सिराज अल-मुलूक
سراج الملوك
प्रकाशक
من أوائل المطبوعات العربية
प्रकाशक स्थान
مصر
له: الله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذًا لا يضيعنا. ثم رجعت فانطلق إبراهيم ﷺ حتى إذا كان عند الثنية بحيث لا يرونه استقبل البيت بوجهه، ثم رفع يديه ودعا بهذه الدعوات فقال: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾ (ابراهيم: ٣٧) حتى بلغ: ﴿يَشْكُرُونَ﴾ .
وجعلت أم إسماعيل ﵇ ترضعه وتشرب من ذلك الماء حتى نفد ما في السقاء، فعطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوى، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدًا فلم تر أحدًا، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها فنظرت هل ترى أحدًا فلم تر أحدًا، ففعلت ذلك سبع مرات. قال ابن عباس ﵄: قال النبي ﷺ: فلذلك سعى الناس بينهما فلما أشرفت على المروة سمعت صوتًا فقالت: صه! تريد نفسها فسمعت أيضًا فقالت: قد سمعت إن كان عندك غياث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه أو يقال بجناحه حتى ظهر الماء، فجعلت تحوطه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف. قال النبي ﷺ: يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف لكانت عينًا معينًا. قال: فشربت وأرضعت ولدها. فقال لها الملك: لا تخافي الضيعة فإن ههنا بيت الله ﷿، يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله ﷿ لا يضيع أهله.
ومنه قصة الثلاثة الذين خلفوا، وذلك أن كعب ابن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية تخلفوا عن غزوة تبوك، ونهى النبي ﷺ عن كلام الثلاثة قال: فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت لنا الأرض بما رحبت فما نعرفها، وكنت أطوف في الأسواق وأشهد الصلاة مع المسلمين ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله ﷺ فأسلم عليه وأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام أم لا؟ حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي وأحب الناس إلي، فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام، فلما تمت خمسون ليلة من يوم نهي رسول الله ﷺ عن كلامنا، صليت صلاة الفجر وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكرها الله ﷿ قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت، وما كان شيء أهم علي من أن أموت على تلك الحال، فلا يصلي علي النبي ﷺ أو يموت النبي ﷺ، فأكون بين الناس بتلك المنزلة لا يكلمني أحد ولا يصلي علي.
فأنزل الله تعالى توبتنا فسمعت صوت صارخ من أعلى الجبل: يا كعب بن مالك أبشر! فخررت ساجدًا لله تعالى وعرفت أن قد جاء الفرج، فخلعت ثوبي على الصارخ ببشراه، ووالله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما ثم أتيت النبي ﷺ فسلمت عليه وهو يبرق وجهه من السرور، وقال: أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك! فقلت: يا رسول الله إن من توبتي أن انخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله. فقال النبي ﷺ: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك.
وروي أن إبراهيم ﵊ لما شب ودرج في موضع ربي فيه، فلما جن عليه الليل رأى كوكبًا يقال أنه رأى الزهرة قال: ﴿هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ*فَلَمَّا رَأى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ﴾ (الأنعام٧٧: ٧٦) بعد طلوع الفجر ﴿قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾ فلما أصبح و﴿رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ*إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ*وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ
1 / 161