शहीद तआस्सुब
شهداء التعصب: رواية تاريخية وقعت أكثر حوادثها في فرنسا على عهد فرنسوا الثاني ملك فرنسا المتوفى سنة ١٥٦٠م
शैलियों
فافتض «نيكول» أختام بعض هاتيك الزجاجات، وذاقها مرارا وتكرارا ليعدل في الحكم لها أو عليها، ويبدي رأيا صالحا في جودتها أو رداءتها، فتمشت الخمر في مفاصله، ودبت في عظامه وأوصاله، ومما لا ريب فيه أن العم «ماروك» كان يفعل فعله، لو أتيح له أن يحل محله، أو لا يموت قبله.
فقضى نيكول أياما ثمانية وهو شعبان ريان، نئوم، ممتلئ البدن لحما وشحما، طيب العيش، متناس هموم دنياه ومتاعب حياته. إلا أنه بعد طول البحث وفرط التنقيب في كل مكان من ذلك الفندق لم يجد سوى ريالات عشرة تسرب إليها الفناء بالإنفاق وصارعها البلى، فالاضمحلال رويدا رويدا، وهكذا راحت سكرته وجاءت فكرته.
فكان أول ما فكر به هو أن يبيع البيت الموروث، لكنه ما لبث أن ذكر مبيته فيما مضى تحت القبة الزرقاء، فأنفت نفسه عودا غير أحمد إلى ما كان فيه من الضنك والتشرد وسوء الحال، فعقد نيته على حفظ الميراث والحرص على الفندق أو البيت.
وبعد ذلك بأسبوعين رفع فوق الباب عنوانا عليه هذه الكلمات: «فندق حملة السلاح».
فلم يتهافت عليه أحد من العملاء، ولم يقبل إليه أحد من القصاد؛ إذ يستحيل أن يزهد المسافرون من التجار أو المسافرات من الغيد الحسان في فنادق مدينة نانت، وهي الفخيمة الأنيقة الزاهية الزاهرة، ويبادروا إلى فندق «حملة السلاح» وموضعه من البلد أقصى ضواحيها على ضفاف نهر اللوار.
إلا أنه لم يطل الزمن حتى نشأت لذلك الفندق البعيد مكانة عند العاشقين ورجال الجندية. يؤمه الأولون هربا من أعين الرقباء والحساد، ويقصده الآخرون لأنه أفضل مكان للمبارزات الخفية والمشاجرات.
ولم يكن عدد أولئك القصاد كثيرا، إلا أنهم على قلتهم كانوا يدفعون الأجرة الكبيرة ولا يساومون.
فلما كان مساء اليوم الثامن من شهر فبراير (شباط) سنة 1560 ونيكول يتأهب لإغلاق أبواب فندقه، متذمرا من سوء حالته وقلة توفيقه، شاكيا حرمانه منذ أسبوعين، طرق سمعه وقع حوافر جواد، وما لبث أن رأى فارسا طويل القامة قد وقف ببابه وصاح: ألا يوجد أحد في هذا المكان؟
فلم يجب نيكول، بل بقي واقفا وراء الباب يحقق النظر إلى القادم، وتلك كانت عادته؛ أي إنه لا يفتح الباب لأحد إلا بعد أن يرقب حركاته وسكناته.
ولعله سر بذلك الفحص والتأمل؛ لأنه فتح الباب ورفع قبعته مسلما وقال للفارس: أرجو عفوا من مولاي، وعذرا عن تأخري، فقد كنت مشغولا عنه في بستاني.
अज्ञात पृष्ठ