أما سمعت ما قال العالم للوافد عليهما السلام لما سأله عن الخشوع؟ قال العالم: أكثر [من](1) الصيام تسلم من الآثام، [أقل](2) من الطعام تشتق إلى القيام، وتخشع جوارحك للعزيز العلام، من شبع من الطعام غلب عليه المنام وقعد عند(3) القيام، الشبع يظلم الروح، ويترك القلب مقروح، الشابع يفقد الخشوع، ويذهب عنه الخضوع، ويحرص بعد القنوع، الجائع عفيف خفيف، والشابع عاكف على الكنيف، الشبع يصيب منه الوجع، ويذهب الورع، ويكثر الطمع، الصوم في الفؤاد نور، وفي المعاد سرور، كم من طاعة نبغت (عن) (4) مجاعة، وكم من جوعة أتت بخير بضاعة، يافلان، الجهاد الجهاد، فما سمي المحراب محرابا إلا (أنه) (5) موضع حرب النفس والشيطان {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}[العنكبوت:69]، فالنفس لا تنقاد إلا بالرياضة التامة مع رواض خريت(6). وقال بعضهم: (معاشر المريدين، لا تأكلوا كثيرا) (7)، وتشربوا كثيرا، وتحسدوا كثيرا، وقال بعضهم: النفس تطلب يوما تسهل فيه الطاعة وذلك يوم لم يخلقه الله. وقال بعضهم:ما شبعت يوما قط إلا عصيت أو هممت، أو تعرف يا فلان، (كيف)(8) نية الصوم، أما سمعت ما قال الجنيد رحمه الله تعالى(9): يجعل أحدكم مابينه وبين الله مخلاة من الطعام، ويريد أن يجد حلاوة المناجاة، هيهات. قال: ضف - وبالله التوفيق، قال: نية الصوم الإمساك عن المطعومات ليميت به دواعي الشهوات، ويحفظ به جوارحه الست التي هي كالسباع في الوثبات، يغض بصره، ويحفظ سمعه، ويحبس لسانه، (لأنه) (10) الكلب العقور من الغيبة والنميمة (وإيذا)(11) المسلم، ويحفظ قلبه من الأشر، والبطر، والرياء، والسمعة، والتزين للخلق، والمباهاة، والترفع، والازدراء (بالمسلمين) (1) والحسد، والحقد، ويحفظ يديه ورجليه وبطنه عن تناول الحرام والشبهة، ويستحب له أن يصبح كحيلا دهينا ليبعد عن الرياء، لأن ذبول الشفاه وإسراج العيون يعتري (الصيام) (2)، وبإظهار ذلك ومحبة ذكره (يكون) (3) رياء (فيجهد) (4) في إخفاء ذلك. وقال بعض العارفين الراسخين: إخف حسناتك كما تخفي سيئاتك.
فلما انتهى كلامه لأخيه انتحب بالبكاء طويلا ثم مد يده، وابتهل إلى الله تعالى، وقال: إلهي قد ضمنت لصاحب المصيبة في الدنيا العوض والثواب، فإن رددت علينا أعمالنا لعدم الإخلاص لوجهك وكما ينبغي لك فلا تحرمنا أجر مصيبة الرد والطرد يا معروفا بالمعروف، ياذا الجلال وإلاكرام، وصلى على محمد وآله وسلم(5).
ومن أوراده الصالحة:
التفكر في آلاء الله
التفكر في آلاء الله ومخلوقاته، وفي زوال الدنيا وأحوال الآخرة، كان له وردا في التفكر، ورد بالنهار ووردا بالليل فيعمل معه التفكر ما لا يعمله العمل من الثمول والذهول وتتابع الزفرات، (وهو) (6) داعي البكاء والعويل والحزن الطويل، وقف على كتاب: (العبر والاعتبار في مصنوعات الجبار) للجاحظ فازداد خوفا وعلما، لكنه كاد (أن) (7) يذهب عقله فرفعناه عنه وغيبناه منه. دخلت عليه يوما وهو مغشي عليه فرفعت رأسه إلى حجري وفاتحته الكلام، فانتعش وقال: هاك هذا القرطاس اقرأه فأخذته من يده المباركة وقبلتها وقبلت القرطاس تعظيما، وإذا فيه ما نسخته بخطه: حسبي ربي.
पृष्ठ 123