مقدمة المؤلف
पृष्ठ 47
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وكفى، وصلى الله على محمد وآله الذين اصطفى وبعد فيقول راجي رضا الغفار السبحاني محمد بن عبد الجبار البحراني، إنه قد سألني الأخ الطالب للحق فيض الله بن جعفر التبريزي (1) وفقه الله للكمالات وإلى الارتقاء إلى أعلا الدرجات عن مسألة، وكنت بكربلاء مشتغلا بالسفر فأجبت بالمستطاع والمتيسر، فإن وافق قبولا فببركة من أنا بجواره ومن رشح فيضه، وإلا فمن قصوري وقصر باعي.
فأقول: قال أيده الله بجوده وحرسه: ما الدليل على خلافة أمير المؤمنين بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بلا فصل بحيث يلزم الخصم بجميع الطرق عقلا ونقلا؟
وما الدليل كذلك على أن أوصياء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) اثنا عشر لا تزيد ولا تنقص؟
الجواب: هو يشتمل على مسئلتين فنذكر كل واحدة على حدة ثم نختم بخاتمة. فنقول: لا خفاء في عموم رحمة الله تعالى ولطفه بخلقه، وأنه لم يتركهم سدى وهملا، وإلا لزم عبثية الخلق، وضاعت حكمته وعلمه وقدرته، فيبطل
पृष्ठ 51
وجوده، بل نصب لهم الدلائل وأوضح لهم العلل وأزاح عنهم الموانع لتعلو حجته، وتتضح حجيته، فليحيى من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة وتكون لله الحجة البالغة، وكله عن اختيار بغير جبر واضطرار، إذ لا جبر في الوجود لا بحسب الفاعل ولا القابل ولا المفعول، وإلا رجع إليه تعالى الله.
نعم قد يظن ظاهرا في نسبة المفاعيل لبعض، ولسنا بصدده هنا، ومن المتضح أن الشئ كلما كان أظهر تكون أدلته كذلك، لشدة الحاجة إليه وعموم البلوى، فيجب في أدلته ذلك لذلك، كما هو متضح الحجة والمنار ساطع البرهان.
ولا شك أن محل الدلالة والاستدلال الذي دل عباده عليه وندبهم إليه كتابه التكويني، وكتابه القرآن والسنة النبوية، والميزان المقتبس منهم والمسترشد برشدهم، وما بعد ذلك إلا سبيل الضلال، وما بعد الحق إلا الباطل.
ويجب في هذه الأدلة التطابق (1) عما منها صدرت من الواحد الحق الذي لا اختلاف فيه " ولكل حق حقيقة " (2) ويكون لها تنوع ظهوري في هذه الكتب وكتاب الله التدويني، أو قوله (عليه السلام) التشريعي طبق التكويني، وتفاصيله في الأقوال والأفعال، والتكويني بجميع أنواعه جمع في الإنسان، والله أرانا آياته ومحكم بيناته في الآفاق والأنفس ليتضح لنا الحق، ونعرفه بيانا كما قال الله تعالى (3) وطابقه الوجدان وساطع البرهان، فمتى قام الدليل للحكم بطريق منها ثبتت ووجب في الباقي وإن لم يظهر للناظر تقصيرا أو قصورا، [ونقول] في المسألة
पृष्ठ 52
أدلتها طبقت ما بين السماء والأرض وكل مخلوق، لأنها الولاية العامة للكل، والمأخوذة عليه، فيعم دليلها الكل كل بحسبه، فلو كان البحر مدادا والأشجار أقلاما والخلق كتابا ما أحصوا فضائله بل واحدة منها كما رواه الفريقان (1).
وهذا بحر لا قرار له، وبيان الجواب يعجز عن بيانه وسطره القلم الكلي والأقلام الجزئية فكيف قلمي، لكن نذكر بعض مختصر ذلك كالعنوان كما هو المناسب للوقت واشتغالي واستطاعتي وسؤال السائل، ومع هذا فقد أزدت على طلبته، ومع هذا أقول لا تنفع الأدلة وما هو في الوضوح كالشمس إلا في غير المحجوب أعمى البصر بالصدود والجحود، أما هو فلا ينتفع به ولا يؤثر فيه ولو نأتيه بجميع الآيات كما هو ظاهر من زمن آدم (عليه السلام) حتى يقع التمييز، ويحق الحق ويبطل الباطل، وينتهي أجلهم، عجل الله بالفرج. قال الله تعالى: * (ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب) * (2) الآية وقال تعالى: * (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة) * إلى * (ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله) * (3) أي خيرا ولا يشاؤه الله ولا يريده تعالى الله، وقال تعالى: * (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها) * (4) الآية * (وجحدوا بها) * عنادا بعد ظهور الحق والدليل، * (واستيقنتها أنفسهم) * (5) استيقان تصور لا اعتقاد بسبب وصول الدليل، ومقتضى فطرتهم الوجودية التي غيروها ظلما وعلوا فلا تناقض في الآية، * (وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم
पृष्ठ 53
بالكتاب) * (1) ونحوها كثير آية ورواية ووجدانا مشاهد مستمرا، فأخاطب غير العاند وأقول له: أما دليل ذلك مما اختصت به الإمامية فلا أذكره أصلا لعدم إلزامهم، ولهم سبيل في إنكاره، بل أما برواية متفق عليها عندنا وعندهم، أو آية محكمة كذلك، أو برهان وجودي عليه فطر الوجود فتقوم الدلالة عليها بحسب الحال والمقال، وهي السبل ليس إلا، فإن لم تصدق بطل الوجود، وبطلت سائر الأدلة بها بطرق أولى، ولم تبلغ مسألة هذا المبلغ، وسميتها بالشهب الثواقب لرجم شياطين النواصب.
पृष्ठ 54
الشهاب الأول ويشتمل على فنون:
पृष्ठ 55
الأول: في إثباتها بالنص المتفق عليه وقدمته رعاية لحال المخالف فإنه في إلزامه به أقرب وله أفهم.
فأقول: حصر أحاديثهم الدالة تخرج عن العد إلا في مجلدات ولنذكر جملة منها كافية.
[الجملة] الأولى: وبحذف السند في جميع الروايات الآتية اختصارا ومن أرادها فليراجع كتبها المعينة الآتية.
روى إمامهم المقدم عندهم أحمد بن حنبل بسنده عن أنس قال: قلنا لسلمان: سل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من وصيه؟ فسأله سلمان، فقال: " يا سلمان من كان وصي موسى؟ " فقال: يوشع بن نون، فقال: " وصيي ووارثي يقضي ديني وينجز وعدي علي بن أبي طالب " (1). ونحوه في فضائل ابن الجوزي.
وفي مناقب الفقيه ابن المغازلي الشافعي الواسطي المشهور عندهم في تفسير قوله تعالى: * (والنجم إذا هوى) * (2) بحذفنا السند عن ابن عباس قال: كنت
पृष्ठ 57
جالسا مع فتية من بني هاشم عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ انقض كوكب فقال رسول الله: " من انقض هذا الكوكب في منزله فهو الوصي من بعدي " فقام فتية من بني هاشم فنظروا فإذا الكوكب قد انقض في منزل علي بن أبي طالب، فقالوا يا رسول الله: غويت في حب علي، فأنزل الله تعالى: * (والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى) * (1) أي بالأفق الأعلى (2).
وفي الكتاب المذكور بحذف السند عن جابر بن عبد الله عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " إن الله تعالى أنزل قطعة من نور وأسكنها في صلب آدم (عليه السلام) فساقها حتى قسمها جزئين فجعل جزءا في صلب عبد الله وجزءا في صلب أبي طالب فأخرجني نبيا وأخرج عليا وصيا " (3).
وفيه إلى أبي أيوب الأنصاري أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مرض فدخلت عليه فاطمة (عليها السلام) فقال: " إن الله اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه نبيا، ثم اطلع ثانية، فاختار منها بعلك وجعله وصيا، وأوحى إلي فأنكحته إياك واتخذته وصيا إلى أن قال: نبينا أفضل الأنبياء وهو أبوك ووصينا أفضل الأوصياء وهو بعلك " (4).
ومن كتاب ابن مردويه عن أم سلمة في حديث إلى أن قالت: قال
पृष्ठ 58
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " يا أم سلمة، إن جبرئيل أتاني من الله بما هو كائن من بعدي، وأمرني أن أوصي به عليا من بعدي، وكان جبرئيل عن يميني وعلي عن يساري، وأمرني أن آمر عليا بما هو كائن بعدي إلى يوم القيامة، فاعذريني ولا تلوميني إن الله اختار لكل أمة نبيا، واختار لكل نبي وصيا، فأنا نبي هذا الأمة وعلي وصيي في عترتي وأهل بيتي وأمتي من بعدي " (1) الحديث.
وذكر الخوارزمي والخطيب في تاريخه عدة أحاديث تتضمن أن عليا وصيه بعده، وذكر جملة منها ابن أبي الحديد في شرح النهج.
بيان: الحديث المتضمن لكونه أوصى لعلي (عليه السلام) وجعله وصيا بعده متكرر عندهم مما نقل بكثير، وهو صريح في المقصود لأن الوصاية هنا عامة، فالمراد بها الخلافة العامة في الدين والدنيا على الأمة، ولا يمكن أن يراد بها الوصاية الخاصة المتداولة أي الولاية على مال أو أطفال، لأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لا أطفال عنده.
ومراعاة وصاية المال وإن اعتنى بها، لكنها توجب الاعتناء بالوصاية العامة بطريق أولى، بل يجب كما هو المناسب لحال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورحمته لأمته خصوصا، ومن بقائه بعد الهجرة زمانا قليلا جدا، وهو في مكة محصورا في الشعب، وليس معه إلا قليل حتى هاجر إلى الطائف مع علي [(عليه السلام)] ثلاثة وعشرين يوما فلم يجد ناصرا فرجع لمكة، ثم هاجر إلى المدينة، وعلي لحقه بعد أن فعل بمكة ما أمره به، ثم بعد وفاته هاجر علي (عليه السلام) إلى الكوفة، فهو ذو ثلاث (2) والمناسب لغاية بغيته ورعاية الله لخلقه مراعاة الوصية العامة بل يجب، وهذه
पृष्ठ 59
الأحاديث تدل على أنها المرادة يقينا، وإلا لم يقع فيها النزاع الذي سمعت، ونزول النجم وغير ذلك.
ولم تذكر وصية يوشع؟ ما ذاك إلا للإعلام بأنها عند الله [السنة] الجارية في خلقه فإنها مما يفتقر لها الوجود ولا تختلف الأوقات في حسنها والافتقار إليها، وكذا حديث جابر (1) والأخير يعين أنها المراد، وأنها عن اختيار الله. إلى غير هذه الوجوه [المتعددة] (2) من هذه الأحاديث المعينة على كونها الخلافة العامة، مع أن رئيس الضلال كذب على الله ورسوله، وقال إن الأنبياء [لا] تورث ومتروكاتهم صدقة، فلا وصية على شئ.
ولم يكن مع علي (عليه السلام) ما يوفي الديون بزعمهم، ولفظ دين في الأحاديث السابقة تحتمل ديني وديني ولا منافاة كما هو ظاهر، والحجة عليهم قائمة على تقدير أي فرض، وهذه الأحاديث تبطل قولهم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يوص ولم يعين خليفة، بل ترك الناس واختيارهم هملا وغير ذلك من أباطيلهم.
الجملة الثانية: فيما ورد عن طريقهم بلفظ الخلافة:
فروى شيخهم المقدم أبو الحسن المغازلي بحذفنا السند عن سلمان قال سمعت حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله يسبح ذلك النور ويقدسه قبل أن يخلق آدم بألف عام فلما خلق الله آدم ركب ذلك النور في صلبه فلم نزل في شئ واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب ففي النبوة وفي علي الخلافة " (3).
पृष्ठ 60
بيان: ما تضمنه من فضله يضيق المقام بذكره، وظاهره حصر الخلافة فيه فإنه رئيس الأوصياء وأفضلهم فإنهم خرجوا من صلبه فأين غيره من هذا المنزلة.
وفي كتاب الفردوس لابن شيرويه الديلمي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): " خلقت أنا وعلي من نور واحد قبل أن يخلق الخلق بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله آدم (عليه السلام) ركب ذلك النور في صلبه، فلم يزل في شئ واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب ففي النبوة وفي علي الخلافة " (1).
بيان: قل لي هل من يكون كذلك الوصي بعده بلا فصل وهو المنصوص عليه أو أجلاف تيم وعدي؟
وفي كتاب شواهد التنزيل للحسكاني عن ابن عباس في تأويل: * (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) * (2) قال لما نزلت هذه الآية قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " من ظلم عليا مقعدي هذا بعد وفاتي فكأنما جحد نبوتي ونبوة الأنبياء قبلي " (3).
بيان: وجهه ظاهر.
وفي مناقب ابن المغازلي عن أنس، قال: أنقض كوكب على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: " انظروا من انقض هذا الكوكب في داره فهو الخليفة بعدي فنظروا فإذا هو في منزل علي (عليه السلام) " فأنزل الله: * (والنجم إذا هوى) * إلى
पृष्ठ 61
* (يوحى) * (1).
بيان: لا خفاء في أن المراد بالبعدية بعدية الاتصال لا مطلقا وإلا بطلت.
وفي حديث في مناقب ابن أحمد المكي الخوارزمي المعروف بأخطب خوارزم أنه لما أسري بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى سدرة المنتهى ووقف بين يدي الله وقال:
" يا محمد، قال لبيك، قال: قد بلوت خلقي فأيهم رأيت أطوع لك. قال: قلت: علي.
قال: صدقت يا محمد، فهل اخترت لنفسك خليفة يؤدي عنك ويعلم عبادك من كتابي ما لا يعلمون؟ قال قلت: اختر لي فإن خيرتك خيرتي. قال: قد اخترت لك عليا فاتخذه لنفسك خليفة ووصيا وهو أمير المؤمنين حقا.
يا محمد علي راية الهدى، وإمام من أطاعني، ونور أوليائي، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين، من أحبه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد أبغضني، فبشره بذلك يا محمد " (2) وفيه نحو بعضه أيضا مما اشتمل على إمامته وخلافته، ونحوه عن الخطيب (3) عن أبي هريرة عنه.
وعن حلية الأبرار وفي مناقب بن مردويه، قال سلمان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
" عمن نأخذ بعدك، وبمن نثق؟ فسكت حتى سئل عشرا ثم قال: يا سلمان، إن وصيي وخليفتي وأخي ووزيري وخير من أخلفه بعدي علي بن أبي طالب " (4) الحديث.
पृष्ठ 62
وفيه عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): " خليفتي ووزيري وخير من أترك بعدي يقضي ديني وينجز موعدي علي بن أبي طالب " (1) ونحوها كثير في كتبهم وفيما حصل كفاية كما هو المناسب لهذه العجالة.
الجملة الثالثة: ما نقل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: " أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب " (2) وفي بعض " فمن أراد بابها فليأت عليا " رواه السيوطي في تاريخه وغيره وابن حجر [التأخر] (3) في شرح الهمزية، وفي توضيح الدلائل بطرق.
وعن مناقب ابن المغازلي بطرق (4)، وفي بعضها: " أنا مدينة العلم وأنت الباب، كذب من زعم أنه يصل إلى المدينة إلا من الباب " وفي بعضها: " أنا مدينة الحكمة وعلي بابها " إلى آخره، وفي بعضها: دار الحكمة.
وفي الصواعق عن البزاز والطبراني في الأوسط وعن غيرهم ورواه ابن عبد الوفي في الإستيعاب والترمذي، وهو من جملة ما حكموا بصحته، وغيرهم من علمائهم، وهو موافق لباقي الأحاديث والكتاب كما ستعرفه، وردوا على من رماه بالوضع كما نقل عن ابن الجوزي والنووي كابن حجر وغيره، فهو عن عناد بغير دليل، بل يليه باقي الأحاديث، والقرآن يصححه وهو [يعين] خلافته ويبطل غيرها مطلقا إلا ما هو بدله كأبنائه المعصومين، وزاد ابن حجر في شرح الهمزية على ذلك القائل كثيرا وأنه صحيح وعبارته طويلة فلا يسمع قول النووي وابن
पृष्ठ 63
الجوزي، وللعامة مضحكات هنا، أعرضنا عنها اختصارا.
وروى السيوطي في تاريخه والأصفهاني والحافظ والمناقب لابن مردويه بعشر طرق ومحمد ابن العباس ابن مروان من عشرين طريقا والخوارزمي بطرق، وغيرهم جميعا: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " ما أنزل الله آية * (يا أيها الذين آمنوا) * إلا وعلي رأسها وأميرها " (1) ونحوه رواه أحمد بن حنبل، وكونه نصا في خلافته ظاهر، وغير المؤمنين خارجون لتركهم الإقرار به واعتقاد إمامته.
الجملة الرابعة: ما ورد بطرق عديدة عندهم في الكتب المعتمدة المصححة حديث الثقلين وأنه قال: " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " (2) دخول علي لا مرية فيه نصا وإجماعا كخروج الثلاثة الباقين كذلك، وأفردنا الكلام عليه في مجلد ضخم، وطرقه متواترة ومتنه متفنن لفظا، ومشتركة في أمره (عليه السلام) بالتمسك بالثقلين - الكتاب والعترة - وأنهما قرينان، وفي بعضها بلفظ: الحبل الممدود من السماء إلى الأرض، كما قال الله: * (واعتصموا بحبل الله) * (3) و * (حبل من الناس) * (4)، * (ولا تفرقوا) * (5). الحديث رووه في جامع الأصول في الباب الأول منه والترمذي.
وفي الجزء الثالث من أجزاء أربعة من صحيح أبي داود والسجستاني في كتاب السنن وصحيح الترمذي وصحيح مسلم ومسند أحمد بن حنبل بطريق
पृष्ठ 64
وتفسير الثعلبي في قول الله: * (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) * (1) ومناقب ابن المغازلي بطرق والزمخشري، وغيرهم كثير مما يعسر حصرهم، وهو صريح في حجية قول العترة، وأنهم لا يفارقون القرآن لأنهم حجة الله وكذا القرآن، ولا افتراق فيهما، وصريح في أنه لم يجمع القرآن ويحط به غيرهم، وفي عصمتهم (2) لأن من يكون كذلك معصوم، وفي وجود شخص منهم مدة وجود القرآن، وأن نورهم (عليهم السلام) متصل من السماء إلى الأرض لأنهم حبل الله ممدود من السماء إلى الأرض، إلى غيرها من المسائل المحققة عقلا ونقلا المبطلة لمذاهب العامة المجتثة التي لا ثبات لها ولا قرار ولا يسع المقام نشرها.
الجملة الخامسة: ورد عندهم عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): ما زال الدين قائما أو عزيزا أو صالحا على اختلاف الرواية. وهي متفقة معنى ما وليهم اثنا عشر من قريش (3) كما في صحيح مسلم بطرق، وكذا في صحيح البخاري وتفسير الثعلبي وغيرهم ولا خلاف فيه، ولكن وقع الاختلاف في تعيينهم، والذي يوافق ما سبق ويأتي هو ما تقوله الإمامية، وكذا من نظر للسيرة وما يختاره الله لعباده وهو الأصلح، وورد تفصيلهم بالخصوص كما تواتر عند الإمامية.
ومن طرقهم ما رواه موفق بن أحمد المكي الخوارزمي في مناقبه قال:
حدثنا نجم الدين أبو منصور محمد بن الحسين البغدادي ثم أخذ في السند إلى أبي سليمان راعي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): " ليلة أسري بي إلى السماء قال لي الجليل آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه فقلت : والمؤمنون قال: صدقت يا محمد،
पृष्ठ 65
إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها فشققت لك اسما من أسمائي، فما أذكر في موضع إلا ذكرت معي، فأنا المحمود وأنت محمد، ثم اطلعت الثانية فاخترت منها عليا، وشققت له اسما من أسمائي، فأنا الأعلى وهو علي، يا محمد إني خلقتك وخلقت عليا وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولده (عليهم السلام) من نوري، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات والأرض، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان عندي من الكافرين.
يا محمد لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتى يتقطع ويصير كالشن البالي ثم أتاني جاحدا لولايتكم ما غفرت له حتى يقر بولايتكم.
يا محمد تحب أن تراهم قلت: نعم، قال لي: التفت عن يمين العرش، فالتفت وإذا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والمهدي في ضحضاح من نور قيام يصلون وهو في وسطهم - يعني المهدي - كأنه كوكب دري وقال: يا محمد هؤلاء الحجج وهذا الثائر من عترتك، وعزتي وجلالي أنه الحجة الواجبة لأوليائي والمنتقم من أعدائي (1).
بيان: أي صراحة أعظم من هذا أو نص من الله ورسوله وآكد في المهدي زيادة لأسباب ظاهرة، ولا بعد في كون ولايتهم شرطا في قبول العمل كما في الشروط.
وبهذا الإسناد عن ابن شاحان بسنده عن سلمان المحمدي قال: دخلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا الحسين بن علي (عليه السلام) على فخذه وهو يقبل عينيه ويلثم فاه
पृष्ठ 66
ويقول: " أنت سيد ابن سيد أبو السادة وأنت إمام ابن إمام أبو الأئمة أنت حجة ابن حجة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم " (1).
وبسند آخر نحوه يعني باسط.
وعن علامتهم جار الله الزمخشري بإسناده قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
" فاطمة (عليها السلام) مهجة قلبي، وابناها ثمرة فؤادي، وبعلها نور بصري، والأئمة من ولدها أمناء ربي وحبل ممدود بينه وبين خلقه من السماء إلى الأرض، من أعتصم بهم نجى، ومن تخلف عنهم هوى " (2).
ومن حلية الأولياء لابن نعيم عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): " من سره أن يحيى حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن التي غرسها ربي فليوال عليا من بعدي، وليقتد بالأئمة من بعده، فإنهم من عترتي، خلقوا من طينتي ورزقوا فهما وعلما، فويل للمكذبين لهم من أمتي القاطعين منهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي " (3).
وروى الخوارزمي في مناقبه عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): " من أحب أن يحيى حياتي ويموت ميتتي فليوال علي بن أبي طالب وذريته الطاهرين أئمة الهدى ومصابيح الدجى من بعده " (4) وهذا المضمون متواتر من طرقهم. وعن أسامة بن الربعي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) " أنا سيد النبيين وعلي سيد الأوصياء وأوصيائي بعدي اثنا عشر أولهم
पृष्ठ 67
علي وآخرهم القائم المهدي " (1).
وفي بعض أحاديث تفسير السدي فيما أوحي إلى إبراهيم: " وجاعل نبيا عظيما ومظهره على الأديان، وجاعل من ذريته اثني عشر عظيما " (2).
وفي كتاب خلاصة الوفاء بأخبار دار المصطفى في أواخر الفصل الخامس من الباب الأول في فضل أهل البيت لابن المؤيد الحموي عن جابر قال: كنت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض حيطان المدينة، ويده في يد علي فمررنا بنخل فصاح النخل: هذا محمد سيد الأنبياء، وهذا علي سيد الأولياء أبو الأئمة الطاهرين، ثم مررنا بنخل فصاح النخل: هذا محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا علي سيف الله، فالتفت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى علي (عليه السلام) فقال: (سمه الصيحاني) فسمي من ذلك اليوم (3).
وبالجملة فأحاديثهم مصرحة بهم جملة وفرادى، بالوصف والإشارة، أعرضنا عن أكثرها اختصارا وكذا ستره غيرهم من خلفائهم الأمويين والعباسيين وغيرهم [و] ما نقلوه في سيرهم وأفعالهم ما يدل على تهتكهم وجهلهم ونقصهم من وجوه تبطل كونهم أهل خلافة الله العظمى، وما ورد فيهم وسبق ويأتي، دع ما من طرقنا أعرضنا عنه اختصارا، فإذا بطل من سواهم تعينوا بالوجوه المعينة [وهي] كثيرة متواترة لا يسع المقام ذكرها، وفيما حصل كفاية.
الجملة السادسة: وما ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): " أهل بيتي كسفينة نوح من ركب
पृष्ठ 68
فيها نجى ومن تخلف عنها غرق " (1).
رواه الحاكم في المستدرك وحكم بصحته في المصباح.
ورواه أحمد بن حنبل في مسنده.
وروى ابن الأثير " مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من تخلف عنها زج به في النار ".
ورواه في الصواعق ومسلم، وفيه " من تخلف غرق " وفي أخرى هكذا رواه ابن المغازلي الشافعي، والسيوطي في جامعه الصغير، وكتاب الفردوس لابن شيرويه، وغيرها من سائر كتبهم، وهو مطابق لحديث " حذو هذه الأمة حذو تلك الأمم " (2) ومعلوم يقين الأهل منه (صلى الله عليه وآله وسلم) في رواية الكساء وغيرها، فهم المعصومون، وما يكون التخلف عنهم ضلال ومهلكة هم الخلفاء وراية الهدى وسبل الحق وولاة أمره.
الجملة السابعة: ما ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) بلفظ " لا يؤدي عني إلا أنا أو علي " (3) وشبهه ولا ينافي رؤساء الجيوش والقضاة غيره فهم نواب عنه (صلى الله عليه وآله وسلم)، والمراد التأدية العامة والولاية المطلقة له.
وفي ذلك الترمذي و [أبو] داود في صحيحهما في حديث طويل (4)، وفي
पृष्ठ 69
مسند أحمد بن حنبل في حجة الوداع وفيه " علي مني وأنا منه " في حديث طويل (1)، وفي تفسير براءة من تفسير الثعلبي (2)، وعن الحافظ أبي نعيم (3)، وابن الأثير في الكامل (4) ومناقب ابن المغازلي بعدة طرق (5) وفي تفسير الكشاف (6) ومطالب السؤال لابن طلحة الشافعي وعن تفسير السيوطي (7) وغيرها من كتبهم، ومن راجع تعين عنده إرادة الخلافة العامة لأنها عادة [عربية]، وحاشى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو لا ينطق عن الهوى، نعم أمر الأول بقراءة أول سورة براءة عن الله لتبين عدم كونه أهلا لها لئلا يقول بعض أخذته العادة ورجح ابن عمه، ثم عزله بعلي لذلك.
كما أنه بين كونه خليفة قولا وفعلا في عدة مواضع، وكذا عكسها في غيره (8) فتفطن.
وصراحة أحاديث الأصل في كونه الخليفة بعده بلا فصل ظاهرة، فهو منه أحق بها وأولى وهو المؤدي عنه فيما قل وجل، وغيره أبواب لبابه، ومعلوم أنه لا يخرج من المدينة شئ ولا يصل إليها، ولا يتوصل إلا من الباب، وهو بابها كما
पृष्ठ 70