وما هو إلا شهر وبعض شهر حتى انطلقت الزغاريد في بيت العمدة إعلانا عن الحمل الذي ظهرت بوادره على نازلي، والذي أكده الطبيب المختص في البندر.
كان طبيعيا أن يشمل الفرح الأسرة جميعا، ولم ينس الحاج دياب أو الحاجة بدوية منذ عرفا هذا النبأ العظيم أن يدعوا بعد كل صلاة أن تقوم نازلي بالسلامة وأن تهب لهما غلاما.
وتمر الأيام والشهور ويأتي الغلام، ويصبح اسمه دياب مراد دياب طلبة.
ولا تمر على ولادة الطفل أيام حتى يصبح بيت العروسين الجديد مستعدا لاستقبال الأسرة الجديدة.
ربما كان فرح الحاج دياب أعظم من الجميع، فقد ضمن لاسمه البقاء من بعده وبعد ابنه. فالجد يلد حفيده مرتين كما يقول أمير الشعراء.
وفي ذكاء شديد وفطرة مواتية ينتهز مراد الفرصة من سعادة أبيه الغامرة ويقول له: ما رأيك يا ابا في الانتخابات الجائية؟ - أي انتخابات؟ هل هناك انتخابات؟ - لا بد أن تأتي انتخابات. - طبعا ولكن متى؟ - على الأقل حين تنتهي الدورة. - يا من يعيش! - ربنا يطيل عمرك الأمر ليس بعيدا سنة والأخرى ويبدأ الاستعداد للبرلمان الجديد. - ولد يا مراد. - نعم يا ابا. - قل ما تريد ولا تلف على أبيك؟ - أنا لا ألف ولا أدور، ألم تنضم للوفد وتصبح عضوا فيه؟ - انضممت وأصبحت عضوا فيه. - أولم تصبح صديقا لفكري باشا راشد؟ - افرض. - أنا لا أفرض أنا أعرف مكانك عنده وصلتي أنا بابنه نديم، والباشا يستقبلني بكل ترحاب كلما زرتهم. - هل عرف أنك أصبحت أبا؟ - لا أظن ولكنك تذكر أننا دعوناه إلى الفرح وجاء ومعه ابنه نديم وسجادة غالية الثمن. - حصل. - آبا. - هيه. - لماذا لا ترشح نفسك في الانتخابات الجائية؟
وبهت الحاج دياب لحظات ثم أفاق في بطء شديد ليجد نفسه قائلا لابنه: أجننت؟!
وابتسم مراد أنه أثار انبهار أبيه: أترى أنني جننت؟ - والعمودية؟! - أي عمودية يا ابا؟ أنا أكلمك لتكون عضو مجلس نواب تقول لي عمودية «أي عمودية» يا أباه؟! - أفوتها؟! - وهي أين ستروح! إنها باقية في العائلة. - أنت تريد أن تصبح عمدة بسرعة. - أنا؟ لا يمكن، أولا أنا لم أبلغ السن، ومسألة العمودية بعيدة عن ذهني تماما ولا أفكر فيها. - كيف؟! - يا ابا أريد أن تكون عضو نواب، والعمودية لها حديث آخر. - فاجأتني يا ولد يا مراد. - وفيم المفاجأة؟ - لم أكن أفكر في هذا عمري كله. - غلطان.
وصمت الحاج دياب وشرد ذهنه وأمعن في التفكير، ثم ما لبثت ابتسامة متفاخرة أن علت شفتيه: والله يا ولد ربما كنت على حق يمكن أنا غلطان فعلا ولماذا لا؟
وصاح مراد: يعيش حضرة النائب. - هس لا يسمعنا أحد. - لك حق، اسمع إذن يا ابا. - هيه. - لعضوية النواب ترتيبات مهمة. - فعلا، أتعرفها؟ - يا ابا أنا ليس لي أمل في حياتي منذ أدركت الحياة إلا أن أراك نائبا.
अज्ञात पृष्ठ