शहीदों की याद में विज्ञान और परायापन
ذكرى شهداء العلم والغربة
शैलियों
ومن الأمم التي أراد الله لها النهوض في القرن العشرين أمتنا المصرية، فقد اندفعت في سبيل نهضتها الحديثة، تترنم بأناشيد الحياة، وتتطلع إلى تراث آبائها وأجدادها بروح ملؤها الإقدام والهمة. ولم تجد عدة لجهادها السلمي في سبيل حياتها خيرا من انتجاع موارد العلم الصحيح، وإرسال البعثات تلو البعثات تترى إلى منابعها في أوروبا، متتبعة في ذلك سنة منهض مصر العظيم المغفور له محمد علي باشا الكبير، الذي أزهرت رياض التعليم في عصره، وأينعت ثمارها بفضل يقظته وإقدامه، وبذله بسخاء على الإرساليات التي كان يوجهها إلى الغرب، وبفضل التعليم الإجباري المجاني الذي كان يساق إليه أبناء مصر من كل فج فيقبسون من نوره ليرشد بلادهم إلى طريق الحياة. وقد أثمرت مجهوداته تلك فكانت القوة والمنعة، والثروة التي لا تزال مصر راتعة في بحبوحتها إلى اليوم، وصارت في أيامه غنية بمصنوعاتها ومواردها. ولم يكن يعوزها شيء سوى أن تبعث بالطلبة ليرتشفوا من منهل كل فن وعلم، حتى إذا ما عادوا سلمت إليهم مقاليد الأمور، فكانوا من أشد العوامل على رقي الأمة.
وكنت ترى في البلاد كل شيء يسير في طريق النمو، فكان لمصر مدارس تفيض أنوار علومها، ومعامل تخرج منسوجاتها وعدة جيشها، وأسطولا يصون شواطئها، وجيشا يحمي ذمارها، فكان في البلاد حاجتها من الأطباء والمهندسين والمشرعين، بيد أن صعوبة المواصلات في ذلك العهد كانت سببا لعدم استمتاع سائر أنحاء القطر بما تتمتع به القاهرة والإسكندرية. وكان للوجه القبلي نصيب ضئيل من التعليم، ولم يكن يفد على القاهرة منه غير بعض الطلبة الذين كانوا يقبلون على المراكب النيلية إلى الأزهر الشريف للتزود من العلوم الدينية التي كان قاصرا عليها.
وظلت الحالة العلمية في البلاد تسير ببطء بعد عهد المغفور له إسماعيل باشا الخديو، الذي أسس مدرسة الأنجال التي كان التعليم فيها وقفا على أبناء الذوات والأعيان، ولم يكن لأبناء الفقراء غير الحسرة على حرمانهم من ذلك المورد العذب.
وانحطت حالة التعليم بعد ذلك انحطاطا مريعا لولا أن عني بعض الذوات بإرسال أبنائهم إلى أوروبا، وتضاعف الاهتمام بذلك حوالي عام 1908، ومنذ ذاك الوقت أخذت أنوار النهضة العلمية الحديثة تشع في أنحاء البلاد، وأخذ أعيان الريفيين يبعثون بأبنائهم، وينفقون في سبيل تعليمهم بسخاء حتى أصبحت البلاد ملأى بحملة الإجازات العلمية والدبلومات الدالة على النبوغ والتفوق. وكان أبناء مصر في بلاد الغرب مثال الذكاء والنشاط والاستعداد الفطري، حتى حازوا عاطر ثناء أساتذة كليات أوروبا وجامعاتها. وها هم اليوم أبناؤنا الذين عادوا إلينا يؤدون لمصر أجل الخدمات، ويبثون في نفوس ناشئتها روح النهوض والعلم الصحيح.
إن للشرق من تاريخه القديم ومجده الذائع الذي لم يقو الحدثان على إخفاء معالمه، ما يجعل أهله يرفعون برءوسهم تيها وإعجابا، وأبناء مصر أولى الشرقيين بذلك. وتاريخ مصر مفعم بصفحات الفخر، وحسبنا أن يكون آباؤنا القدماء أصحاب اليد الطولى على العلم، وحسب بلادنا أن تكون منهلا عذبا للواردين. وهذه عملية تحنيط جثث الموتى تشهد بذلك، فقد عجز علماء الغرب عن الوقوف على حقيقتها بعد إجهاد القرائح وكدها، مع تعرفهم ببعض مواد كثيرة من عناصر التحنيط. وهذا الهرم الأكبر يدل على تقدمهم في فن البناء، وما يستلزمه من العلوم الفلكية والهندسية، لأن وضعه يدل على المهارة الفائقة، وعلى سعة العلم وبلوغ العقل المصري مبلغا عظيما من التفوق والإحكام.
وهناك أيضا غير الهرم قصر «لابيرانتا» بالفيوم والكرنك بالأقصر وقصر أنس الوجود والعاديات والجعل الدقيقة الصنع التي تملأ دار الآثار في مصر وفي أوروبا، وكلها تدل على مدنية أجدادنا وحضارتهم.
ولم يكن ذلك فقط، بل كان للمصريين من الفتوحات وقهر الأمم ما يدل على قوة جيوشهم، وحسن عنايتهم بتنظيمها وتدريبها وإعداد عدتها، ولا ننسى الأساطيل المصرية التي كانت تخوض في أيامهم عباب بحر الروم وقد وصلت في عهد رعمسيس الأكبر إلى المحيط الهندي.
وكانت مصر في عهدها القديم ينبوع حكمة وفلسفة، استقى منها فلاسفة اليونان وحكماؤهم، وأطلق عليهم بذلك - وبغير إنصاف - آباء الفلسفة ومعلموها الأولون، وكان أساتذتهم المصريون أحق منهم بذلك وأجدر.
وكانت المرأة المصرية أيضا موضع احترام الرجال، وكانت حائزة لجميع حقوقها، وقد تولت الأمر وتربعت على دست الحكم، وكان لها النهي والأمر. ومما يدل على رقيها المدهش أن أحد علماء العاديات في إنجلترا حمل إحدى الموميات إلى لوندرا من مصر، ولما فض تابوتها واطلع على أوراق البردي الموضوعة مع جثتها وقرأها عرف من تاريخ حياتها أنها كانت من أعضاء نقابة «صناع الفطير». ومن هذا يتبين لنا أن المصريين سبقوا الغربيين في تأسيس النقابات وفي تقديس مركز المرأة في الهيئة الاجتماعية، وغير ذلك مما لم يصل علمنا إليه.
فنحن إزاء نهضتنا اليوم لتحصيل العلم إنما نعيد سيرة آبائنا الأولين، وسنرد مجدنا القديم الذي طويت صحائفه وكاد يودي به تأخرنا وتقاعدنا، وتركنا حبل شئون الحياة على غاربها.
अज्ञात पृष्ठ