لما عرف الله حق معرفته وراض نفسه رياضة جذبته إلى خدمته، وخافه مخافة لو قسمت على أهل دهره لكفتهم، وشكره شكر ملائكته وأنبيائه الذين عصمهم، ورجاه رجاء أهل المحبة الذين قربهم، وبكأس مودته أرواهم، وبرضاهم عنه أرضاهم وتبجيلة(1) حباهم، وبمناجاته اصطفاهم فوظف رحمه الله(2) أيامه ولياليه وجميع ساعاته أورادا صالحة من الذكر، والفكر، والصلوات، والتلاوات بحيث لوفاته شيء لقضاه(3) ولو شق، مع أن اشتغاله عن ذلك ليس إلا في خير خاطر مؤمن أو غلبة نوم إذ لا شغل له غير ذلك؛ لأنه قطع العلايق الدنيوية بالمرة والترهات البشرية، وكل شيء يشغله عن الله، قال يوما لبعض خواصه المريدين: يا عبد الله، كل شيء شغلك عن الله فهو عليك مشؤوم، كان رحمه الله(4)تعالى إذا فرغ من صلاة الصبح يدعو الله بدعوات عميمة، ويتلو الأسماء الحسنى تارة جهرا، وتارة مخافته، ويصلي على ملائكة الله ويخص جبريل، وميكائل، وعزرائيل وإسرافيل، ويصلي على أنبياء الله، ويقول: إلهي، أجرنا من النار عشر مرات، ومن سخطك علينا، ومن كل قول(5) يقربنا إلى سخطك والنار، ثم يقرأ تهليل القرآن، ثم سورة يس وتبارك، ثم يأخذ مسبحته، وكانت من خشب فيسبح الله، ويحمده ويهلله ويكبره، ويحوقل، ويستغفر مائة مرة، ويقرأ آية الكرسي مائة مرة، وسورة الإخلاص مائة مرة، ثم يستقبل التلاوة غيبا يأخذ ما كتب له، وكانت التلاوة والذكر عليه سهلا ويسره الله عليه ، كان بعض إخوانه يحادثه في حاجة وهو يدير(6) مسبحته، فسأله من سأل، قال: قرأت آية الكرسي مائة مرة، وكان يخبر إخوانه من أوراده ليقتدوا به، وكان يعتقد أن أعماله كالستوق(7) فلا يزال ذاكرا وتاليا حتى يرفع(8) الضحى، ثم يستقبل الوضوء، وكان يتوضأ باليسير من الماء، كانت له ركوة يغتسل منها ويتوضأ، ويشرب، وكان يعرض وضوءه على أكابر العلماء من أوله إلى أخره، ويقول: هل رأيتموني مخلا فيه بواجب أو سنة، فيقولون: هكذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد، فإذا هو في وضوئه تغير وجهه وكثر ابتهاله إلى مولاه بالدعاء والتضرع بالمأثور وسواه، فإذا فرغ من وضوئه تشهد (1) لله بالوحدانية ثلاثا ، ثم يقرأ:{إنا أنزلناه في ليلة القدر}[القدر:1]:ثم يقول: أسألك تمام الوضوء، وتمام الصلاة، وتمام المغفرة، وتمام الرضى، ثم يقول: اللهم اغفر لي يا خير الغافرين، وارحمني يا خير الراحمين، الحمد لله الذي خلقني فهو يهدين، والذي هو يطعمني ويسقين، وإذا مرضت فهو يشفين، والذي يميتني ثم يحيين، والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين، رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين، واجعل لي لسان صدق في الآخرين، واجعلني من ورثة جنة النعيم، واغفر لي ولوالدي كما ربياني صغيرا.
पृष्ठ 103