وكان الحاج دياب تائها طوال هذا الحوار وكأنما أفاق فجأة بنداء الباشا له صائحا: أفندم. - ألست معنا؟ - بل معك تماما يا معالي الباشا، أنتظر أمرك.
ونظر الباشا إلى الحاج دياب وابنه، وصمت لحظات طويلة ثم قال: ألم تكن عضوا في حزب قبل ذلك يا حاج دياب؟ - أول مرة يا معالي الباشا. النائب الذي أعرفه عمر بك المفتي رجل طيب، وتعودنا أن نعطيه أصواتنا، فالمعرفة بيننا معرفة جدود. وأنا لا أشتغل بالسياسة إلا وقت الانتخابات.
وأعاد إليهما الباشا نظرة ثاقبة ثم قال لمراد: قل لي يا فصيح أنت يا من أسكت أباك وتكلمت. ألم تأت عندنا في الحزب ولو مرة. - كيف؟ إنني ذهبت لمعاليك هناك أكثر من مرة، سواء وحدي أو مع نديم ...
وصمت لحظة ثم قال مستدركا: مع نديم بك.
وقال الباشا: أليس هذا الحزب يحتاج إلى ميزانية ضخمة؟
وهنا صاح الحاج دياب: أفندم. - أم ماذا تظن؟ - أنا يا باشا تحت أمرك، ولكن ميزانية لماذا؟ - يا إلهي! لماذا، ألا تعرف يا حاج دياب؟ أبسط شيء الإنفاق على الانتخابات. وإصدار الصحف، وهذا وحده يحتاج إلى مئات الألوف. - أي والله معقول. إنما قل لي يا معالي الباشا، أينفق الحزب على الانتخابات؟ - طبعا، مثلا لنا أعضاء أقوياء في دوائرهم؟ ولكن ضعفاء في حالتهم المالية.
وهنا قال مراد: ما داموا ليسوا قادرين على الانتخابات فليتركوها للقادرين.
وضحك الباشا: على مهلك يا أستاذ، الموضوع ليس بهذه البساطة، فهؤلاء إن لم يساعدهم الحزب تركوه وأصبحوا ضده، وليس بعيدا أن يرشحوا أنفسهم بأموال حزب آخر، إلى جانب أنهم سيؤثرون في دوائر أخرى بشخصياتهم.
وقال مراد وكأنما رد إلى عقله: والله معقول يا معالي الباشا. - إلى جانب مصاريف أخرى حزبية سرية لا يعرفها إلا رئيس الحزب والسكرتير العام، وهذه طبعا لا تذكر.
وهنا قال مراد مذهولا: مثل ماذا يا معالي الباشا؟ - مثل الأموال التي نعطيها لمن ينقل لنا أخبار الأحزاب، ولاحظ أنني أفشيت لك سرا من أسرار الحزب.
अज्ञात पृष्ठ