ثم الجنسية عرض في هذه الطبيعة موجود فيها وجود الشىء في موضوع. وأما الجنس فقوله على ما يقال عليه من هذه الطبيعة، أعنى على ما يخصصه به الشرط المذكور، ليس هو قول العرض على المعروض له، بل قول المركب من العرض والحامل على الموضوع له، أي ليس قول البياض على الإنسان، بل قول الأبيض على زيد. ولو كان الشئ الذي يقال عليه الجنس مما يقال على الإنسان، لم يكن يمنع كون الجنس بهذه الصفة من أن يقال على الإنسان؛ وهذا تعلمه مما يلي هذا الموضع. وبالحقيقة إن هذا يرجع إلى أن الطرف الأكبر يحمل على بعض الوسط وعلى البعض الذي لايحمل على الطرف الأصغر. ويجب أن تعتبر " المقول على " و " الموجود في " في هذه الأمثلة كليا، فإنك إذا جوزت الجزئى حتى يكون الطرف الأكبر على بعض من الواسطة، لم يجب فى اتفاق القولين ب على أن يقال الطرف الأكبر على الأصغر، فإن الناطق يحمل على بعض الحيوان ب على، والحيوان يحمل على كل فرس ب على؛ وليس يلزم أن يحمل الناطق على الفرس ب على؛ ولو اتفق أن كان بدل الجنس شئ آخر،هو على حكم الجنس وصفته، من حيث العموم، وكان يحمل على الواسطة، ماكان يمنع كونه غير ذاتى أن يحمل على ماتحت الواسطة. فإن اختلفت نسبة الطرف، الذى هو مكان الحيوان، ولنسمه الطرف الأكبر إلى الواسطة، الذى هو كالإنسان، ونسبة الواسطة إلى الطرف الآخر، الذى هو مكان زيد، ولنسمه الأصغر، وكان الطرف الأكبر مقولا على الأوسط، والأوسط موجودا فى الأصغر، فإن الجواب المشهور فيه عن المفسرين جوابان: أحدهما أنه لايحمل على الآخر ولا فى الآخر، ومثالهم أن اللون محمول على الأبيض حمل المحمول على الموضوع والأبيض محمول على الطائر المسمى ققنس حمل المحمول فى موضوع. قالوا: واللون لايحمل على ققنس حمل " على " ؛ لأنه ليس من طريق ماهو، ولاحمل " فى " لما يقولون. قال بعضهم ماهذا لفظه: ولا أيضا يقال عليه حمل المحمول فى الموضوع، أعنى أنه ولا باسم يسمى ققنس. فهذا التشويش سبق إلى وهمه من قولهم: إن المقول " على " يعطى اسمه وحده، والموجود " فى " لايعطى حده بل اسمه، أنه يجب فى كل موضع أن يعطى اسمه، لا أن معناه أنه ربما اتفق أن شاركه الموضوع فى اسمه، حتى إذا كان عرض من الأعراض كالفلسفة، موجودا فى موضوع، أى فى النفس ولم تسم النفس فلسفة، أو عرض آخر لجوهر آخر فلم يسم مثلا الحجر صلابة، أو التفاحة رائحة، لم يكن ذلك الشئ عرضا، أو كان طبائع الأشياء تتغير بأن يجرى فى العادة فى أن يعطى اسمها وحده، دون معناها، أمورا أخرى؛ ألا يجرى ذلك فى العادة؛ حتى إذا لم يعقد اصطلاح " فى " على تسمية الأمور بأسماء أمور ليس لها حدودها، من غير أن أوجب ذلك مشاركة فى الحدود، صارت لذلك أشياء أخرى.
وأما الجواب الآخر فهو مارام رائم أن يصلح ما قاله هذا فقال: إن الحق فى بعض المواضع ما قال هذا؛ وفى بعض المواضع قد يحمل،كما يقول، الأبيض على أبيض ما،لأنه ذاتى، وأبيض ما موجود فى بيضانى ما، ثم يقال للبيضانى إنه أبيض. فليت هذا القائل نفسه درى أنه يعنى بالأبيض البياض أو الشئ ذا البياض؛ فإنه إن عنى به البياض، كان كإنه قال: البياض يقال على بياض ما، وبياض ما موجود فى البيضانى، ثم البياض موجود أيضا فى البيضانى. وهذا لايفارق ذلك المثال؛ فإن اللون موجود أيضا فى البيضانى وإن عنى بالأبيض شيئا ذا بياض كان الأبيض موجودا فى البيضانى على رأيه، إذ يرى أنه وصف عرضا؛ فما أورد على أصله مثالا مخالفا لمقتضى ما أورده من يتشكك على كلامه. فأما نحن فنقول؛ إن الأول يكون على كل حال موجودا فى الثالث؛ فإن الشئ، إذا كان فيه اللون الأبيض، كان فيه جميع الأمور التي تقال على اللون قولا كليا، ويوصف بها اللون وصفا عاما؛ وإلا كان في ذلك الشئ بياض ولم يكن فيه لون، وكان ذلك البياض ليس بلون؛ فلم يكن حمل اللون على البياض كليا، بل أى شى وجدت فيه طبيعة عرض من الأعراض فتوجد فيه طبائع الأمور التي يوصف بها ذلك العرض وصفا كليا. ولكن إذا كان ذلك المعنى مما يقال على العرض وعلى موضوعه، إن أمكن أن يكون ذلك المعنى شيئا عاما لموضوع ما وعرضا فيه، فيجوز أن يقال ذلك على موضوعه، لامن جهة العرض، بل الذى من جهة العرض لايقال عليه.
पृष्ठ 59