126

فإذن الجنس الرابع لا مضادة فيه. فإذا كانت إحدى المتضادتين من الكيفية، فالأخرى التى ينازعها الموضوع بالتعاقب لا بد من أن تكون من الكيفية، فإن تلك أيضا تكون هيئة قارة غير منسوبة، تعاقب هذه تلك. ويتبين لك. ههنا، هذا بالاستقراء كالبياض والسواد، والحرارة والبرودة، وغير ذلك. ولما كان لأنواع من الكيف أضداد، يستحيل الموضوع من بعضها الى بعض إنسلاخا من كيفية منها ، وتلبسا بالأخرى ، فتلك الأنواع من الكيفية تقبل الاشتداد والتنقص مثل الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة. فأن كان تقبل الأزيد والأنقص، فإن حرارة نجدها أزيد من حرارة، وبرودة نجدها أزيد من برودة؛ وهذا دأب جميع الأضداد التى بينها وسائط، التى ليس زوال الموضوع عن أحدهما، مقارنا لوجود الآخر، بل ربما خلا من الطرفين ألى الوسط، فهذه الواسطة فى حكم أنها محدودة بحد الوسط، لا تقبل التشدد والتنقص كالعدالة التى هى متوسطة بين إفراطين، والصفة التى هى متوسطة بين إفراطين، إلا أن هذه المتوسطات إذا قرنت بالمادة واعتبرت فى الأشخاص، لم يعتبر توسطها الحقيقى، فإن ذلك غير مدرك إلا بالحد. فما قارب ذلك الحقيقى، ولم يخرج إلى الطرفين خروجا يعتد به، ويظهر أثره ظهورا فاحشا، فإنه يعد فى الواسطة. فلذلك قد تكون عدالة زيد أشد من عدالة عمر، وإن كانت العدالة المطلقة ليست أشد من عدالة أخرى، فإنها واحدة لا تقبل الأزيد والأنقص وهكذا حال الصحة، التى هى توسط ما، فى المزاج وفى هيئة التركيب، بين أمور زائدة وناقصة، فإن الصحة المطلقة واحدة لا تقبل الاشتداد والتنقص، لكن قد تكون صحة أصح من صحة، وذلك بحسب اعتبار صحة زيد وصحة عمرو.

وأما الأمور التى لا أضداد لها، فإنها لا تقبل الأكثر والأقل، كالمربع، والمثلث، وغير ذلك. ولو أنها كانت تقبل التزيد والنقص، لكان التربيع يتوجه فى النقصان إلى ضد، إذا أمعن صار إليه، وكان ذلك بعيدا فى طباعته عن التربيع، ومشاركا له فى المادة، يعاقبه، فكان ضدا له. ومع هذا، فإن التربيع أيضا، إذا أريد قربه بالمادة، لم يتيسر إيجاد التربيع الحقيقى، بل إنما يوجد فى المادة هيئة ما هو شبيه بها، وخفى عند الحس مخالفته له، فيكون حينئذ تربيع أصح من تربيع، بحسب أنه تربيع حسى، لا تربيع حقيقى. وأما السواد والبياض والجبن والتهور والحرارة والبرودة، فليس يقع ذلك لها من جهة الحس وخطئه، بل يكون الموجودان فى المادة، كلاهما حرارتين، إحداهما أشد والأخرى أنقص، ليس كالمربع الحسى، الذى لا يكون هو بالحقيقة مربعا، بل يكون شكلا آخر، إلا أن خلافه للمربع لا يحس به؛ ولا كالعدالة، التى لا تكون فى الحقيقة عدالة، ولكنها تكون جبنا أو تهورا. إلا أن خاصية مخالفته لا تدرك حسا، وإنما يكون الشىء أكثر من شىء، بعد أن يشاركه فى الحد والمعنى بشىء يكون مع ذلك أشد وأقوى منه. فيجب أن تكون كلتا الحرارتين محرقتين، مفرقتين، لكن إحداهما أشد إحراقا. فما كان هكذا، فهو بالحقيقة قابل الأشد والأنقص، والآخر فهو كذلك عند الحس. فلذلك، لا تجد مربعين يقبلان حد التربيع بالحقيقة، ثم يكون أحدهما أشد، والآخر أنقص، بل إما أن يقبلا على السواء، وإما أن لا يكون أحدهما مربعا. ثم بعد هذا مباحث خارجة عن مبلغ الطوق المنطقى. ومن خواص الكيفية، التى لا نظن أن شيئا يشركها فيه، قبولها الشبيه وغير الشبيه، وقد بينا الحال فيه فيما سلف.

الفصل الرابع فصل (د) في حل شك يتعلق بمداخلة أنواع من الكيف وغيره، لأنواع من المضاف

पृष्ठ 130