सिनेमा वा फलसफा

निविन कबड रऊफ d. 1450 AH
117

सिनेमा वा फलसफा

السينما والفلسفة: ماذا تقدم إحداهما للأخرى

शैलियों

لكي نتجنب مواقف الندم العميق، لا بد أن نكون محظوظين من ناحيتين على الأقل. أولا سنحتاج في معظم الحالات إلى قدر من الحظ (أو إلى غياب سوء الحظ على الأقل) كي نضمن نجاح أهم مشروعاتنا. ثانيا: لا بد أن نكون، في المستقبل، في موضع يمكننا من تقدير ذلك النجاح مثلما تصورناه أول مرة تقريبا، وهو أمر لا يخضع بالضرورة لسيطرتنا. لم يكن بوسع جوجان التأكد تماما أن مشروعه الرامي لأن يصبح فنانا عظيما سيلقى نجاحا، ولم يكن بوسعه كذلك التأكد بما لا يدع مجالا للشك أنه سيظل يحب الرسم بشغف وإخلاص. فماذا لو أصابه الملل من الرسم وأصبح يعتبره لهوا فارغا يناسب الهواة الساعين للهرب من متطلبات حياة كريمة كادحة؟ الخيارات الأساسية إذن محفوفة بالمخاطر، وقد ينتج عنها إخفاق كبير. (ينتقي وليامز مثالا على اختيار فشل فشلا ذريعا من رواية تولستوي «أنا كارينينا»، حيث اختارت آنا ترك زوجها، وحاولت تأسيس حياة مع عشيقها، فرونسكي.)

لا تتساوى جميع الإخفاقات. يقارن وليامز بين الفشل المحتمل لموهبة جوجان أو مزاجه الفني وبين احتمالية إصابته بمرض وهو في طريقه إلى جنوب المحيط الهادي. يصف وليامز الإخفاق الأول بأنه إخفاق جوهري للمشروع، بينما يصف الثاني بأنه إخفاق غير جوهري. فيما يلي يقدم وليامز مقارنة بين النوعين (1981: 36). القرارات الحياتية الرئيسية ليست:

مجرد قرارات محفوفة حقا بالمخاطر ... لها نتائج مهمة. لا بد أن تكون النتيجة ملموسة بطريقة خاصة، طريقة تؤثر تأثيرا مهما في تصور الفاعل عما يحمل أهمية في حياته؛ ومن ثم يحدد موقفه عند تقييم هذا القرار بأثر رجعي. نستنتج من هذا أن مثل هذه القرارات هي بالتأكيد قرارات تنطوي على نوع من المخاطرة، نوع يساعدنا على شرح أهمية الاختلاف بين الإخفاق الجوهري وغير الجوهري فيما يخص المشروعات المرتبطة بها. في حالة الإخفاق الجوهري، يتضح أن المشروع الذي تمخض عنه القرار بلا قيمة، ولا يصلح كأساس داعم لحياة الفاعل. في حالة الإخفاق غير الجوهري، لا يتضح هذا، وعلى الرغم من حتمية اعتراف الفاعل بالفشل، فإن المشروع لا يجرد من قيمته، وقد يساهم، في صورة تطلع جديد ربما، في إعطاء معنى لما تبقى من حياة المرء. في حالة الفشل غير الجوهري يعجز الفاعل - بينما يفكر بأثر رجعي ويبدي مشاعر الندم الأولية - عن التوحد توحدا كاملا مع قراره؛ ومن ثم لا يجد مبررا لما فعله؛ لكنه في الوقت نفسه ليس منفصلا تماما عن قراره، ولا يمكن أن يعتبره مجرد خطأ كارثي؛ ومن ثم لن يجد نفسه في النهاية بلا مبررات.

عندما تخفق مشروعاتنا الرئيسية إخفاقا جوهريا، ينهار الأساس الداعم لأحد الجوانب المحورية من حياتنا. ولا يبقى لدينا ما يبرر الأذى الذي ربما أوقعناه بالآخرين في خضم سعينا لتحقيق هذه المشروعات. أما في حالة الفشل غير الجوهري لمشروع رئيسي، يظل المشروع معقولا من وجهة نظرنا ولا يمكننا اعتباره «خطأ كارثيا». لا يعتقد وليامز أن جوجان يستطيع تبرير سلوكه لعائلته التي هجرها، فليس مطلوبا منهم أن يقولوا لأنفسهم: «حسنا، لقد اتضح في النهاية أنه رجل عبقري مبدع. من الأفضل أنه هجرنا ولم يعبأ بمصيرنا وارتحل إلى الجزر.» لكن إذا اتضح أن رحلته إلى جنوب المحيط الهادي كانت مغامرة خيالية بلا قيمة، فلن يجد جوجان ما يقوله دفاعا عن قراره أمام نفسه وأمام الآخرين. إن الحظ الأخلاقي في قصة جوجان يتمثل في حقيقة تجنبه لهذا المصير تحديدا.

حظ ويسلر

من نواح عدة، تثير شخصية ويسلر في «حياة الآخرين» اهتماما أكثر من جوجان؛ فهو يخوض مخاطرات عظيمة، لكنه، على عكس جوجان، لا يخرج منها ظافرا منتصرا. رغم ذلك ينجح ويسلر ويحالفه الحظ بطرق واضحة وأخرى أقل مباشرة وأكثر إثارة للاهتمام على حد سواء. يتخذ ويسلر في خضم الأحداث قرارا حياتيا جوهريا؛ فهو يهجر السردية التي تربط أجزاء حياته المفككة، فيهجر إيمانه بأهمية وحقيقة دوره في جهاز الإشتازي. ويشجعه سلوك هيمف وجروبتز على ذلك، في حين ينمو داخله احترام وإعجاب بدريمان وزيلاند. لا يتحول ويسلر نفسه إلى منشق، وبعد خفض رتبته يستمر في العمل بالإشتازي (في قسم مراقبة الخطابات في السرداب) حتى انهيار جدار برلين. تزداد حياة ويسلر صعوبة دون شك بعد انهيار الجدار بسبب دوره السابق في الإشتازي على الأرجح. وهو الآن يعمل ساعيا للبريد، ونراه يحمل الخطابات عبر شوارع برلين الرمادية القبيحة التي تشوهها الرسومات الجدارية، حيث يبدو وحيدا ومتضائلا. (قارن حياته الآن بحياته عندما نراه للمرة الأولى في الفيلم؛ إذ كان وقتها في ذروة تألقه المهني، محققا ألمعيا بارعا يعطي محاضرة لمجموعة من الطلاب يتطلعون إليه بنظرات يملؤها الإعجاب.) لماذا إذن نعتبره محظوظا؟

قرر ويسلر حماية كاتب منشق، وقد نجح في هذا. لكنه سعى كذلك إلى حماية زيلاند وأخفق في هذا المسعى. لا بد أنه مثقل بالندم حيال مصيرها استنادا إلى دوره في تحققه. يطلق وليامز على هذا النوع من الندم «ندم الفاعل»، وهو يختلف عن وخز الضمير الذي ينطوي على إحساس قوي بإخفاق أخلاقي عميق لدى المرء؛ ربما لا ينبغي لويسلر الشعور بوخز عميق للضمير على سلوكه في هذا الشأن تحديدا. لقد استجوب زيلاند، وقد أدى هذا، على نحو غير متوقع، إلى انتحارها، لكنه لم يكن أمامه خيار أفضل في هذه المسألة. لقد فعل كل ما في وسعه، وخاض مخاطرة كبرى كي يمحو قدر ما يستطيع من الضرر الذي تسببت به أفعاله. رغم ذلك، كان ويسلر سببا مباشرا في ضياع زيلاند، وسوف يتضاءل في نظرنا إذا تعامل مع هذه الحقيقة باعتبارها نوعا من الحظ السيئ ليس إلا، أو إذا تملص منها بأن يقول: «لو أنني لم أستجوبها، لاستجوبها شخص آخر أقل تعاطفا بكثير معها.» من المفترض أن يشعر ويسلر بندم الفاعل فيما يخص دوره في استجواب زيلاند (وبتأنيب حقيقي للضمير حيال دوره في استجواب متهمين آخرين).

لم يكتف ويسلر بقرار حماية شخص ما، بل فعل ما هو أكثر. لقد اختار حماية مفاهيم لم يكن يرى لها قيمة حقيقية قبل هذه اللحظة، مفاهيم مثل حق المعارضة السياسية، وحق الخصوصية، وحق المرء في العيش بالطريقة التي يرغب فيها دون أن تحكم الدولة في ذلك. يتضح من تصرفات ويسلر (الذي لا نطلع أبدا على أفكاره) أنه تحول إلى اعتناق تصور ليبرالي لمجتمع عادل، وتخلى عن الطموحات الاشتراكية لتجربة ألمانيا الشرقية. ويعبر هذا عن إعادة توجيه جذرية لرؤيته، ويعكس على الأرجح تقديره المتنامي لما تزخر به الحياة من تجارب ثرية في ظل أوضاع ليبرالية. ربما بلغ ويسلر مستوى أعمق بينما يعيد صياغة قيمه الأساسية؛ فربما ألهمه تذوقه الجديد للفن وما شهده من علاقة متقدة تسودها الحميمية والاهتمام في حياة دريمان وزيلاند المشتركة كي يعقد العزم على أن يحيا بدوره حياة أكثر ثراء بالتجارب والتواصل وبالشغف. لا يقدم الفيلم إجابة حاسمة عن هذا السؤال بأي شكل من الأشكال. (يظل ويسلر شخصية مبهمة، ويظل، لدواعي المفارقة، رجلا منعزلا، لا يعرب أبدا عن دوافعه، ولا يكشف عن أفكاره ومواقفه الأساسية إلا من خلال أفعاله.)

على أي حال، ينحاز ويسلر إلى الجانب الآخر، وبينما يقوم بذلك يخاطر بالتعرض للفشل، بكلا نوعيه الجوهري وغير الجوهري. مثال على الفشل غير الجوهري في حالة ويسلر هو عجزه عن حماية دريمان. (تخيل سيناريو تؤدي فيه التقارير الزائفة غير المتقنة التي يعدها ويسلر إلى تعريض دريمان للخطر بدلا من حمايته.) كان الفشل غير الجوهري سيؤدي إلى ندم حقيقي، لكن من نوع يختلف عن الندم الناتج عن الفشل الجوهري. أما احتمالية الفشل الجوهري فتكمن في مخاطرة ويسلر عند انحيازه إلى الجانب الآخر بفقدان مبرر حياته في المستقبل. تخيل أن القيم التي تبناها عند تحوله أضحت فيما بعد جوفاء في عينه، ربما أصبح يرى الكاتب المنشق شخصا يحدث صخبا نابعا من انغماسه في ذاته وشعوره بأهميتها حول أشياء تافهة؛ أو بعبارة أخرى، أصبح يراه خائنا حقا. تخيل أنه أصبح يرى صعود التيار الليبرالي في ألمانيا فشلا في حد ذاته؛ نوعا من تخلي الحكومة عن دورها في رعاية المواطنين وضمان المساواة والتآخي بينهم، واختيار طائش للوحشية النيوليبرالية لتحل محل نظام معيب حقا، لكنه قابل للإصلاح، من القيم الاشتراكية. يخاطر ويسلر بفشل جوهري، لكن هذا الفشل لا يحدث لحسن حظه. يبدو المشهد الأخير من الفيلم مصطنعا وعاطفيا في نظر البعض، لكنه يشير في الواقع، إشارة واضحة وعملية، إلى نجاح ويسلر في مشروعه للتحول الذاتي. لقد أصبح شخصا يستطيع تقبل تعبيرات الشكر الصادرة من رجل أنقذه يوما ما عن طيب خاطر ودفع ثمنا لا يستهان به في سبيل ذلك. لقد استحق ويسلر تلك اللحظة. (ومن المهم ملاحظة أن هذه اللحظة لا ترمز إلى تطهر دولة ألمانيا الشرقية أو جهاز الإشتازي الذي أفسدها، بل تتمحور في الأساس حول إمكانية ظهور شخص مثل ويسلر.)

من الواضح أن ويسلر لا يندم على قراره من منظور الشخص الذي أصبح عليه فيما بعد. لكن هذا الوضع لم يكن قط أمرا يقينيا. لا أحد يعرف ذاته بما يكفي، وبالتأكيد لم يكن ويسلر يعرف ذاته بما يكفي، كي يصبح متيقنا من نتيجة كهذه. وقد حظي ويسلر بمساعدة طارئة في طريقه. لقد ساعده تحول مجتمعه بعد سقوط الجدار، واختياره كان نفسه الاختيار الذي اكتسب مشروعية بعدما اعتنقه الكثيرون. إن مجتمعه الجديد أصبح يشاركه مفهومه الليبرالي المكتشف حديثا عن العدالة، وتنكره لماضيه المهني هو تحديدا الموقف الذي سيرحب به الجميع تقريبا في ألمانيا الجديدة. لم يعد ويسلر يتعرض للاستنزاف على يد مؤسسة تعامله باحتقار لا شك فيه، وهي مؤسسة الإشتازي. والأهم من ذلك، أنه فهم نفسه فهما صحيحا. لقد نجح في التحول إلى شخص قادر على تأمل عملية إعادة التقييم الجذرية التي خاضها ودعمها ونبذ أي هاجس حول تصرفه بطريقة خائنة وغير مهنية. خسر ويسلر خسارة عظيمة، لكنه اكتسب احتراما لذاته يفوق في قوته ما كان يحظى به من قبل. ورغم ذلك كان ويسلر معرضا لخسارة هذا الاحترام كذلك.

अज्ञात पृष्ठ