साम्यवाद और मानवता इस्लाम कानून में
الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام
शैलियों
ولكن هل عدل الشيوعيون بعد هذا الاعتراف عن صيحتهم الأولى التي تحفز الضغائن في نفوس اليائسين إلى غاية مداها من الهدم والعدوان؟
هذا هو الشيء الذي يستطيعونه، وذلك هو الموقف الذي لا يستطيعون التراجع فيه؛ لأنه أساس المذهب كله في أعماق الطبائع دون الآراء والتخريجات التي يلفونها ويشدونها ويلقون بها، حيث تنقاد لهم وحيث لا تنقاد؛ ليتخذوا منها الحجة لدعوة الهدم والعدوان.
وغني عن القول أن هذه الشهوة العمياء تضللهم عن الحقائق التي بين أيديهم، كما تضللهم - من باب أولى - عن الوقائع التي يدعون النظر إليها بغير الثقة، حين يتكلمون عن المستقبل القريب والمستقبل البعيد، فقد كان «إنجلز» يؤكد في كلامه عن الاشتراكية الطوبية والاشتراكية العلمية - التي هي اشتراكية دون غيرها بطبيعة الحال - أن الثورة الشيوعية بادئة في ألمانيا منتشرة منها إلى الديار الأوربية من حولها، وكان البيان المشترك - المانفستو - يؤكد في سنة 1848 أن ألمانيا على أبواب ثورة برجوازية تتبعها ثورة الصعاليك أو البرولتارية، وكانت نبوءات كهذه كذبت جميعا ولم تصح لهم نبوءة واحدة، وما من أحد يطالب داعية المذاهب الاجتماعية بعلم الغيب إلا أن يكون داعية للشيوعية الماركسية، فإن المذهب الذي يقوم على نبوءة لازبة يتقرر بها أو لا يتقرر على الإطلاق، يجب أن يقاس بمقياس نبوءته القريبة دليلا على ما وراءها من النبوءات التي تستباح في سبيلها الفتن والحروب والثورات. وماذا يبقى من مذهب المادية التاريخية إذا سقطت نبوءته التي يبنيها على قوانين الإنتاج، ويجعلها ضربة لازب مفضية إلى قيام المجتمع الذي لا طبقات فيه بعد انتهاء صراع الطبقات؟ إلا أن الداعية الشيوعي قد نسي الجانب المهم في هذا الاعتراف، الذي جاء بعد الفراغ من شرح المذهب بثلاثين سنة، فليس المهم أن «إنجلز» وزميله «كارل ماركس» أهملا العوامل النفسية أو العوامل الإنسانية تحديا لخصوم المذهب ومناقضيه ، لكن المهم أنهما قضيا العمر يفسران الأزمات الحاضرة والغابرة تفسيرا ناقصا مخطئا، لا يصلح للاعتماد عليه في العواقب العظمى التي يرتبانها عليه، ونتيجة ذلك أن الشيوعية تسقط من عداد المذاهب التي يؤخذ بها في تصوير الحالة في زمانها وتصوير الحالة أو الحالات التي ينبغي أن تعقبها، وهذا هو محور البحث كله في حقيقة الدعوة وعواقبها، فليست هي صورة صادقة للشكايات الاجتماعية، ولا هي صورة صادقة لعلاجها وتقدير العواقب التي تخلفها، وتتوفر الجهود على تحقيقها والتعجيل بإنجازها عن ثقة لا تقبل التسامح واختلاف وجهات النظر في الأصول والتفصيلات، كما هو دأب الشيوعيين عامة مع من يخالفهم في أصغر الأمور وأكبرها على السواء.
وعلى هذا يجب أن نسقط الشيوعية من عداد المذاهب التي تفسر شكايات القرن التاسع عشر وتتولى علاجها، وهذا هو الحد الفاصل بين إنكار الشيوعية وإنكار تلك الشكايات، فلا نكران للشكايات الاجتماعية التي تجاوبت بها الأمم خلال القرن التاسع عشر، وإنما ينكر المنكرون، بحق - أن الشيوعية تحسن وصفها وتحسن علاجها، فضلا عن دعوى المدعين أنها استأثرت بالوصف الوحيد الصادق والعلاج الوحيد الموافق للعلم والتفكير السليم.
إن شكايات القرن التاسع عشر بعضها اقتصادي من أثر الصناعة واختلاط المعاملات واتساع الأسواق وموارد الخامات، وبعضها أدبي «معنوي» من أثر التطور في الأفكار والعقائد ومقاييس الأخلاق، والشيوعية لا تفسر هذا ولا ذاك تفسيرا يركن إليه أو يحمل على محمل العلم والدراسة.
ونعود إلى أولئك الذين يحكمون بالظلم ليشتهروا بالعدل، فنقول: إنهم يفعلون مثل ذلك في إظهار الإنصاف لمبادئها ودعاواها، فالإنصاف الحق لهذه الدعوة المتعسفة أنها «كلام فارغ» لا يصمد للنظر، ولا يليق بالعلم أن يسلم له بالصفة العلمية على حسب العنوان المعلق عليه، فمن الجهل المطبق أن يجيئنا أحد فيزعم أنه ملك زمام الحقائق الأبدية ماضيا وحاضرا ومستقبلا، ثم نتقبل منه هذا الزعم؛ لأنه سماه بالعلم واحتكر له الصفة العلمية، ومن الجهل المطبق أن تقاس الشيوعية بمقياس الحوادث الجسام التي حملت عنوانها، فإن مبادئ الشيوعية لم تخلق الثورة الروسية. ولم يكن من العسير على جماعة من الناس كائنا ما كان عنوانها - أن تقود تلك الثورة كما قاد النازيون ألمانيا، والفاشيون ثورة إيطاليا، وقاد أتباع «سن يات سن» ثورة الصين، وقاد غيرهم حركات الأمم في أوروبا وآسيا وأفريقيا بعد الهزائم وقلاقل الحكم وأزمات المعيشة، كلها ثورات وجدت من يقودها من الجماعات المنظمة بعد سقوط الدول لأسباب متفرقة أشد التفرق، متباعدة أشد التباعد في المصادر والدعاوى والغايات.
إنما حق الشيوعية من العلم أن نفسرها بتفسير الظواهر النفسية في الطبائع المريضة، فأكبر مبادئها واضح البطلان إذا طبقته على قواعد البحث وبرامج الإصلاح، وأصغر وساوسها - بل أخفى خفاياها - واضحة المعنى إذا رجعت بها إلى دخائل النفوس المريضة التي تتحفز للنقمة وتلبي كل من يحفزها إليها.
و«كارل ماركس» لم يبتدع الشيوعية؛ لأنه رجل عطوف حريص على تخفيف الآلام ورحمة الضعفاء، والذين صدقوه لم يصدقوه لأنهم فكروا في مبادئه، أو يقدرون على التفكير في مبدأ من المبادئ على إطلاقها، فإن تسعة أعشارهم لا يقدرون على التفكير لمحة عين ولا يبالون أن يقدروا عليه، ولكنهم يصدقون الشيوعية؛ لأنها تشبع فيهم بواعث النقمة وترضيهم عن خطتهم التي يتبرمون بها ويمتلئون بصغارها، وإنهم لتصدمهم أكاذيب الشيوعية وأكاذيب دعاتها أكذوبة بعد أكذوبة، ثم تبقى الشيوعية بحذافيرها حيث كانت من طبائعهم أن لم يزدها الغضب على من يكذبونها، لأن الشيوعية بحذافيرها قبل الاستماع إلى دعوتها، وبعد الاستماع لكل حجة تناقضها، هي كلمة واحدة، حيث رجعت إليها من طبائع دعاتها ومصدقيها، وتلك هي كلمة «النقمة» على كل إنسان وعلى كل شيء.
وليس على بصيرة بطبائع هذه النفوس من يحاول أن يقنعها بالحجة والعيان، وليس بسليم اللب من يحاول أن يصرف عن الشيوعية لئيما تسميه الإنسانية مجرما وتسميه الشيوعية ضحية المجتمع، أو ماجنا تسميه الإنسانية حقيرا وتسميه الشيوعية متقدما يحتقر الرجعية وآدابها، أو امرأة هلوكا تسميها الإنسانية بغيا وتسميها الشيوعية متحررة من رق الزوجية المفروضة عليها، فهذه محاولات مخفقة من البداءة أيا كان موقعها من الحجة المقنعة والعيان الملموس . وسنعرض حقيقة الشيوعية - بعد تلخيصها - من هذه الناحية التي تحتويها من طرفيها، وسنرى أنها واضحة جدا، كلما رجعت بها إلى مصادرها من النفوس المريضة، وأنها مبهمة جدا كلما صدقنا لجاجة المتحدثين عنها باسم العلم والإصلاح.
المذهب
अज्ञात पृष्ठ