सिद्दीका बिंत सिद्दीक
الصديقة بنت الصديق
शैलियों
إن الغضب من هذا لن يكون غضب الحريص على مال، ولم تكن السيدة عائشة خاصة ممن يحرص على مال أو يبذله في ترف أو يخزنه للمكاثرة والادخار، فما سمع عنها قط أنها أنفقت المال في غير الكفاف من الرزق والإحسان إلى المعوزين، وما تركت بعدها بقية تدل على حرص ولا ادخار.
ولقد كانت تنكر التزيد من الثراء على الصحابة الأجلاء، وإن كان من التجارة والحسب الموروث؛ فكان عبد الرحمن بن عوف - وهو مثل من أمثلة عدة - وافر الثراء على عهد النبي عظيم السخاء في خدمة الدين، ودخلت له عير إلى المدينة فيها سبعمائة بعير تحمل البر والدقيق والطعام، فارتجت لها المدينة وسمعت رجتها في بيت عائشة، فما نجا به من لومها إلا أنه ذهب إليها يشهدها أن العير بأحمالها وأحلاسها وأقتابها في سبيل الله.
فغضب السيدة عائشة من نقص العطاء لم يكن غضب الحريص على مال والطامع في ادخار، ولكنه كان غضبا عادلا من غضاضة لا حاجة إليها ولا حكمة فيها، ولا تستريح إليها النفس بتعليل مقبول.
وشاع النقد والسخط من ولاة عثمان وحواشيه، وكثر القيل والقال في مخالفتهم للدين وتوسعهم في اقتناء الدور والحطام.
ومثل من الأمثلة العدة في هذا الباب تولية الوليد بن عقبة أخي عثمان لأمه خلفا لسعد بن أبي وقاص على الكوفة وهو من أعلام الصحابة المحبوبين بين جلة المسلمين.
وكان الوليد متهما بالخمر، وشاع في المدينة أنه أم الناس يوما في صلاة الصبح وهو سكران، فلما فرغ التفت إليهم وقال: هل أزيدكم، فإني أجد في نفسي نشاطا؟
ولم يكن عجيبا أن يلجأ الشاكون منه إلى بيت عائشة فيمن لجئوا إليه من كبار الصحابة وهم غير قليلين، وإنما لجئوا إليها بعد أن قدموا على الخليفة فتبرمت بهم حاشيته وبرءوا الوليد عنده مما اتهمه به أهل مصره، فقال لهم: أكلما غضب رجل منكم على أميره رماه بالباطل؟ لئن أصبحت لكم لأنكلن بكم. فاستجاروا ببيت النبي وعائشة فيه.
ثم أصبح عثمان «فسمع من البيت صوتا وكلاما فيه بعض الغلظة، فقال مغضبا: أما يجد مراق أهل العراق وفساقهم ملجأ إلا بيت عائشة؟ فسمعته، فقيل إنها رفعت نعل رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وقالت: تركت سنة رسول الله صاحب هذه النعل ... وتسامع الناس فجاءوا حتى ملئوا المسجد، فمن قائل: أحسنت، ومن قائل: ما للنساء وهذا؟ حتى تحاصبوا وتضاربوا بالنعال، ودخل رهط من أصحاب رسول الله على عثمان وناشدوه الله أن يعزل أخاه».
अज्ञात पृष्ठ