ولا بد لنا أن نفهم أن هذه القلة من شعراء اليهود العرب مع ذلك ما هي إلا أثر من كثير أشبه بالأمة الإسرائيلية نفسها، فقد كانت أكبر منها اليوم، وما بقي فبقية.
فكما ناوأ الدهر وقومه اليهود مضايقة ومطاردة واعتداء بالقتل وغيره، أصاب منهم ذلك شعراءهم بالجملة.
وكأني هنا بحضرة الأستاذ الفاضل طه حسين وهو يقول: «إن لليهود في الأدب العربي أثرا كبيرا جنى على ظهوره ما كان بين العرب واليهود.»
والشعراء في كل أمة ليسوا بالعدد الذي يوصف بالكثير، ومن باب أولى الأمم الصغيرة بالنسبة إلى غيرها كأمة بني إسرائيل.
وليس اليهود أقل من غيرهم تحليقا في سماء الخيال وتصويرا للمعاني تصويرا فنيا جميلا، إن لم نقل إنهم قد يمتازون عن كثيرين غيرهم من الأمم الراقية في كثير من المواهب العقلية.
يضاف إلى ذلك ما يغلب على الظن من أن اليهود في بلاد العرب كانوا - كما قال الأستاذ أبو ذئيب - على غير اتصال بإخوانهم في البلاد الأخرى إلى أن بادوا وبادت آثارهم معهم.
وما كان لأمة مضطهدة كبني إسرائيل يعمل السيف في رقابهم ظلما وعدوانا، ويعتدى عليهم في دورهم اعتداء، ويجلون عن مساكنهم إجلاء - ما كان لأمة كهذه أن يكون لها في مثل هذه الخطوب إفاقة فكرية، فتهتم بجمع ما يكون لديها من قصائد أو أبيات لشعرائها تأخذها معها حين الجلاء.
وما كان ليعني أمة أخرى غالبة لليهود على أمرهم أن تحتفظ بذكر ما لهم من شعراء أو بما لشعرائهم من أشعار.
وما حفظ التاريخ لهم مع ذلك ما حفظه على لسان غيرهم إلا لحادثة مشهورة تغلب الدهر على نسيانها كالسموأل، أو لأن الشاعر أسلم مثلا كابن سهل، ولم نر فيما حفظه لشعرائهم في الجاهلية إلا اليسير القليل، ولا يجوز أن يكون كل ما لهم.
واضطهاد الأمم لليهود لا يحتاج إلى بيان أو تدليل، بل يمكن أن يقال إن ما ذكر اليهودي إلا وذكر معه الاضطهاد إلى عهد قريب.
अज्ञात पृष्ठ