23
وعندنا أن المصورين الإيرانيين حين عمدوا إلى رسم صور خيالية للنبي
صلى الله عليه وسلم
كانوا متأثرين بما سمعوه عن صور النبي في الصين وعن تصوير البوذيين والمانويين - فضلا عن المسيحيين - لآلهتهم ورسلهم وقديسيهم. (5) الدقة ومحاكاة الطبيعة في رسوم الحيوان والنبات
وقد أخذ الفنانون المسلمون عن الأساليب الفنية الصينية العمل على محاكاة الطبيعة بدقة وإتقان في رسوم الحيوانات المختلفة والزهور والنبات. والمعروف أن الشرق الأدنى كان منذ العصور القديمة غنيا في استخدام الزخارف الحيوانية، وكانت هذه الزخارف مما ورثته الفنون الإسلامية؛ ولكن المسلمين كانوا لا يعنون في البداية برسم الحيوان صورة مطابقة لطبيعته ومعبرة عن أجزائها المختلفة تعبيرا صحيحا من الوجهة العلمية؛ ولذا كانت صور الحيوان عندهم جافة وقد تبدو مشوهة أو غير طبيعية، وقد يصعب تمييز الحيوان الذي قصد الفنان رسمه أو عمل التحفة على شكله. ولكنهم، بعد أن تأثروا بدقة الصينيين في رسم الحيوان والطير وصلوا منذ القرن الثامن الهجري (14م) إلى تقليد الطبيعة تقليدا صادقا، فاكتسبت رسوم الحيوان في التحف الإسلامية قسطا وافرا من الإتقان والرقة والمرونة؛
24
كما أخذ الفنانون المسلمون عن الصين رسوم الطير يسبح في الهواء فيكسب الصورة حياة حركة.
25
وكان الحال كذلك في الرسوم النباتية، وحسبنا أن نوازن رسوم النباتات والأزهار في التحف الإسلامية المصنوعة في فجر الإسلام بما صنع منها بعد فتح المغول، لندرك التطور الواضح. والواقع أن الزخارف النباتية في شرق العالم الإسلامي بدأت منذ القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) في أن تكون صورا دقيقة من الطبيعة، ونقل الفنانون عن الصين بعض النباتات المائية، وزادوا في أنواع الزهور التي استعملوها في زخارفهم.
أما الصور الآدمية فلسنا نستطيع أن نرى فيها تأثرا كبيرا بالأساليب الفنية الصينية من ناحية الدقة والإتقان. حقا إنها كسبت شيئا من المرونة والحركة سوف نتكلم عنه، ولكنها لم تظفر من الناحية التشريحية بتطور يستحق الذكر. ولا غرو فإن الصين نفسها لم تكن تختلف كثيرا عن إيران من هذا الوجه، فإنهما معا كانا على عكس الفن الإغريقي والفنون التي انحدرت منه، وبيان ذلك أن الفن الإغريقي كان قوامه رغبة الفنان في الوصول إلى تمثيل كل أجزاء الجسم الإنساني ونقلها نقلا دقيقا تكاد تراعى فيه مبادئ علم التشريح كاملة.
अज्ञात पृष्ठ