بقضاء وقدر
قصة سياسية رمزية
1
كان في قديم الزمان في بلاد هيروس مدينة تدعى «نبال» يحكم أحياءها الخمسة خمسة شيوخ مستقلون الواحد عن الآخر كل الاستقلال، وكان الناس في تلك الأحياء يعيشون متقاطعين متنابذين، فيستهلك سكان كل حي أنفسهم؛ يستغل بعضهم بعضا، ولا يعرفون من قواعد الحياة الاجتماعية غير قاعدة واحدة قديمة هي: الطاعة للكبير والعصا للصغير.
وكان الكبير فيهم ينشأ على ثلاثة أصناف من الحب: حب الذات، وحب المال، وحب الجاه، فصار كل صغير إذا ما كبر يقلد كباره الوجهاء حتى تأصلت في جميع الناس طبائع الظلم والأثرة، وسادت المصلحة الخاصة المصالح العامة كلها.
وبما أن كل حي من أحياء نبال كان مستقلا عن الآخر مقاطعا له، عملت في أبنائه عوامل العزلة والأثرة، فحرموا فوائد المخالطة ومنافع التضامن، وتفشت فيهم ثلاثة أصناف من الفقر: الفقر المالي، والفقر الأخلاقي، والفقر الأدبي.
ندب الشيوخ ما صارت إليه أحوال رعاياهم المادية والمعنوية؛ ندبوها سرا في قلوبهم.
ولكن بعض الناس شكوا حالهم صارخين صاخبين، وبعضهم قاموا يتهمون الشيوخ بما حل بهم ويطلبون الإصلاح، فاجتمع الشيوخ سرا ذات ليلة، وبعد الصلاة والتأمل والمذاكرة في المصالح المشتركة، أدركوا أن سياستهم تزول إذا هم سلموا بمطالب المصلحين، وأدركوا أنهم لا يستطيعون أن يوحدوا سلطاتهم الخمس؛ لأن كل واحد منهم طالب بالسيادة لنفسه متمسكا بها، فقرروا لذلك أن يذكروا شعوبهم بالعقيدة المثبتة في كتب الدين ويأمروهم بالعمل بها؛ وتلك العقيدة هي أن الشعوب تشقى وتسعد بقضاء وقدر.
عندما سمع الناس كلام الشيوخ طأطئوا رءوسهم طوعا وحزنا، وراحوا يسترحمون الله، ولكن أفرادا فيهم أعطوا من الشجاعة والعقل أكثر من سواهم قاموا ينادون بخلع الشيوخ، وبتأسيس حكم واحد في مدينة نبال، وقد تبع هؤلاء الزعماء في كل حي جماعات من الناس، فأعلنوا الثورة على الشيوخ، فاشتعلت نارها اشتعالا متقطعا يبدو حينا لهيبا، وحينا دخانا، فيسطع النور تارة وطورا يتلاشي؛ ذلك لأن أهل نبال كانوا ينشدون الإخاء والمساواة، ويرغبون في العدل والحرية، ولكنهم لفقرهم وضعفهم المادي والمعنوي لم يستطيعوا الجهاد المستمر في سبيلها، فقالوا بعد وميض من النجاح في دجى الفشل والقنوط: «الحق مع شيوخنا؛ إن بلاءنا وذلنا بقضاء وقدر.»
2
अज्ञात पृष्ठ