الجزء الأول
كتاب سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر تأليف الفاضل النبيل المفنن المؤرخ الأديب الأوحد صدر الدنيا والدين أبي الفضل السيد محمد خليل أفندي المرادي المفتي بدمشق الشام تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته بحرمة محمد وآله وصبحه وعزته آمين.
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
अज्ञात पृष्ठ
يا من خلق الخلائق وابدع الطرائق وأظهر هذا العالم وجمل هذا الوجود بإيجاد بني آدم أحمدك اللهم وأنت أهل للمحامد على أفضالك المتوالي الترائد وأشكرك أن خلقت الأوصاف العالية والمناقب الغالية ونسبتها لمن اخترته من عبيدك وأوليته من آلائك ومزيدك فضلًا منك وكرمًا يقصر عن وصفهما السن الجهابذة العلماء وأصلي وأسلم على نبيك الأعظم ورسولك الأفخر الأفخم سيد العالمين والمرسل إلى كافة الناس أجمعين المنزل عليه في الكتاب المبين وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما تثبت به فؤادك وجاءك في هذا الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين وكان ﷺ وزاده فضلًا وشرفًا ورفعة لديه كثيرًا ما يذكر لاصحابه أخبار من مضى من الأمم ليسلكوا بذلك الطريقة المثلى والطريق الأمم فنتوجه اللهم إليك به أذهو الوسيلة العظمى لمن استمسك بسببه أن تصلي عليه وتسلم صلاة وسلامًا يليقان برفيع جنابه الأقدس ويناسبان رفعة مقامه الأنفس وعلى آله وأصحابه واتباعه وأحزابه الذين هم خير الناس بعده وأقرب المقربين عنده الذين به حووا أشرف المناقب وعلوا بالأنتساب إليه أرفع المراتب فتتوجت بذكرهم التراجم والتواريخ وصار ميزان اعتدال صفتهم في المقام المليح أشرف الضوء اللامع من كواكبهم
1 / 2
السائرة وبدت دررهم الكامنة تتحلى منهم بالبدور السافرة عد اللهم عليه وعليهم بجميع تحياتك وسائر تسليماتك ابد الآبدين ودهر الداهرين ما تحركت الأقلام بنشر فضائل الأئمة أو جالت البنان في ذكر الماضين من الأمة أما بعد فيقول سيدنا ومولانا العلامة وسندنا وعمدتنا الفهامة شيخ مشايخ الاسلام حلال مشكلات الأنام عمدة الخاص والعام جامع أشتات المعارف والفهوم والمحلى جيد المنطوق بحلى المفهوم السيد الشريف والسند الغطريف الأديب الشاعر والناظم الناثر صدر الدنيا والدين أبو الفضل السيد محمد خليل أفندي ابن المرحوم السيد علي أفندي الاستاذ القلب بهاء الدين محمد أفندي المرادي البخاري الدمشقي النقشبندي مفتي السادة الحنفية بدمشق المحمية لا زال غدق الرحمة حافًا بمرقده الشريف وكامل الرضوان محيطًا بضريحه المنيف إني لم أزل منذ أميطت عني التمئم ونيطت بي العمائم شغفا بمطالعة أخبار الأخيار مولعًا بجمع آثار الفضلاء من نظام ونثار مكبًا على الكتب التاريخية منهمكًا في جمع الدوأوين الاخبارية تدعوني إلى ذلك غيرة الفضل كل أونة ويحثني عليه حمية الأدب فنطرد عن عيوني عيون السنة فكنت أصرف في عكاظ المطارحات ذلك نقد عمري وأخباء درر الآثار في خزائن فكري علمًا مني بأن علم التاريخ والأخبار ونقل المناقب وحفظ الآثار أمر مهم عظيم وشيء خطره جسيم طالما صرف فيه المحدثون أوقاتهم وحلوا بزينته ساعاتهم وضربوا فيه آباط الابل للبلاد النائية وتحملوا في جمعه المشاق للأماكن القاصية وقد ألف فيه الكبار من العلماء المؤلفات العديمة المثل لان العمدة في نقل أصول الدين على الجرح والتعديل وقد ورد فيه ما يحث كل طالب على طلبه ويحرض كل راغب على مطالعة كتبه من ذلك ما قصد الله تعالى على نبيه ﷺ في القرآن العظيم والكلام القديم من ذكر الرسل والأنبياء والسادة النبلاء الأنقياء وما وقع لهم مع أممهم وما أبدوه من حلمهم وحكمهم وما ورد عن النبي ﷺ من قوله انزلوا بالناس منازلهم وقوله في كل قرن من أمتي سابقون رواه الترمذي في جامعه المصون وقوله ﷺ مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره رواه الحافظ القاسم الطبراني في معجمه الكبير وكان ﷺ كثيرًا ما يحدث أصحابه بقصص وأخبار عمن مضى ويحمض ﷺ بذلك حتى لا يعتري الكلال ما في همتهم من المضا وكلمات السلف والخلف في ذلك أشهر من الشمس والنبراس وأكثر من أن تحصى
1 / 3
أو تحصر بقياس من ذلك ما ذكره العلامة أبو حيان في وصيته لأولاده بقوله وعليكم بمطالعة التواريخ فإنها تلقح عقلًا جديدًا ولله در القاضي ناصح الدين الأرجاني حيث يقول
إذا عرف الإنسان أحوال من مضى ... توهمته قد عاش من أول الدهر
وتحسبه قد عاش آخر دهره ... إلى الحشران أبقى الجميل من الذكر
فقد عاش كل الدهر من كان عالمًا ... كريمًا حليمًا فاغتنم أطول العمر
وقد لخص هذه الأبيات شيخ الاسلام البدر محمد ابن الغزي العامري بقوله
ومن عرف التاريخ أخبار من مضى ... وخلف علمًا أو جميلًا من الذكر
كمن عاش كل الدهر بالعز فاغتنم ... بعلم وجود في الدنا أطول العمر
ثم رأيت للارجاني أيضًا قوله
بالفكر في الأمم الماضين تحسبه ... كأنما عاش فيهم تلكم المددا
والذكر في الأمم الماضين ضيره ... كأنما هو موجود وما فقدا
فليس الأعلى ذا الوجه أن نظروا ... يصح معنى لقول المرء عش أبدا
ولما كان هذا العلم بهذه المثابة العظمى والمنزلة الرفيعة العليا ولم أر من ترجم أهل قرن الثاني عشر من هجرة خير البشر مع ما انطووا عليه من الفضائل وحووه من شرف الشيم وشريف الشمائل عن لي أن أسلك هاتيك المسالك وأكون في سبيل المؤرخين سالك فجمعت هذا التاريخ اللطيف الكامل في التعريف بحال الشخص والتوصيف واجتمع عندي جملة من الرحلات والأثبات والتراجم مع كثرة التنقير والتفحص الكثير والأخذ من الأفواه شفاها وبالمكاتبات إلى البلدان التي كنت لست أراها فكان عندي رحلة الوجيه عبد الرحمن بن محمد الذهبي ورحلة مؤرخ مكة الشيخ مصطفى بن فتح الله الحموي والنفحة للأمين المحبي وذيلها للشمس محمد المحمودي وثبت العلامة الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري المسمى لطائف المنة وتذكرته الأدبية ورحلة الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الكبرى والصغرى الحجازية والقدسية وغير ذلك من المشيخات والمعاجم والأثبات مما يحتج به فلا يحتاج إلى برهان واثبات وحين تم جمع درره وتفويف حبره سمينه أخبار الاعصار في أخيار الأمصار ويليق أيضًا أن يسمى سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر والله اسأل فيه الحفظ عن الخطأ والخطل والتوفيق للصواب في القول والعمل أنه على ما يشاء قدير وبإجابة سائله حقيق وجدير وقد رتبته على
1 / 4
حروف المعجم ليسهل منه ما خفى واستعجم فأقول وبالله الاعانة على بلوغ المأمول
حرف الهمزة
إبراهيم الخلوتي
إبراهيم بن أيوب بن أحمد بن أيوب الخلوتي الشافعي الدمشقي الاستاذ الصالح الورع التقي المعتقد العابد ولد بدمشق في سنة تسع وثلاثين وألف ونشأ بها في كنف والده الاستاذ الآتي ذكره في ترجمة أخي المترجم أبي الصفا وأخذ عنه الطريق وعن العارف السيد غازي الحلبي الخلوتي المشهور خليفة الشيخ اخلاص وجلس على سجادة المشيخة وبايع واشتهر وعقد الاختلاء في جامع المرادية بدمشق وكان شيخًا موقرًا محترمًا جليلًا حسن الصوت صاحب ثروة وعليه تولية وتدريس المدرسة الحافظية وفي آخر أمره كبر سنه لكونه هو أكبر إخوته وتعب من معالجة الناس والدهر فأجلس مكانه أخاه الشيخ أبا السعود الآتي ذكره وفي وصية والده لأولاده يقول له يا إبراهيم افش لاخوانك السلام وأنت أبو البركات وكأنت وفاته في يوم الأحد حادي عشر محرم الحرام افتتاح سن خمس عشرة ومائة وألف ودفن بالتربة الشرقية من مرج الدحداح عند والده وسيأتي ذكر إخوته أبي الصفا وأبي المسعود وأبي الأسعار وإسماعيل في محلاتهم إنشاء الله تعالى
إبراهيم الكوراني
إبراهيم بن حسن الكوراني الشهرزوري الشهراني الشافعي نزيل المدينة للنورة الشيخ الإمام العالم العلامة خاتم المحققين عمدة المسند بن العارف بالله تعالى صاحب المؤلفات العديدة الصوفي النقشبندي المحقق المدقق الأثري المسند النسابة أبو الوقت برهان الدين ولد في شوال سنة خمس وعشرين والف وطلب العم بنفسه ورحل إلى المدينة المنورة وتوطنها وأخذ بها عن جماعة من صدور العلماء كالصفي أحمد بن محمد القشاشي والعارف أبي المواهب أحمد ابن علي الشنأوي وملا محمد شريف بن يوسف الكوراني والاستاذ عبد الكريم بن أبي بكر الحسيني الكوراني وأخذ بدمشق عن الحافظ النجم محمد بن محمد العامري الغزي وبمصر عن أبي العزايم سلطان بن أحمد المزاحي ومحمد بن علاء الدين البابلي والتقى عبد الباقي الحنبلي وغيرهم واشتهر ذكره وعلا قدره وهرعت إليه الطالبون من البلدان القاصية للأخذ والتلقي عنه ودرس بالمسجد الشريف النبوي وألف مؤلفات نافعة عديدة منها تكميل التعريف لكتاب في التصريف وحاشية شرح الأندلسية للقصيري وشرح العوامل الجرجانية والنبراس لكشف الالتباس الواقع
1 / 5
في الاساس وجواب العتيد لمسئلة أول واجب ومسئلة التقاليد وضياء المصباح في شرح بهجة الأرواح وجواب سؤالات عن قول تقبل الله والمصافحة تقبل الله تعالى والمتمة للمسئلة المهمة وذيلها والقول الجلي في تحقيق قول الإمام زين الدين بن علي وتحقيق التوفيق بين كلامي أهل الكلام وأهل الطريق وقصد السبيل إلى توحيد الحق الوكيل وشرح العقيدة المسماة بالعقيدة الصحيحة والجواب المشكور عن السؤال المنظور وإشراق الشمس بتعريق الكلمات الخمس وبلغة المسير إلى توحيد العلى الكبير وعجالة ذوي الأنتباه بتحقيق اعراب لا إله إلا الله وجوابات الغرأوية عن المسائل الجأوية الجهرية والعجالة فيما كتب محمد بن محمد القلعي سؤاله والقول المبين في مسئلة التكوين وأنباه الانباه على تحقيق اعراب لا إله إلا الله وافاضة العلام بتحقيق مسئلة الكلام والالماع المحيط بتحقيق الكسب الوسط بين طرفي الافراط والتفريط واتحاف الزكى بشرح التحفة المرسلة إلى النبي ومسالك الابرار إلى أحاديث النبي المختار ومسلك السداد إلى مسئلة خلق أفعال العباد والمسلك الجلي في حكم سطح الولي وحسن الأوبة في حكم ضرب النوبة واتحاف الخلف بتحقيق مذهب السلف وغير ذلك من المؤلفات التي تنوف عن المائة وكان جبلًا من جبال العلم بحرًا من بحور العرفان توفي يوم الأربعاء بعد العصر ثامن عشري شهر ربيع الثاني سنة إحدى ومائة وألف بمنزلة ظاهر المدينة المنورة ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى
إبراهيم الصالحاني
أمين الفتوى
إبراهيم بن خليل بن إبراهيم الغزي المولد والمنشأ الحنفي الشهير بالصالحاني الشيخ الفقيه الفرضي الفلكي الموقت أبو إسحق برهان الدين ولد سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف ورحل إلى القاهرة وأخذ بها عن حسن المقدسي وأبي السعود الحنفي وسليمان المنصوري وحسن الجبرتي وعمر الطحلأوي وغيرهم وقدم دمشق وصار بها أمينًا على الفتوى وله من التآليف رسالة في الربع المقنطر وأخرى في العروض وشرح فرائض ابن الشحنة وغير ذلك توفي بدمشق سنة سبع وتسعين ومائة وألف
إبراهيم بن سليمان الجينيني
إبراهيم بن سليمان بن محمد بن عبد العزيز الحنفي الجينيني نزيل دمشق العالم الفاضل الأديب الألمعي العلامة البارع المتقن كان فقيهًا نحريرًا مفننًا مؤرخًا
1 / 6
حافظًا للوقائع مطلعًا على غوامض النقول جامعًا للفروع وحائزًا للاصول ولد في حدود الأربعين بعد الألف كما نقلته من خطه وقرأ القرآن وبعض رسائل مقدمات العلوم ثم رحل إلى الرملة وأنتمى فيها إلى خير الدين المفتي الحنفي وعليه تفقه وبه أنتفع ولازمه ملازمة الظل للشبح وكان هو كاتب الأسئلة الفقهية عنده وقد رتب فتأويه المشهورة ورحل في أثناء إقامته إلى دمشق مرارًا ثم بعد وفاة شيخه المذكور عاد إلى دمشق واستوطنها وكتب كتباعد يده بخطه وكان له معرفة في أسماء الكتب ومؤلفيها والأسماء والألقاب والوفيات والأنساب واستحضار الفروع الفقهية والعلل الحديثية مع الفضل التام ورحل إلى مصر وأخذ فيها عن مشايخ أجلاء منهم الشيخ علي الشبراملسني والشيخ محمد البابلي وأخذ عن الشيخ محمد بن سليمان المغربي والشيخ يحيى الشنأوي المغربي والسيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي المدني ومن مشايخه الشيخ محمد بن دأود العناني المصري والشيخ أحمد العجمي المصري والشيخ أبو بكر ابن الأخرم النابلسي والشيخ عبد القادر بن أحمد العفيفي الغزي وأخذ بدمشق عن الشيخ إبراهيم بن منصور الفتال الدمشقي والشيخ نجم الدين الفرضي الدمشقي والشيخ رجب بن حسين الحموي الميداني نزيل دمشق ويحيى بن دأود السوبسي الهشتركي وغالب علماء تلك الطبقة وأكمل تاريخ ابن عزم وألف بعض رسائل تاريخية ولم يزل كذلك إلى أن مات وكتب إليه السيد سليمان الحموي نزيل دمشق يطلب منه عاربة الجزء الأول من كتاب الكامل للمبرد بقوله
مولاي إبراهيم يا ذا العلا ... ومن هو المدعو بالفاضل
تفديك روحي إنني لم أزل ... أرجوك للعأجل والأجل
وإنني أصبحت في كربة ... فامنن بتفريج لها شامل
وإن حظى قد غدا ناقصًا ... فارسل له جزأ من الكامل
لا زلت في عز وفي سؤدد ... ما اخضل روض بالحيا الهاطل
وكتب إليه السيد محمد أمين المحبي بقوله
لابن عبد العزيز إبراهيما ... خصل كم بهن إبراهيما
أدب يخجل الرياض ولفظ ... همت فيه وحق لي أن أهيما
وكمال يهفو له كل فهم ... صيغ منه يطلب التفهيما
رأيه الصبح والصباح إذا لا ... ح جلا بالضياء ليلًا بهيما
وبالجملة فقد كان من محاسن دمشق توفي بها يوم الثلاثاء سادس صفر سنة ثمان
1 / 7
ومائة وألف ودفن بتربة باب الصغير وسيأتي ولده صالح والجينيني نسبة إلى جينين بلده من بلاد حارثة من أراضي الشام مولده بها والله أعلم
إبراهيم بن صاري حيدر
إبراهيم بن صاري حيدر الدمشقي كان رحمه الله تعالى صالحًا دينًا له فضيلة وكرم ومكارم أخلاق وكان يقرىء أولاد أعيان دمشق واللغة التركية والفارسية ويعلمهم الخط الحسن مع الصيانة والديانة والأمانة ولد في سنة اثنين وخمسين وألف وكان كثير التصديق والإحسان وغالب من قرأ عليه له فضل وخط حسن توفي في يوم الخميس ختام ذي الحجة سنة ثلاث ومائة وألف مطعونًا ودفن في باب الصغير وتأسف الناس عليه كثيرًا فإنه لم يخلف مثل والصاري لفظة تركية بمعنى الأصغر والله أعلم
إبراهيم الحافظ
إبراهيم بن عباس بن علي الشافعي الدمشقي شيخ القرأ والمجودين بدمشق الفاضل المقري الحافظ الخلوتي الكامل الفرضي الفلكي الصالح التقي كان له محبة لمن يقرأ عليه مع رقة الطبع ودماثة الأخلاق ولذيذ العشرة وأما القراآت فإنه كان بها إمامًا لم يوجد له نظير في الأقطار الشامية ولد في سنة عشرة ومائة وألف والله أعلم ووالده من ملطية واشتغل بقراءة القرآن ورباه السيد ذيب الحافظ واقرأه واعتنى به كمال الاعتناء وهو أجل أشياخه وأخذ القراآت عن الشيخ مصطفى المعروف بالعم المصري نزيل دمشق وهو عن الشيخ المقري المصري وهو عن اليمني إلى آخر السند وأخذ القراآت أيضًا عن المنير الدمشقي وقرأ في بعض العلوم على محمد بن محمود الحبال ومهر والآن لله له مخارج الحروف كما الآن الحديد لدأود ﵇ وأم في صلاة اليمانية بالجامع الأموي بعد السيد ذيب الحافظ وكان قبل السيد ذيب في جال شبابه يؤم الناس في اليمانية ثم اعتراه وسواس في النية فترك الإمامة ولازمها السيد ذيب فبعد وفاته عاد لما كان عليه في الأصل ولازمها إلى أن مات واستقام على إفادة الطالبين للقراآت وأنتفع به خلق كثير لا يحصون عددًا من الشام وغيرها وأخذ طريق الخلونية عن الشيخ الاستاذ محمد بن عيسى الكناني الصالحي والفقير ولله الحمد ختمت عليه مجودًا في حال الصغر وعمتني دعواته المباركة وكان أولًا قاطنًا في مدرسة سليمان باشا العظيم التي أنشأها عند داره واستقام مدة فيها ثم سرق من خزانة الكتب أشياء فلما شاع ذلك ظنوا أن الذي
1 / 8
أخذها هو فأخرجوه من المدرسة ظلمًا ولم يكن له علم بذلك وشاعت في دمشق هذه الحكاية والي أخذها ظهر بعد ذلك ثم أعطاه والدي رحمه الله تعالى حجرة داخل مدرسة الجد المرادية الكبرى وعين له في كل شهر ما يقوم به وصار الناس يقرأون عليه هناك ولم يزل مقيمًا بها إلى أن مات وكان له نظم قليل فأوصلني منه غير هذه الأبيات كتبها مقرظًا على رسالة للمفتي حامد بن علي العمادي سماها اللمعة في تحريم المتعة وهي قوله
لله در همام قد أجاد بما ... صاغت أنامله سبكًا لمعتمل
رسالة قد كساها الله تكرمة ... ثوب الجمال يسامي فضله الثمل
وهي طويلة وكأنت وفاته ليلة الثلاثاء رابع محرم سنة ست وثمانين ومائة بعد الألف ودفن بتربة مرج الدحداح بالذهبية رحمه الله تعالى
إبراهيم المعروف
البهنسي
إبراهيم بن عبد الحي بن عبد الحق المعروف كأسلافه بالبهنسي الحنفي الدمشقي الفاضل النبيه كان ذكيًا أديبًا صالحًا له مشاركة في سائر الفنون وأنتهى إليه علم الفلك والهيئة كان له اليد الطولى فيه وعليه المعول به ولد بدمشق في حدود الثمانين بعد الألف ونشأ بها وأخذ عن مشايخها منهم الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ عثمان بن الشمعة والشيخ محمد الحبال وغيرهما ومهر وتفوق واشتهر بعمل الزايجة حتى ان الوزير سليمان باشا ابن العظم لما كان واليًا على صيدا وكان المترجم فيها قاصدًا التوجه إلى الروم اجتمع به وطلب منه تقويمًا فصنع له تقويمًا خرج منه أن منصب دمشق الشام توجه عليه وأنه في يوم كذا يصل إليه فلما كان اليوم الذي ذكره أرسل إليه وقال له جاء اليوم الذي ذكرته ولم يأت المنصب فقال ما أرى إلا أنه وصل إلى بابكم وكان قد وصل إليه لكن قصد اختباره مرة ثانية وبالجملة فإنه نادرة وقته وعصره وكأنت وفاته في رجب سنة ثمان وأربعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح وسيأتي ولده عبد الحي وقريبه عبد الرزاق وأخوه السيد أحمد وقريبه فضل الله وبنو البهنسي في الأصل نسبتهم إلى البهنسا بالقصير وبفتح أوله والنون والسين المهملة بلد بصعيد مصر الأدنى والله أعلم
إبراهيم الحكيم
إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد بن محمد بن إسماعيل المعروف بابن
1 / 9
الحكيم الشريف لأمه الحنفي الصالحي الدمشقي رئيس كتاب محكمة الصالحية بدمشق الأديب الشاعر البارع الماهر كان كاتبًا منشيًا له نظم حسن ونثر لطيف وكتب كتبًا كثيرة بخطه وكان خطه حسنًا ولد بدمشق في سنة ثلاث عشرة ومائة وألف وأخذ عن الاستاذ الكبير الشيخ عبد الغني النابلسي وأنتفع به ولازمه وصحبه وجالسه مدة ست عشرة سنة وكتب تآليفه وحفنه بركاته ونفحائه واستقام في محكمة الصالحية رئيس كتابها إلى أن مات وكأنت حجبه حسنة موثقة حتى كتب مرة حجة إجازة نظمها كما وقع ذلك لابن الوردي وكان أحسن كتابها وأعرفهم وفي آخر عمره لازم الزراعة والمشد في قرية برزه حتى انقطع بها وكان لا يجىء إلى الصالحية إلا قليلًا وانعزل عن المخالطة قبل وفاته بكم سنة حتى كان يقول إذا نزلت إلى دمشق أرى حالي كأنني غريب لكونه بلغ من العمر ما ينوف عن الثمانين وترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه هو في الأدب البلبل الصادح أو الزند الذي هو في مرامه قادح قام من المهد إلى الوجد وسلك به من الغور إلى النجد وتمشى في مفاصله تمشي المدام أو تمشي الثمل من الندام فإذا غنى له به رقص وإذا تلى عليه ذكر الغرام زاد هيامه وما نقص فكم لازم فيه الشطح والسبح وأنتهز ليالي لو صادفها الرضى لأعرض عن ليلة السفح لم يزل في ذلك على وتيره وهو في أمره في حيرة وأي حيره يتعهد مراتع الغزلان ويتحمل من التجني ما لا يقوم به ثهلان فطورًا بالعذار له ولوع وطورًا بالخدود الناعمات إلى أن أتاه النذير الزاجر عن اللهو والتبذير فهم بالاقلاع وانخلع من تلك الربقة أي انخلاع وقد نشاء وهو من نور عينيه يكتسب ويطرز الرقاع بما إلى ياقوت ينتسب والخطو والحظ اجتماعهما في شخص متعذر وورودهما معًا على أكمل نحو متعسر وهو من الزمرة التي حبست عليهم الصحبة والرفقة الذين أرضعهم الآخاء افأويقه وسحبه فكم أسمعني من أشعاره ما هو الماء والخمر وما استغنيت به عن منادمة زيد وعمرو وهاك منه نبذًا بديعة تجعلها في حقق الآذان وديعه أنتهى مقاله وكان له لطرف جدي ووالدي أنتماء وأنتساب وهو من أخص الأحباب حتى أنه وقف عقاراته وأملاكه بعد وفاته ووفاة زوجته وأولاده على مدرسة الجد المراديه وقد اطلعت على ديوان شعره فمن ذلك قوله
قسمًا ببابل لحظك ال ... فتان مع مجدول قدك
وبميم مبسمك الشهي ... وما حوى من طيب شهدك
1 / 10
وبنون حاجبك الأز ... ج ومسك خال فوق خدك
وبسين طرتك التي ... قد أعجمت من شين شدك
وبغصن قامتك الرطي ... ب الدل مع رمان نهدك
وبصولة الحسن المرن ... ح عطفه في ثنى بردك
وبذلتي عند العتا ... ب مخافة من عز صدرك
وبما تقاضاه المشو ... ق من الجوى من بعد بعدك
ما ملت عنك بسلوة ... يا من شجاني خفق بندك
ارفق فإن خاطري ... تصبوا إلى إنجاز وعدك
يا من يعز بغيران ... ماس الأماني لثم وردك
وبغير كف الوهم حقا ... ليس يمكن حل عقدك
أنا ثابت لا أنثني ... بل لا أحل وثيق عهدك
وكأنت وفاته سنة اثنين وتسعين ومائة وألف ودفن بسفح قاسيون في دمشق رحمه الله تعالى
إبراهيم بن طوقان
إبراهيم بن صالح باشا طوقان الفاضل الألمعي والماجد اللوذعي قرأ القرآن مجودًا له على الشيخ المتقن حسن المغربي وتفقده على عبد الله الشرأبي وجد واجتهد حتى حصل بذلك أعلى الرتب وأنتهت إليه الرياسة في الديار النابلسية ووقع حبه في قلوب الخاصة والعامة والرعية لعفته وأمأنته وصدقه وصداقته وله شعر رقيق ونثر رشيق ومشاركة كلية في النحو والأدب ووقوف تام على كلام فصحاء العرب مات رحمه الله تعالى وأرخه محمد السفاريني في مفرد حيث قال
زهد الدنا وجدا فعف نزولها ... ونما إلى الفردوس أحسن منزل
إبراهيم الميداني
إبراهيم بن عبد الله الميداني الدمشقي الشافعي الشيخ الفاضل الفقيه الواعظ أبو البها عز الدين ارتحل إلى مصر وجأور بأزهرها وأخذ عن المتصدرين به كالشهاب أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري والشمس محمد بن سالم الحنفي والنجم عمر بن يحيى الطحلأوي والبدر حسن ان محمد المدابغي وغيرهم ثم رجع إلى دمشق وهو فاضل ودرس بالجامع الأموي ووعظ به على كرسي مرتفع على عادة الوعاظ وحضرت مجالس وعظه وسمعت من فوائده وكأنت وفاته بدمشق في رمضان سنة
1 / 11
ثمان وثمانين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى
إبراهيم القرا حصاري
إبراهيم بن عثمان بن محمد القرا حصاري القسطنطيني الحنفي شيخ الاسلام مفتي الدولة العثمانية ركن الدين المولى الفاضل الفقيه الرئيس النبيذ السيد الشريف الصدر الكبير ولد سنة ثلاث عشرة ومائة وألف وقدم إلى قسطنطينية وهو صغير ولازم ابن عمه المولى زين العابدين علي قاضي العساكر وزوجه ابنته وصاهره وقار المعقول والمنقول وأخذا الخط المعرف بالتعليق عن الصدر الرئيس المولى رفيع بن مصطفى الكتب قاضي العساكر ورئيس الأطباء في دار السلطنة ودرس بمدارس قسطنطينية ولما ولي قضاء مكة ابن عمه اصطحبه معه وحج وجأور بمكة وولاه نيابة الحكم في جدة ثم عادة إلى قسطنطينية وولى بعض المناصب والأنظار الشرعية كنظر الأوقاف وغيره ثم ولى قضاء سلانيك وبعدها سنة أربع وسبعين ومائة وألف ولي قضاء دمشق ودخلها وكان مريضًا فاستقام قاضيًا على العادة وفي هذه المدة كان مفتي الحنفية بدمشق والدي رحمه الله تعالى فتصاحبا وحصلت بينهما محبة ومودة وصحب كل منهما الآخر وحضر دروس والدي الفقهية في المدرسة السليمانية وبعد مدة من السنين ولي قضاء دار السلطنة قسطنيطينية وأعيد إلى قضائها ثانيًا وبعدها ولى نقابة الأشراف بدار السلطنة ثم ولي قضاء عسكر أناطولي ثم قضاء عسكر روم ايلي سنة تسعين ومائة وألف ثم أعيد ثانيًا إلى المنصب المذكور مع نقابة الأشراف عليه ولما ظهر الحريق الكبير في قسطنطينية في شعبان ورمضان سنة ست وسبعين ومائة وألف واحترق به ثلثًا قسطنيطينية وأكثر جوامعها ومساجدها والخانقاهات والمدارس وحصل غم عظيم للناس واضطربت العالم ونسب ذلك لبطاءة الوزير محمد عز الدين بن حسين الصدر الأعظم واشتغاله بأمور السلطان وحده وعد ذلك منه فعزل عن الوزارة الكبرى وأبعد عن دار السلطنة وبعده بأيام قلائل عزل عن منصب الفتوى شيخ الاسلام المولى العالم شريف بن أسعد بن إسماعيل الحنفي المفتي واختير من طرف السلطان المترجم أن يكون مفتيًا فولى الافتاء في شوال من السنة وأقبلت عليه رجال الدولة وكبراؤها وعظمه السلطان الأعظم أبو النصر غياث الدولة والدين عبد الحميد خان واتسعت دائرته وعظمت دولته وثروته وأقبلت الدنيا عليه من كل طرف وراجعته الكبار والصغار وعلاصيته واشتهر أمره ولما دخلت قسطنطينية اجتمعت به
1 / 12
وزرته في داره وسمعت من فوائده وصحبته وأخبرني أنه أدرك الجد الكبير الاستاذ فخر الدين محمد مراد بن علي البخاري الحنفي واجتمع به وبغيره من العلماء والأولياء والسادات والأدباء والأفاضل وأخذ عنهم وصحبهم وقرأ عليهم في الأقطار العربية وغيرها كالشيخ المحدث أبي عبد الرحمن محمد بن علي الكامل الشافعي الدمشقي والإمام الكبير أبي المواهب محمد بن عبد الباقي مفتي الحنابلة بدمشق والاستاذ العارف ضياء الدين عبد الغني بن إسماعيل الحنفي الدمشقي النابلسي وغيرهم وكان يعرف أحوال الدهر وأمور السياسة وله دربة وسعة عقل في نظام الملك والدولة خبير بأحوال الناس بصير بالأمور وعواقبها ملازم العبادة والطاعة حسن الخلق لطيف المعاشرة توفي وهو مفتي الدولة يوم الاثنين سابع عشر جمادى الثانية سنة سبع وتسعين ومائة وألف وصلى عليه في جامع السلطان أبي الفتح محمد خان وحضر الصلاة عليه العلماء والقضاة والرؤساء ودفن بالقرب من جامع السلطان سليم خان داخل قسطنطينية وكنت سنة تسعين ومائة وألف لما ولي قضاء عسكر روم ايلي المرة الأولى كتبت إليه أمدحه من دمشق بهذه القصيدة وهي من شعر الصبا
سقاها ربوعا هاطل المزن يحييها ... معاهد أنس قد تعفت مغانيها
ولا زالت الأنواء تخصب حيها ... بجود على كر الدهور يحييها
بها قد تقضى لي عهود مودة ... نشأت بمغناها ولست بناسيها
بها كنت مغبوط المقيل منعما ... وأمرح في النادي بظل مجانيها
ورب ليال قد تقضت بسرعة ... كطيف خيال قد مضى في دياجيها
بحيث الصفا راح وافراحنا له ... كؤس وندماني الغوالي غوانيها
غوان إذا ما الليل وافي كانما ... مكاني سماءهن فيه دراريها
غوان نضت الحاظها لي أسهما ... أريشت من الأهداب سبحان باريها
ألا ليت شعري هل أفوزن باللقا ... وهل لي بوادي الروم خود الاقيها
بلاد بها فرش الرياض جواهر ... ومسك فتيق فائح ترب ناديها
تيسر معسورًا وتولى مكارما ... وتجبر مكسورًا وتسعد من فيها
وإني وإن شطت فشوقي مضاعف ... إليها وجل القصد تمداح حاميها
امام همام واحد صدر وقته ... وكهف ذوي الحاجات ركن مواليها
هو العالم النحرير والسند الذي ... ذرى شرف العلياء بالفضل راقيها
هو الجهبذ النقاد والحبر من غدا ... أحاديث مجد بالتسلسل يرويها
1 / 13
ملاذ أولي الحاجات كعبه قاصد ... عماد الهدى ركن الفضائل حأويها
هو المطمح الأسنى الذي طاب ذكره ... وطود المعالي والسيادة عاليها
له في الورى آيات مجد وسؤدد ... بها تزدهي الأيام والدهر يمليها
أمولاي يا فرد الدهور وعزها ... ويا خير من شاد المعالي وبانيها
إلى بابك الأحمى أبث قوافيها ... تنوب عن التقبيل للذيل أهديها
إليك لقد وافت بثوب خجالة ... نسيجة فكر تزدهي فيكم تيها
تهنيك فيما نلت من رتب العلا ... منازلها شمس الضحى ليس تحكيها
فأنت بدار الملك قطب مدارها ... وأنت بها غوث العفاة لأهليها
واعذار عبد أثقل الدهر ظهره ... بجم خطوب ليس يحصى تواليها
ودم راقيا أوج المعالي مؤيدا ... وذكرك في داني الديار وقاصيها
بعز واقبال وسعد ورفعة ... إلى رتبة فوق الشر يا معاليها
مدى الدهر ما غنت سويجعة الربا ... واطرب بالإنشاء للنوق حاديها
إبراهيم الأطلسي
إبراهيم بن علي بن حسين الأطلسي المحتد الحمصي الحنفي برهان الدين الشيخ العالم الفقيه الفاضل الإمام العمدة الكامل ولد سنة اثنتين وعشرين وألف ومائة وقرأ القرآن العظيم ومقدمات العلوم وارتحل إلى مصر واشتغل بالأخذ والقراءة على أجلائها واستقام بأزهرها أعوامًا حتى برع ومهر وأجاز له شيوخه بالافتاء والتدريس وقدم حمص بلدته ودرس بها وأفتى وأقبل عليه أهلها أيام الوزير عثمان بن عبد الله نائب دمشق وكان من مشاهير فقهاء وقته وفضلاء عصره اجتمعت به بمجلس والدي وسمعت من فوائده ثم تقلبت به الأحوال وجرت له أمور أوجبت تكديره وتغريبه أجل أسبابها شراسة خلقه وكثرة طيشه فدخل حلب وقسطنطينية وفي آخر أمره رسم له بفتوى الحنفية بطرابلس الشام فدخلها وأفتى بها حتى مات وبالجملة فقد كان خاتمة فقهاء بلدته الذين رأيتهم واجتمعت بهم وكأنت وفاته بطرابلس سنة ست وتسعين ومائة وألف
إبراهيم الرومي
إبراهيم بن علي الحنفي الرومي رئيس طائفة الجند المعروفين بالعربجية في الدولة
1 / 14
العثمانية الماجد الفاضل له من الآثار الذيل على كشف الظنون لكاتب جلبي الرومي في أسماء الكتب والالحاقات وترجمة كتاب صدر الشريعة بالتركية وغير ذلك من الآثار وكان بارعًا سيما في علم القرآن أخذه عن المولى عبد الله حلمي الاسلامبولي الآتي ترجمته وله محبة لأهل الفضل وكان يحدثني عنه صاحبنا الفاضل محمد شاكر بن مصطفى العمري الدمشق ويشهد بنبله وقد اطلعت وأنا بالروم برحلتي الثانية سنة سبع وتسعين ومائة على كتابه المذكور وكان عزم على الحج بعد أن حج من جهة مصر فتوفى في الطريق وكأنت وفاته في سنة تسع وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى والعربة هي العجلة بالعربية أنتهى
إبراهيم السفرجلاني
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن عبد الكريم بن أبي بكر المعروف بالسفرجلاني الشافعي الدمشق الفاضل الأديب اللوذعي كان أتم أهل العصر ظرفًا وأشغهم رقة ولطفًا له طبع كما راق نسيم السحر وحسن منظر لا يقنع منه النظر وقد رقت باللطف شمائله وراقت لبصائر المجتلين خمائله شاعرًا مفننًا عارفًا لطيفًا حسن المطارحة بارعًا ماهرًا وله في المعميات اليد الطولى ولد بدمشق في سادس عشر صفر سنة خمس وخمسين وألف وبها نشأ وقرأ على علماء عصره منهم الشيخ نجم الدين الفرضي في العربية والشيخ إبراهيم الفتال في النحو والمعاني والبيان وقرأ بعض الرسائل على الشيخ عبد الحي العكري الصالحي وغيرهم وأخذ الحديث عن الشيخ محمد بن سليمان المغربي والسيد محمد عبد الرسول البرزنجي المدني وغيرهما من الواردين إلى دمشق وتنبل وأخذ شيئًا من العلوم الحرفية عن ابن سنسول وبرع في الرياضيات وأعمال الأوفاق والاستخدام وغير ذلك من متعلق هذه العلوم وتخرج في الأدب على يد الشيخ عبد الباقي بن أحمد السمان الدمشقي نزيل قسطنطينية وأحد المدرسين وبرع وظهر أدبه وفضله واخترع أبكار المعاني وصاغ قلائد النظام واشتهر بالأدب ونظم الشعر وديوانه مشهور وعلى كل حال فهو بكل لسان موصوف وبالفضائل معروف وعمه عمر صاحب خيرات ومبرات وله أثار منها المساجد الثلاث الذين عند دارهم بالقرب من الخراب وغير ذلك من الطرقات وغيرها وكان من أخيار التجار ورزق الخطوة التامة في المال والأولاد وغير ذلك وكان فريدًا قرانه ووحيد زمانه توفي سنة اثنتي عشرة ومائة وألف ودفن بباب الصغير وترك من الأولاد الذكور كثرة وكل منهم سما قدره وعلا وحاز السمو
1 / 15
والذي نجب منهم واشتهر المولى عبد الرحمن والمولى عبد العزيز فقد بلغ كل منهما من الرفعة والعلا والسيادة والثروة ما طال وطاب واشتهر وشاع وصارت لهما رتبة السليمانية المتعارفة بين الموالي الرومية وانعقدت أمور دمشق على آرائهما وكل منهما في وقته تصدر للوافدين ملاذًا وعياذا مع الانعامات والمبرات وإكرام العلماء والغرباء وقد فاق المولى عبد الرحمن على المولى عبد العزيز بأشياء تفرد بها عنه منها مكانة من العم والفضل وسنأتي ترجمته وأما المولى عبد العزيز فقد توفى في سنة خمس وخمسين ومائة وألف واتصل والدي بابنتيهما وعلى كل حال فبنوا السفرجلاني ازدان بهم الدهر وسمت دواتهم وعلا صيتهم وعم فضلهم والمترجم ترجمه السيد محمد أمين المحبي في نفحته وأثنى عليه وكان حليف وداده وأليفه الذي ارتبطت عرى علائقه معه في وثيق صدق ومحبة ورفيقه أبان التحصيل وخليله الذي استخلصه لنفسه ولابدع فإبراهيم نعم الخليل كلمة الأدب جمعتهما ولحمة الفضل نظمتهما وذكر له هناك شيأ من شعره وها أنا أذكر من ذلك ما رق أديمه وراق اتساقه وطاب رونقه وازدان اشراقه فمن ذلك قوله مضمنًا المصراع الأخير
لما غدت وجناته مرقومة ... بعذاره وازداد وجد محبه
نادى الشفيق بها زبرجد صدغه ... يا صاحبي هذا العقيق فقف به
قال الأمين وأنشدني قوله وهو معنى أبرزه ولم يسبق إليه فاستحق به التبريز وجاء به أنفس من الابريز وهي هذه
كفوا الملام ولا تعيبوا زهرة ... في وجنتيه تلوح كالتطريز
فالحسن لما خط سطر عذاره ... ألقى عليه قراضة الابريز
ثم قال وأنشدني هذه السينية السنية التي هي أشهى من الأمنية تفاتمت من المنية وهي قوله
خل طي الفلا لحادي العيس ... وانف همى بالقهوة الخندريس
طف بها كي ترى النواظر منها ... عسجدا ذاب في لجين الكموس
وترنح عطفي برقة لفظ ... منه عودت لقط درنفيس
في رياض كأنما لبست من ... حوك صنعاء أفخر الملبوس
قد نحلت من طلها بعقود ... وتجلت في حلة الطأووس
وزكا عرف طيبها فحسبنا ... نفحة قد سرت من الفردوس
1 / 16
وتغنى مبهرم الكف فيها ... بغنأ يسوق شجو النفوس
قد أتينا مسلمين فردت ... هيف باناتها بخفض الرؤس
قم نجدد عهودنا يا بن أنس ... في رباها فأنت خير أنيس
فأنا في هواك محزون قلب ... بين شوق مقلب ورسيس
وامخ العين أن ترى منك يوما ... حسن وجه يخفى ضياء الشموس
وسطور كالمسك فوق طروس ... من شقيق أحبب بها من طروس
وامط لي عن سين تلك الثنايا ... فعساها تكون للتنفيس
ومن شعره
أيها الخافق الفؤاد تعلل ... منه يومًا بلثم خدقاني
فياقوت وجنتيه خواص ... سيما في إزالة الخفقان
وله أيضًا
تجنب غمزة الحدق ... وحد عن لفتة العنق
فقد جلبا لطرفي ما ... يعانيه من الأرق
وجرا للفؤاد هوى ... بوضاح الجبين لقى
وخوط لين الأعطا ... ف من ماء النعيم سقى
تثنى في غلالته ... تثنى الغصن في الورق
ولاح فخلته قرا ... تبدى لي من الأفق
وقد وشى بنفسجه ... شقائق خده الشرق
تأمل عارضي خدي ... اذبرزا على نسق
تجد سطر بن غسق ... على طرسين من شفق
وله قوله
بروحي ساق قد جلا تحت فرعه ... جبينا كبدر التم عند شروقه
سقاني بنجلأويه كأسا من الهوى ... فأسكرني أضعاف سكر رحيقه
وقال افترع بكر المعاني تغزلا ... فلى منظر يهديك نحو طريقه
فوجهي مثل الروض إذ باكر الخيا ... جنى أقاحيه وغض شقيقه
وإن أشبه التفاح خدي حمرة ... فلي نونة تحكي مناط عروقه
وله أيضًا
1 / 17
رشق الفؤاد بأسهم لم تخطه ... ريم يشوق الريم مهوى قرطه
من ذا عذيري في هوى متلاعب ... قد راح بمزج لي رضاه بسخطه
أعطيته قلبي وقلت يصونه ... فأضاعه يا ليتني لم أعطه
وثناه عن محض المودة رهطه ... فعناء قلبي في الهوى من رهطه
وقد اشترطنا أن ندوم على الوفا ... ما كنت أحسبه يخل بشرطه
كيف الخلاص ركبت بحرًا من هوى ... شوق إليه فشط بي عن شطه
علقته ريان من ماء الصبا ... كالروض أخضله الغمام بنقطه
غض الشباب فهذه وجناته ... قد كاد يطقر ماؤها من فرطه
يجلو عليك صحائفا وردية ... رقم الجمال بها بدائع خطه
وتريك هاتيك المعاطف بانة ... تهتز لينا في منمنم مرطه
وتخامر الألباب منه فكاهة ... تلهى حليف الكاس عن اسفنطه
لو بت تستجلي لطائفه التي ... ضاهت برونقها جواهر سمطه
لدهشت اعجابًا بلؤلؤ لفظه ... ومددت كفك طامعًا في لقطه
ومن شعره
لولا صباح الوجوه بيض ... ماهز اعطا في القريض
ولا شجاني غناء شاد ... يومًا ولو أنه الغريض
ولا أهاج الجوى لقلبي ... برق له في الدجى وميض
أفدى غزالًا دعا فؤادي ... إلى الهوى جفنه الغضيض
وخوط بان على كثيب ... داعب أعطافه النهوض
ليلى في حبه طويل ... وفرط وجدي به عريض
دع عاذلي في حديث دمع ... بلومه دائمًا يخوض
حديثه يا أخا الهوى في ... إذاعة السر مستفيض
كأن ينبوعه لقلبي ... فهو بأسراره يفيض
وله
أرى العشق يغشى برهة ثم ينقضي ... وحبك في قلبي مدى الدهر لابث
ولا عقدة إلا لها من يحلها ... سوى عقدة فيها العيون نوافث
يا طيب الهوى أعد جس نبضي ... في هوى من هواه أصبح قوتي
وتأمل محاسن الغد منه ... ثم صف لي مفرح الياقوت
وله
1 / 18
بالمولوية شادن يبدي لنا ... عجبًا عجيبًا للقلوب مفرحا
ويريك عند الفتل من أذياله ... فلكًا يدور ببدره دور الرحى
وله معميًا في حيدر
يا نسيم الصبا إذا جئت نجدا ... وتيممت روضها المعطارا
حي دارا عنها تنآءت غصون ... قد عهدنا ثمارها الأقمارا
وله في عساف
طارحت في الدوح الحمام فقل له ... أن النوى رشفت إلى سهامها
أبكي على عش نأت أفراخه ... وكؤس أفراح شربت مدامها
وله في دلأور
قد أبرزها من باطن الابريق ... صهبا تحاكي وجنة المعشوق
ما ضر شويدنا جلاء كؤسها ... لو دار بها ممزوجة بالريق
وله غير ذلك من بديع الشعر وأحاسنه وكأنت وفاته في سنة سبع عشرة ومائة وألف ودفن بتربة باب الصغير وكأنت جنازته حافلة وسيأتي ذكر قريبيه مصطفى وعبد الرحمن والسفرجلاني لا أدري نسبته لأي شيء والله أعلم
إبراهي الدكدكجي
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم المعروف بالدكدكجي الحنفي التركماني الأصل الدمشقي الشاب الفاضل الأديب النبيه الذكي الفائق الصالح الكامل ولد بدمشق في سنة أربع ومائة وألف وأرخ ميلاده الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي بقوله بإبراهيم الذي وفى نشأ في كنف والده بطاعة وصيانة وحضر دروس علماء عصره وقرأ المعاني والبيان والنحو على شيخ الاسلام الشمس محمد الغزي العامر مفتي دمشق وعلى الشيخ محمد أبي المواهب مفتي الحنابلة بين العشائين بالجامع الأموي وكذلك على المعمر الشمس محمد بن علي الكاملي في رمضان بعد صلاة الصبح في الجامع الأموي وكذلك على الشيخ المحدث يونس الأزهري ولازم الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي كوالده في غالب أوقاته وحضر دروسه واستجاز له والده من دمشق وغيرها جمًا غفيرًا من العلماء كعبد الله البصري المكي وعثمان النحاس وأبي المواهب الحنبلي ومحمد الكامل وسعدى بن عبد الرحمن بن حمزة المحدث ومحمد بن محمد البديري الدمياطي ابن الميتة وعبد الكريم بن عبد الله
1 / 19
العباسي الحنفي المفتي المدني وغيرهم وأبو الطاهر محمد بن إبراهيم الكوراني ومهر وبرع وصار له فضل ونباهة لا تنكر مع طبع رقيق ولطف مع الخاص والعام بمزيد المحبة والصداقة وترجمه الشيخ سعد السمان في كتابه وقال في وصفه غصن تلك الدوحة الندية وشذا تلك الفوحة الدنية كرع من حياض والده العلوم واغترف وأقر لذكائه الزمان واعترف فتهللت به أسارير النباهة وفاق أقرانه وأشباهه بمحيا وسيم وأدب جسيم يستوهب منهما العبير شميمه وتود الدمى لو صار لأجيادها تميمة وصفحة هي سجتجل كل متيم وجفن كم أغرى مغرمًا وهيم مع صيانة ملء برده ولطافة كالروض حف بورده وكأنت تميله نفحات الهوى وما أفل نجم اعتنائه ولا هوى مع همة في تنأول الآداب منوطه وفكرة مما لا يعنى قنوطه ولم يزل ينهب أوقاته لذه ويقطع كبد رقبائه فلذه فلذه ويمرح في ميدان الشبيبه ويجيد غزله وتشبيبه إلى أن ذوى غصنه وهو غض وأغمض عن نعيم الدنيا جفنه وغض وله شعر ينبه الغرام ويدعو إلى النشوة من مقل الآرام أنتهى ما قاله ولما توفى والده صار يقرأ العشر مكانه في درس الاستاذ النابلسي إلى أن توفي وقد رأيت لوالده هذه الوصية كتبها إليه وهي قوله
زر والديك وقف على قبريهما ... فكأنني بك قد نقلت إليهما
لو كنت حيث هما وكانا بالبقا ... زاراك حبوا لأعلى قدميهما
ما كان ذنبهما إليك فطالما ... منجاك نفس الود من نفسيهما
كانا إذا ما أبصرا بك علة ... جزعا لما تشكو وشق عليهما
كانا إذا سمعا أنينك أسبلا ... دمعيهما أسفًا على خديهما
وتمنيا لو صاد فابك راحة ... بجميع ما تحويه ملك يديهما
قسيت حقهما عشبة اسكنا ... دار البقا وسكنت في داريهما
فتلحقنهما غدا أو بعده ... حتما كما لحقا هما أبويهما
ولتندمن على فعالك مثل ما ... ندما هما ندما على فعليهما
بشراك لو قدمت فعلًا صالحًا ... وقضيت بعض الحق من حقيهما
وقرأت من آي الكتاب بقدر ما ... تسطيعه وبعثت ذاك إليهما
فاحفظ حفظت وصيتي واعمل بها ... فعصى تنال الفوز من بريهما
ومن شعره هذه القصيدة ممتدحًا بها الشيخ السيد طه الحلبي وهي قوله
انزع الكاس يا نديم وهاته ... ثم نهنه كرى جفون سقاته
1 / 20