ مَا تُخْبِرُنِي؟ قَالَ: نَعَمْ. والشَّفق والغَسق، والفَلَق إذَا اتَّسق، إنَّ مَا أَنْبَأْتُكَ بِهِ لحق.
ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهِ شِق، فَقَالَ لَهُ كَقَوْلِهِ لِسَطِيحِ، وَكَتَمَهُ مَا قَالَ سَطِيحٌ، لِيَنْظُرَ أَيَتَّفِقَانِ أَمْ يَخْتَلِفَانِ. فَقَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتُ حُمُمة، خَرَجَتْ مِنْ ظُلُمة، فَوَقَعَتْ بَيْنَ رَوْضة وَأَكَمَهْ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ نَسَمَهْ.
قَالَ: فَلَمَّا قَالَ له ذلك، عرف أَنَّهُمَا قَدْ اتَّفَقَا، وَأَنَّ قَوْلَهُمَا وَاحِدٌ.
إلَّا أَنَّ سَطِيحًا قَالَ: "وَقَعَتْ بِأَرْضِ تَهَمة، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ جُمْجُمة".
وَقَالَ شِق: "وَقَعَتْ بينَ رَوْضَةٍ وَأَكَمَهْ، فأكلتْ مِنْهَا كلُّ ذَاتِ نَسَمَهْ".
فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا أَخْطَأْتَ يَا شِقُّ مِنْهَا شَيْئًا، فَمَا عِنْدَكَ فِي تَأْوِيلِهَا؟
قَالَ: أَحْلِفُ بِمَا بَيْنَ الحَرَّتين مِنْ إنْسَانٍ، لينزلن أرضَكم السودان، فليغلبن على كل طَفْلة١ البنان، وليملكُن ما بين أبيَن إلى نَجْران.
فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: وَأَبِيكَ يَا شِقُّ، إنَّ هَذَا لَنَا لَغَائِظٌ مُوجِعٌ، فَمَتَى هُوَ كَائِنٌ؟ أَفِي زَمَانِي، أَمْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ بَعْدَهُ بِزَمَانِ، ثُمَّ يَسْتَنْقِذُكُمْ مِنْهُمْ عَظِيمٌ ذُو شَأْنٍ، وَيُذِيقُهُمْ أَشَدَّ الْهَوَانِ.
قَالَ: وَمَنْ هَذَا الْعَظِيمُ الشَّانِ؟ قَالَ: غُلَامٌ، لَيْسَ بدَنِيّ، وَلَا مُدَنّ٢، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِ ذِي يَزَن، فلا يترك أحدًا منهم باليمن.
_________
١ الطفلة: الناعمة الرخصة. والبنان. الأصبع.
٢ المدن: الذي جمع الضعف مع الدناءة.
1 / 15
قَالَ: أَفَيَدُومُ سُلْطَانُهُ أَمْ يَنْقَطِعُ؟ قَالَ: بَلْ يَنْقَطِعُ بِرَسُولِ مُرْسَل يَأْتِي بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ، بَيْنَ أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ، يَكُونُ الْمُلْكُ فِي قَوْمِهِ إلَى يَوْمِ الْفَصْلِ؟ قَالَ: وَمَا يَوْمُ الْفَصْلِ؟ قَالَ: يومٌ تُجْزَى فِيهِ الولاةُ ويُدْعى فِيهِ مِنْ السَّمَاءِ بِدَعَوَاتِ، يَسْمَعُ مِنْهَا الْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتُ، ويُجمع فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ لِلْمِيقَاتِ، يَكُونُ فِيهِ لِمَنْ اتَّقَى الفوزُ وَالْخَيْرَاتُ.
قَالَ: أَحَقٌّ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: إي وربِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ رَفْعٍ وخَفض، إنَّ مَا أَنْبَأْتُكَ بِهِ لَحَقٌّ، مَا فِيهِ أَمْضِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَمْضِ. يَعْنِي شَكَّا: هَذَا بِلُغَةِ حِمْيَرَ: وقال أبو عمرو. أمض أي: باطل. فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ مَا قَالَا، فَجَهَّزَ بَنِيهِ، وَأَهْلَ بَيْتِهِ إلَى الْعِرَاقِ بِمَا يُصْلِحُهُمْ، وَكَتَبَ لَهُمْ إلَى مَلِكٍ مِنْ ملوك فارس يقال له: سابور بن خرَّزاد فأسكنهم الحيرة.
رأي آخر في نَسَبُ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ: فَمِنْ بَقِيَّةِ وَلَدِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ: النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ، فَهُوَ فِي نَسَبِ الْيَمَنِ وعِلْمِهم: النعمانُ بنُ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمرو بْنِ عَدِي بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْر، ذَلِكَ الْمَلِكُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ، بْنِ الْمُنْذِرِ، فِيمَا أَخْبَرَنِي خَلَفٌ الأحمر.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا هَلَكَ رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ، رَجَعَ مُلك الْيَمَنِ كلِّه إلَى حَسَّانِ بْنِ تُبان أَسْعَدَ١ أَبِي كَرِبٍ -وتُبان أَسْعَدُ هو: تُبَّع الآخر، ابن كَلْكى كرَب بْنِ زَيْدٍ، وَزَيْدٌ هُوَ تُبَّع الْأَوَّلُ بن عمرو ذي الأذعار٢ ابن أبرهة ذي المنار٣ ابن الرّيْش -قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: الرَّائِشُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ابْنَ عَدِيِّ بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ سبأ الأصغر، بن كَعْب، كَهْف الظُّلم، ابن زَيْد
_________
١ اسمان جعلا اسما واحدا، ويصح جعل الإعراب في الجزء الأول من الاسم وإضافة الاسم الثاني إليه ويجوز الإعراب في الجزء الثاني من الاسم. وتبان: من التبانة وهي الذكاء والفطنة. يقال. رجل تبن وطبن.
٢ وسمي ذا الأذعار؛ لأنه أوغر في ديار المغرب وسبا أمة ذات شكل غريب؛ فذعر الناس منهم فسمي بذلك.
٣ وسمي بذلك؛ لأنه رفع نيرانًا في جبال ليهتدى بها في إحدى غزواته.
1 / 16
ابن سَهْل، بْنِ عَمرو، بْنِ قَيْس، بْنِ مُعَاوِيَةَ، بْنِ جُشَم، بْنِ عَبْدِ شَمْسِ، بْنِ وَائِلِ، بْنِ الغَوْث، بْنِ قَطَن، بْنِ عَرِيب، بْنِ زُهَيْرِ، بْنِ أَيْمَنَ، بْنِ الهَمَيْسَع، بْنِ العَرَنْجَج. والعَرَنْجَج: حِمْيَر بْنُ سَبَأٍ الْأَكْبَرِ بْنِ يَعْرُب، بْنِ يَشْجُب، بْنِ قَحْطَانَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَشْجُب: بن يَعْرُب بن قَحْطان.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وتُبان أَسْعَدُ: أَبُو كَرِب الَّذِي قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَسَاقَ الحَبْرَيْن مِنْ يَهُودِ المدينة إلى اليمن، وعثر الْبَيْتَ الْحَرَامَ وَكَسَاهُ، وَكَانَ مُلكه قَبْلَ مُلك رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ الَّذِي يُقال لَهُ:
لَيْتَ حَظِّي مِنْ أَبِي كَرِب ... أن يسدّ خيرُه خبلَهْ١
تبان يغضب على أهل المدينة: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ قَدْ جَعَلَ طَرِيقَهُ -حِينَ أَقْبَلَ مِنْ الْمَشْرِقِ- عَلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ قَدْ مَرَّ بِهَا فِي بَدْأَتِهِ، فَلَمْ يَهِجْ أهلَها، وَخَلَّفَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ ابْنًا لَهُ، فقُتل غِيلةً، فَقَدِمَهَا، وَهُوَ مُجمع لِإِخْرَابِهَا، وَاسْتِئْصَالِ أَهْلِهَا، وَقَطْعِ نَخْلِهَا٢، فَجُمِعَ لَهُ هَذَا الحيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَرَئِيسُهُمْ عَمْرُو بْنُ طَلَّة أَخُو بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ، وَاسْمُ مَبْذُولٍ: عَامِرُ، بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَاسْمُ النَّجَّارِ: تَيْمُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ، بْنِ عَمْرِو، بْنِ الْخَزْرَجِ، بْنِ حَارِثَةَ، بْنِ ثَعْلَبَةَ، بن عمرو، بن عامر.
عمرو بن طلة ونسبه: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَمْرُو بْنُ طَلَّة: عَمْرُو بْنُ مُعَاوِيَةَ، بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ، بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وطَلَّة: أُمُّهُ: وهىِ بِنْتُ عامر بن زُرَيق، بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيق، بْنِ عَبْدِ حارثة بن مالك، بن غضْب، بن جُشَم، بن الخزرج.
_________
١ الخيل: الفساد. وقد نسب هذا البيت إلى الأعشى ولكن البرقى نسبه إلى عجوز من بني سالم، قالته حين جاء مالك بن العجلان بخبر تتبع. فدخل سرا، فقال لقومه: قد جاء تبع فقالت العجوز البيت.
٢ يذكر القتبى أنه لم يقصد غزوها، وإنما قصد قتل اليهود الذين كانوا فيها، وذلك أن الأوس والخزرج كانوا نزولها معهم، حين خرجوا من اليمن على شروط وعهود كانت بينهم فلم يفِ بذلك يهود واستضاموهم، فاستغاثوا بتبع، فعند ذلك قدمها.
1 / 17
قصة مقاتلة تُبَّانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ يقال له: أحمر، عدا على رجال من أصحاب تُبَّع في نَزَلَ بِهِمْ فَقَتَلَهُ. وَذَلِكَ أَنَّهُ وَجَدَهُ فِي عَذْق لَهُ يَجُدُّه١ فَضَرَبَهُ بِمِنْجَلِهِ فَقَتَلَهُ، وَقَالَ: إنَّمَا التَّمْرُ لِمَنْ أَبَّرَهُ٢، فَزَادَ ذَلِكَ تُبعًا حنقا عليهم، قال: فَاقْتَتَلُوا، فتزعُم الأنْصار أَنَّهُمْ كَانُوا يُقَاتِلُونَهُ بِالنَّهَارِ، وَيَقْرُونَهُ بِاللَّيْلِ، فَيُعْجِبُهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَيَقُولُ: وَاَللَّهِ إن قومَنا لكرام!!.
فبينا تُبع على ذلك من قتالهم؛ إذا جَاءَهُ حَبران مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ، مِنْ بَنِي قُرَيظة، وقريظة والنضير والنَّحَّام وَعَمْرٌو -وَهُوَ هَدَل٣- بَنُو الْخَزْرَجِ بْنِ الصَّرِيحِ بن التَّوْمان٤، بْنِ السِّبط بْنِ الْيَسَعَ، بْنِ سَعْدِ، بْنِ لاوي، بن خير، بن النحام، بن تنحوم، بن عازر، عِزرى، بْنِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ، بْنِ يَصْهَرَ، بن قاهث، بن لَاويّ بن يعقوب: وهو إسرائيل -ابن إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ- عَالِمَانِ رَاسِخَانِ فِي الْعِلْمِ، حِينَ سَمِعَا بِمَا يُرِيدُ مِنْ إهْلَاكِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِهَا، فَقَالَا لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّكَ إنْ أَبَيْتَ إلَّا مَا تُرِيدُ حِيلَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا، وَلَمْ نَأْمَنْ عَلَيْكَ عاجلَ الْعُقُوبَةِ، فَقَالَ لَهُمَا: وَلِمَ ذَلِكَ؟ فَقَالَا: هِيَ مهاجَر نَبِيٍّ يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْحَرَمِ مِنْ قُرَيْشٍ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، تَكُونُ دارَه وقرارَه، فَتَنَاهَى عَنْ ذَلِكَ، وَرَأَى أَنَّ لَهُمَا عِلْمًا، وَأَعْجَبَهُ مَا سَمِعَ مِنْهُمَا، فَانْصَرَفَ عَنْ الْمَدِينَةِ، وَاتَّبَعَهُمَا عَلَى دِينِهِمَا، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ العُزَّى بْنِ غَزِيَّة بن عمرو بْنِ عَبْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ غُنْم بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ يَفْخَرُ بِعَمْرِو بْنِ طَلَّة:
أَصَحَّا أَمْ قَدْ نَهَى ذُكَرَهْ ... أَمْ قَضَى من لذةٍ وسرهْ٥
_________
١ العذق: النخل، ويجده: يقطعه.
٢ أبر النخل: لقحه وأصلحه.
٣ هدل: بفتح الدال والهاء، كأنه مصدر: هدل هدلا إذا استرخت شفته، وذكره الأمير بن ماكولا عن أبي عبدة النسابة فقال فيه: هدل بسكون الدال.
٤ التومان: على وزن فعلان. كأنه من لفظ التوم، وهو الدر.
٥ الذكر: جمع ذكره. والمستعمل في هذا المعنى ذكرى بالألف وقلما يجمع فعلى على فُعَل وإنما يجمع على فعال، فإن كان أراد في هذا البيت جمع ذكرى، وشبه ألف التأنيث بهاء التأنيث، فله وجه: قد يحملون على الشيء إذا كان في معناه.
1 / 18
أَمْ تذكرْتَ الشبابَ، وَمَا ... ذِكرُك الشَّبَابَ أَوْ عُصُرَهْ١
إنَّهَا حَرْبٌ رباعِيةٌ ... مثلُها أَتَى الْفَتَى عِبَره٢
فَاسْأَلَا عمرانَ أَوْ أَسَدًا ... إذْ أَتَتْ عَدْوًا مَعَ الزُّهَرَة٣
فَيْلَقٌ فِيهَا أَبُو كَرِبٍ ... سُبَّغ أبدانُها ذَفِرَهْ٤
ثُمَّ قَالُوا: مَنْ نَؤُمُّ بِهَا ... أَبَنِي عَوْفٍ، أَمْ النجرَه؟ ٥
بَلْ بَنِي النَّجَّارِ إنَّ لَنَا ... فِيهِمْ قَتْلَى، وإنَّ تِرَهْ٦
فتلقَّتهم مُسايفة ... مَدُّها كالغيبةِ النَّثِرهْ٧
فِيهِمْ عَمْرُو بنُ طَلَّةَ مَلّى ... الإلهُ قومه عُمُرَهْ٨
_________
١ أو عصره، أراد أو عصره وهما لغتان كما قال ابن جني ليس شيء على وزن فَعْل يمتنع فيه فُعَل. انظر: "الروض الأنف بتحقيقنا ج١ ص٣٧".
٢ حرب رباعية: مثل: أي ليست بصغيرة ولا جذعة، بل هي فوق ذلك، وضرب سن الرباعية مثلا، كما يقال: حرب عوان؛ لأن العوان أقوى من الفتية وأدرب.
٣ يريد صبحهم بغلس: وهي ظلمة آخر الليل قبل مغيب الزهرة: وهي نجم معروف شديد اللمعان.
٤ سبغ: كاملة. والأبدان: الدروع. وذفرة من الذفر وهي سطوع الرائحة طيبة كانت أو كريهة، وأما الدفر، فإنه فيما كره من الروائح، ومنه قيل للدنيا أم دفر.
٥ النجرة جمع ناجر، والناجر والنجار: بمعنى واحد، وهذا كما قيل المناذرة في بني المنذر، والنجار، وهم: تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج، وسمي النجار؛ لأنه نجر وجه رجل بقدوم فيما ذكر بعض أهل النسب.
٦ فيهم قتلى وإنَّ تره: أظهر إن بعد الواو. أراد: إن لها قتلى وترة، والترة: الوتر. انظر تفصيل ذلك في: "الروض الأنف بتحقيقنا ج١ ص٣٨".
٧ مسايفة: أي كتيبة مسايفة. والغيبة: الدفعة من المطر. والنثرة: المنتثرة، وهي التي لا تمسك الماء.
٨ ملى. من قولهم: تمليته حينا. أي عشت معه حينًا وهو مأخوذ من الملاوة والملوين وفي القاموس. ملاك الله حبيبك تملية: متعك به، وتملى عمره. استمتع فيه، والملأ: الصحراء والملوان: الليل والنهار.
1 / 19
سَيْد سام الملوكَ وَمَنْ ... رَامَ عَمرًا لَا يكنْ قَدَرَهْ
وَهَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ حَنَقُ تُبع عَلَى هَذَا الْحَيِّ مِنْ يَهُودَ الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَإِنَّمَا أَرَادَ هَلَاكَهُمْ، فَمَنَعُوهُمْ مِنْهُ، حَتَّى انْصَرَفَ عَنْهُمْ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي شِعْرِهِ:
حَنقًا عَلَى سِبْطين حلَّا يَثْرِبَا ... أوْلى لَهُمْ بِعِقَابِ يَوْمٍ مُفْسِدِ
قَالَ ابن هشام: الشعر الذي فيه هَذَا الْبَيْتِ مَصْنُوعٌ، فَذَلِكَ الَّذِي مَنَعَنَا مِنْ إثباته١.
تبَّع يذهب إلى مكة ويطوف بالكعبة: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ تُبَّعٌ وَقَوْمُهُ أَصْحَابَ أَوْثَانٍ يَعْبُدُونَهَا، فَتَوَجَّهَ إلَى مَكَّةَ، وَهِيَ طريقهُ إلَى الْيَمَنِ، حَتَّى إذَا كَانَ بَيْنَ عسْفان، وأمَج أَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ هُذيل بْنِ مُدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن مَعَدٍّ؛ فَقَالُوا لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ أَلَا نَدُلُّكَ على بيت مال دائر، أَغَفَلَتْهُ الْمُلُوكُ قَبْلك، فِيهِ اللُّؤْلُؤُ وَالزَّبَرْجَدُ وَالْيَاقُوتُ وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ؟ قَالَ: بَلَى قَالُوا: بَيْتٌ بِمَكَّةَ يَعْبُدُهُ أَهْلُهُ، وَيُصَلُّونَ عِنْدَهُ. وَإِنَّمَا أَرَادَ الْهُذَلِيُّونَ هَلَاكَهُ بِذَلِكَ، لِمَا عَرَفُوا مِنْ هَلَاكِ مَنْ أَرَادَهُ مِنْ الْمُلُوكِ وبغَى عِنْدَهُ. فَلَمَّا أَجْمَعَ لِمَا قَالُوا، أَرْسَلَ إلَى الْحَبْرَيْنِ، فَسَأَلَهُمَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَا لَهُ: مَا أَرَادَ الْقَوْمُ إلَّا هلاكَك وَهَلَاكَ جُنْدِكَ. مَا نَعْلَمُ بَيْتًا لِلَّهِ اتَّخَذَهُ فِي الْأَرْضِ لِنَفْسِهِ غَيْرَهُ، وَلَئِنْ فَعَلْتَ مَا دَعَوْكَ إلَيْهِ، لَتَهْلَكَنَّ وَلَيَهْلَكَنَّ مَنْ مَعَكَ جَمِيعًا، قَالَ: فَمَاذَا تَأْمُرَانِنِي أَنْ أَصْنَعَ إذَا أنا قدمت إليه قَالَا: تَصْنَعُ عِنْدَهُ مَا يَصْنَعُ أَهْلُهُ: تَطُوفُ بِهِ وَتُعَظِّمُهُ وتكرِّمه، وَتَحْلِقُ رَأْسَكَ عِنْدَهُ وتذِل لَهُ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ: فَمَا يمنعكما أنتما من ذلك، قالا: أَمَا وَاَللَّهِ إنَّهُ لَبَيْتُ أَبِينَا إبْرَاهِيمَ، وَإِنَّهُ لَكَمَا أَخْبَرْنَاكَ، وَلَكِنَّ أَهْلَهُ حَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ بِالْأَوْثَانِ الَّتِي نَصَبُوهَا حولَه، وَبِالدِّمَاءِ الَّتِي يُهْرقون عِنْدَهُ، وَهُمْ نَجِس أهلُ شِرْكٍ –أَوْ كَمَا قَالَا لَهُ– فَعَرَفَ نصحَهما وَصِدْقَ حَدِيثِهِمَا فَقَرَّبَ النَّفَرَ مِنْ هُذيل، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَنَحَرَ عِنْدَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ سِتَّةَ أَيَّامٍ –فيما يذكرون– ينحر بها للناس
_________
١ على الرغم من زعم ابن هشام أن هذا البيت مصنوع فقد ذكره ضمن قصيد مطول في كتاب التيجان. أوله:
مَا بَالُ عَيْنِكَ لَا تَنَامُ، كَأَنَّمَا
كُحِلَتْ مآقيها بسم الأسود
1 / 20
وَيُطْعِمُ أَهْلَهَا، وَيَسْقِيهِمْ الْعَسَلَ، وأرِيَ فِي الْمَنَامِ أَنْ يَكْسُوَ الْبَيْتَ، فَكَسَاهُ الخَصَف١ ثُمَّ أرِيَ أَنْ يَكْسُوَهُ أحسنَ مِنْ ذَلِكَ فَكَسَاهُ المَعافرَ٢، ثُمَّ أُرَى أَنْ يَكْسُوَهُ أحسنَ مِنْ ذَلِكَ فَكَسَاهُ المُلاء وَالْوَصَائِلَ٣، فَكَانَ تُبع -فِيمَا يزعُمون-أَوَّلَ مَنْ كَسَا الْبَيْتَ٤، وَأَوْصَى بِهِ وُلَاتَهُ مِنْ جُرْهُمٍ، وَأَمَرَهُمْ بِتَطْهِيرِهِ وَأَلَّا يُقَرِّبُوهُ دَمًا، ولا ميتة، ولا مئلاتا -وَهِيَ الْمَحَايِضُ٥- وَجَعَلَ لَهُ بَابًا وَمِفْتَاحًا، وَقَالَتْ سُبَيْعة بِنْتُ الأحَبِّ، بْنِ زَبينة، بْنِ جَذِيمَةَ، بن عوف، بْنِ مُعَاوِيَةَ، بْنِ بَكْرِ، بْنِ هَوَازِنَ، بْنِ مَنْصُورِ، بْنِ عِكرمة، بْنِ خَصَفة، بْنِ قَيْسِ، بْنِ عَيْلَانَ، وَكَانَتْ عِنْدَ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ كَعْبِ، بْنِ سَعْدِ، بْنِ تَيْم، بْنِ مُرة، بْنِ كَعْبِ، بْنِ لُؤَي، بْنِ غَالِبِ، بْنِ فِهْر، بْنِ مَالِكِ، بْنِ النَّضْرِ، بْنِ كِنَانَةَ، لِابْنِ لَهَا مِنْهُ يُقَالُ لَهُ: خَالِدٌ: تعظِّم عليه حرمة مكة، تنهاه عن البغي فيها، وتذكر تُبَّعا وتُذَلِّلُهُ له، وما صنع بها:
_________
١ الخصف: جمع خصفة وهي شيء ينسج من الخوص والليف، والخصف أيضًا: الثياب الغليظة.
٢ المعافر: ثياب يمنية.
٣ الملاء: جميع ملاءة، وهي الملحفة. والوصائل: ثياب موصلة من ثياب اليمن.
ويروى أن تبعًا لَمّا كسا البيت المسوح والأنطاع انتفض البيت فزال ذلك عنه، وفعل ذلك حين كساه الخصف، فلما كساه الملاء والوصائل قبلها.
٤ قال ابن إسحاق: أو من كسا الكعبة الديباج: الحجاج، وذكر الدارقطنى: أنها نتيلة بنت جناب أم العباس بن عبد المطلب، كانت قد أضلت العباس صغيرًا. فنذرت: إن وجدته أن تكسو الكعبة الديباج ففعلت ذلك حين وجدته. وقال الزبير النسابة: بل أول من كساها الديباج عبد الله بن الزبير.
٥ لم يرد النساء الحيض: لأن حائضا لا يجمع على محائض: وإنما هي جمع محيضة، وهي خرقة المحيض. ويقال للخرقة أيضًا: مثلاة؛ وجمعها: المآلي.
٦ وقال أبو عبيدة: بنت الأجب -بالجيم- وقد قالت هذا الشعر في حرب كانت بين بني السبقا بن عبد الدار، وبين بني علي بن سعد بن تميم حتى تفانوا.
1 / 21
أبنيَّ: لاتَظْلم بمكـ ... ـة لا الصغيرَ ولا الكبيرْ
واحفظْ محارمَها بنيَّ ... ولا يغرَّنْك الغَرورْ
أبُنَيَّ: من يَظلم بمكـ ... ـةَ يُلقَ أطرافَ الشرورْ
أبنَىَّ: يُضْرب وجهُه ... وَيلُحْ بخديْه السعيرْ
أَبُنَيَّ: قَدْ جربتُها ... فوجدتُ ظَالِمهَا يبورْ١
اللَّهُ أمَّنها، وَمَا ... بُنيت بعرْصَتها قصورْ
وَاَللَّهُ آمنَ طيرَها ... والعُصْم تَأْمَنُ فِي ثَبيرْ٢
وَلَقَدْ غَزَاهَا تُبعٌ ... فَكَسَا بنيتَها الحبيرْ٣
وأذلَّ رَبِّي مُلكَهُ ... فِيهَا فَأَوْفَى بالنُّذورْ
يَمْشِي إلَيْهَا حَافِيًا ... بفنائِها ألفَا بَعِيرْ
وَيَظَلُّ يُطْعِمُ أهلَها ... لحمَ المهاري والجَزُور٤
يسقيهم العسلَ المصفّـ ... ـى والرَّحيضَ مِنْ الشعيرْ٥
والفيلُ أُهْلِكَ جيشُه ... يُرْمَوْنَ فيها بالصخورْ
والملْكُ في أقصى البلاد ... وَفِي الأعاجِم والخَزِير٦
فاسمعْ إذَا حُدِّثت، وافهمْ ... كَيْفَ عاقبةُ الأمورْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُوقَفُ على قوافيها لا تعرب.
أصل اليهودية باليمن: ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا مُتَوَجِّهًا إلَى الْيَمَنِ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ جُنُودِهِ وبالحَبْرين حَتَّى إذَا دَخَلَ الْيَمَنَ دَعَا قَوْمَهُ إلَى الدُّخُولِ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ، فأبَوْا عَلَيْهِ، حَتَّى يُحَاكِمُوهُ إلَى النَّارِ التي كانت باليمن.
_________
١ يبور: يهلك.
٢ العصم: الوعول تعتصم في الجبال. وثبير: جبل بمكة.
٣ بنيتها: الكعبة. والحبير: نوع موشى من ثياب اليمن.
٤ المهارى: الإبل النجيبة.
٥ الرحيض: المنقى والمصفى.
٦ الخزير: يريد الخزر وهم أمة من العجم.
1 / 22