ليدل على أنه الأسد لا غيره، فمددت النظر إليهما، فإذا روعة إنسان هو أرفع من إنسانيتنا، وإذا أنا ألمح فيهما ذلك الشعاع الغريب الذي ينبعث من أعين الحكماء ليصل بين السر الكامن في العقول، والسر الكامن في العقل، وكأنه استشعر ذلك فتبسم، فكان لنظرته جلال سماوي رحيم، أشرق على نفسي كما تشرق على روح الطفل ابتسامة أصله الإنساني. كان منطويا على حقيقة روحانية يسطع ضياؤها في عينيه، وينتشر على ما حوله، فلا يشعر من يجلس إليه أنه جالس مع الرجل، ولكن مع النفس العالية التي هي فيه؛
6
وكان أعظم هيبة من الملوك؛ لأن هؤلاء يحيطون أنفسهم بالديوان، والمواكب، والأسلحة، وكثير من ضروب التوقير والتعظيم، أما الشيخ فكنت تراه حيث رأيته كالمحراب حيث يكون: لا يقف عنده إلا من وقف ليتخشع، وما ذكرته إلا ذكرت قول القائل: في هذه الصورة الآدمية آدم، والملائكة له ساجدون!
كان هذا الإمام الفذ في قوة من ربه كقوة الجبل؛ يحمل ما يحمل، ولا يتلوى، وفي سعة من طبعه كاستفاضة البحر؛ يغمر ما يغمر، ولا يتغير، وفي صراحة من نفسه كاستطارة النهار؛ يطلع كما يطلع، ولا يخفى، فهو رجل، لكنه فكر من أفكار السماء، وهو جسم، لكنه عضلة من عضلات الطبيعة، وهو إنسان، لكنه حقيقة من حقائق الكون.
يصفه الناس بأنه الرجل الحكيم الذي أتي سر الحكمة لينبغ به، ويصفه التاريخ بأنه الحياة المجددة التي وهبت سر العظمة لتعمل لها، وتصفه الحقيقة بأنه العقل المفسر الذي اتصل به طرف السر الأعلى ليتكلم عنه، وليعمل له، ولينبغ فيه.
إذا كان في بعض جوانح الأرض أمكنة نادرة مقدسة هي قلب الدنيا الذي أودعه الله سر التأله، ففي بعض جوانح الناس قلوب نادرة هي كتلك الأمكنة، ولقد كان العالم الإسلامي كله يتصل من قلب الشيخ العظيم بمنسك
7
فيه معنى كمعنى الكعبة إذ تولي شطرها كل وجوه المؤمنين. •••
وأما بعد: فكأنما أفرط علي القلم فيما كتبت عن الحب؛ فإنه يخيل إلي الساعة أن روح شيخنا الجليل تريد أن تغسل هذا الكتاب كله، وتدعه ورقا أبيض،
8
अज्ञात पृष्ठ