ومما يشكل من أن الصوت هل هو شىء موجود من خارج تابع لوجود الحركة أو مقارن أو إنما يحدث من حيث هو صوت إذا تأثر السمع به فإنه لمعتقد أن يعتقد أن الصوت لا وجود له من خارج وأنه يحدث فى الحس من ملامسة الهواء المتموج بل كل الأشياء التى تلامس ذلك الموضع بالمس أيضا يحدث فيه صوتا، فهل ذلك الصوت حادث بتموج الهواء الذى فى الصماخ أو لنفس المماسة، وهذا أمر يصعب الحكم فيه، وذلك لأن نافى وجود الصوت من خارج لا يلزمه ما يلزم نافى باقى الكيفيات الأخرى المحسوسة لأن هذا له أن يثبت للمحسوس الصوتى خاصية معلومة هى تفعل الصوت، وتلك الخاصية هى التموج، فيكون نسبة التموج من الصوت نسبة الكيفية التى فى العسل إلى ما يتأثر منه فى الحس، لكنه يختلف الأمر هاهنا لأن الأثر الذى يحصل من العسل فى الحاسة ومن النار فى الحاسة هو من جنس ما فيهما، ولذلك فإن الذى يحس الحرارة قد يسخن أيضا غيره إذا ثبت فيه الأثر، وليس الصوت والتموج حالهما كذا فإن التموج شىء والصوت شىء، والتموج يحس بآلة أخرى وتلك الكيفية لا تحس بآلة أخرى، وليس يجب أيضا أن يكون كل ما يوثر أثرا ففى نفسه مثل ذلك الأثر، فيجب أن يتعرف حقيقة الحال فى هذا، فنقول مما يعين على معرفة أن العارض المسموع له وجود من خارج أيضا أنه لو كان إنما يحدث فى الصماخ نفسه لم يخل إما أن يكون التموج الهوائى يحس بالسمع من حيث هو تموج أولا يحس، فإن كان التموج الهوائى يحس بالسمع - لست أقول يحس بلمس آلة السمع - حسا من حيث هو تموج فإما أن يحس به أولا أو بتوسط الصوت، فلو كان يحس به أولا والمحسوس الأول بالسمع هو الصوت وهذا مما لا يشك فيه كان التموج من حيث هو تموج صوتا، وقد أبطلنا هذا، ولو كان يحس به بتوسط الصوت لكان كل من سمع الصوت علم أن تموجا كما أن كل من أحس لون المربع والمربع بتوسطه علم أن هناك مربعا، وليس كذلك، وإن كان إنما يحس باللمس عرض أيضا منه ما قلنا، فإذن ليس بواجب أن يحس التموج عند سماع الصوت، فلنظر ما يلزم بعد هذا فنقول إن الصوت كما يسمع يسمع له جهة، فلا يخلوا إما أن تكون الجهة تسمع لأن الصوت مبدأ تولده ووجوده فى تلك الجهة ومن هناك ينتهى، وإما لأن المنتقل المتأدى إلى الأذن الذى لا صوت فيه بعد أن يفعل الصوت إذا اتصل بالأذن ينتقل من تلك الجهة ويصدم من تلك الجهة فيخيل أن الصوت ورد من تلك الجهة، وإما للأمرين جميعا، فإن كان لأجل المنتقل وحده فمعنى هذا هو أن المنتقل نفسه محسوس فإنه إذا لم يشعر به كيف يشعر بجهة مبدئه، فيلزم أن يحس بالسمع عند إدراك جهة الصوت تموج الهواء، وقد قلنا إن ذلك ليس بواجب، وإن كان لأجلهما جميعا عرض من ذلك هذ المحال أيضا، وصح أن الصوت كان يصحب التموج، فبقى أن يكون ذلك لأن الصوت نفسه تولد هناك ومن هناك انتهى، ولو كان الصوت إنما يحدث فى الأذن فقط لكان سواء أن سببه عن اليمين أو اليسار، وخصوصا وسببه لا يحس به، وهاهنا مؤثر مثل نفسه قد لا يدرك جهته لأنه إنما يدرك عند وصوله فكيف ما لا حدوث له إلا عند وصول سببه فقد بان أن للصوت وجودا ما من خارج لا من حيث هو مسموع بالفعل بل من حيث هو مسموع بالقوة، وأمر كهيئة ما من الهيئآت للتموج غير نفس التموج،
पृष्ठ 86