وأما السنة فما رواه عبدالرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله في الثنوية من المجوس ((سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير آكلي ذبائحهم ولا ناكحي نسائهم)) ووجه الاستدلال بذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استثنى من السيرة في اليهود والنصارى مما يتعلق بالمجوس أكل الذبائح ونكاح النساء، فلولا أن ذلك جائز وداخل في أحكام اليهود والنصارى لما استثناه النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه يكون تغريرا وتلبيسا؛ لأن حقيقة الاستثناء أن يخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخوله تحته، فلولا أن السيرة فيهم قد دخل تحتها جواز أكل الذبائح لكان قد أوهم ذلك وأغرا باعتقاده، وذلك لا يجوز عليه صلى الله عليه وآله وسلم فثبت بذلك الركن الأول.
وأما الركن الثاني: وهو أن ذلك إنما جاز في اليهود والنصارى لكونهم أهل كتاب فالذي يدل على ذلك أن الحكم وهو جواز أكل الذبيحة يثبت بثبوت هذه العلة التي هي كونهم أهل كتاب ويزول بزوالها، وليس هناك ما يتعلق الحكم به أولا، إما أنه يثبت بثبوتها فظاهر النص في الآية يدل عليها، وإما أنها يزول بزوالها، فالذي يدل على ذلك أن الكافر متى لم يكن كتابيا لم يجز أكل ذبيحته كذبيحة الوثني، والمجوسي، والحربي المستأمن، وإن شارك كل واحد منهم الكتابي في كونه عاقلا ومكلفا، وإنسانا وذميا عدا في الحربي المستأمن، ومعلوم أن ذبيحة هؤلاء غير جائزة فلم يبق إلا أن تكون العلة هي كونهم أهل كتاب فيثبت بذلك الركن الثاني.
पृष्ठ 78