119

وأما أن نفس السؤال بكيف أى جواب يقتضى بحسب اعتبار الأزمنة، واعتبار دوام الحال، ولا دوامها، فليس بنا حاجة الآن إلى بيانه. فيجب أن يتصور الأمر على هذه الصورة فلا يلتفت إلى من يحرم أن تكون الكيفيات السريعة الزوال صالحة للدخول فى جواب كيف. واعلم أن ذلك إنما لا يصلح للاستشعار المذكور من سؤال السائل، وليس هذا السؤال والجواب متعارفين فى الكيفيات التى من هذا الجنس فقط بل من الجنس الأول، فإن الملكات قد يجوز أن تسمى كيفيات انفعالية، والحالات انفعالات، وإن كان ذلك إذا اعتبر مع الجنس الثالث مقولا بتشابه الاسم، إلا أن لا يجعل اسم الكيفيات الانفعالية والانفعالات اسما مساويا، لا لمعنى هذا الجنس بل لمعنى أعم منه، وهو أن تكون كل كيفية بطيئة الزوال عن المتكيف بها تسمى كيفية انفعالية، وكل كيفية سهلة التغير تسمى انفعالا؛ فتكون قسمة الكيفية إلى الكيفيات الانفعالية والانفعالات ليست قسمة على سبيل التربيع، بل على سبيل التثليث. فتكون الكيفية تنقسم إلى: كيفيات انفعالية وانفعالات، وإلى أشكال وما معها. ثم الانفعالية والانفعالات تنقسم إلى هذا الجنس الثالث، وإلى الحال، والملكة. فيكون هذا الجنس من حيث خصوصيته لا اسم له، وإنما له اسم معنى أعم منه، فإن جعل هذا اسما له من حيث خصوصيته، كان وقوعه على الملكة والحال باشتباه الاسم، إذ ليس له هناك تمام حده.

ونعود فنقول، بعد ما فصلناه من اشتباه هذين اللفظين، إن من كان له مزاج غضبى يوجب خلق الغضب من أول الكون مثلا، أو كان استفاد ذلك، لا عن مزاج، بل باستعمال أفعال الغضب، حتى صار له خلق الغضب، فإنه ذو كيفية انفعالية يعنى بها الملكة على سبيل اشتراك أو على سبيل مجاز للتمثيل، أو يعنى بها معنى أعم من الملكة. والذى عرض له الغضب عن سبب زائل فليست له كيفية انفعالية، فإن كانت الكيفية الانفعالية يعنى بها الملكة، كان هذا المعنى غير مقول على الجنس الثالث إلا باشتراك الاسم؛ وإن عنى بها المعنى الأعم كان مقولا عليها بالتواطؤ؛ لكنه يكون مقولا على الجنس الثالث بمعنيين باشتراك الاسم: فإنه من حيث يجعل اسما بخصوصيته يدل على معنى، ومن حيث يعنى به المعنى العام يدل على معنى؛ والمعنيان جميعا موجودان فى الاخص، محمولان عليه. وهذا كمن يسمى عبده الأسود أسود من حيث شخصه، فيكون الأسود يقال على الواحد باشتراك الاسم من جهتين.

هذا ولا عذر لمن سمع أن الناس اجتمعوا على أن الحال والملكة نوع واحد، وكلتاهما كيفية، وسمع أن الملكات هو ذا تخص باسم الكيفيات الانفعالية والحالات بالانفعال، وسمع أن السبب فى ذلك، أنه لم تجر العادة بأن يسمى من عرض له الغضب، فى وقت ما، وحال ما، من غير دوام، وعن خلق، مكيفا بكيفية الغضب، أن يشكل عليه أن الانفعالات فى الجنس الثالث، كيفيات بالحقيقة، وإن لم تسم كيفية، بل انفعالات؛ وأن السبب الذى يوهمه أن الانفعالات ليست كيفيات يجب أن يوهمه ذلك فى الحالات، وإذ ليس يوهمه فى الحالات، فيجب ألا يوهمه ههنا أيضا، ويعلم أن هذا السلب مجازى، أعنى قولهم ليست كيفيات.

المقالة السادسة من الفن الثانى من الجملة الأولى من كتاب الشفاء

الفصل الأول فصل (أ) فى ذكر أنواع الجنس الرابع من الكيفية

أما الجنس الرابع، فقد ذكرنا أيضا أنواعه، ولم نذكر المعنى الجامع لها. والمشهور من أنواعه ثلاثة أصناف: الشكل، وما ليس بشكل، وما هو حاصل من شكل وغير شكل .

وأما الشكل، فالمشهور من أمره أنه ما أحاط به حد أو حدود؛ أما حد، فمثل ما للكرة والدائرة؛ وأما حدود، فمثل ما للمربع والمكعب. وأما الذى ليس بشكل فكالاستقامة والانحناء للخط؛ وكالتقعير والتحديب والتسطيح للبسيط. وأما الذى يحصل من شكل وغير شكل، فهو الذى يسمى صورة وخلقة، وهو الشكل من حيث هو محسوس فى جسم طبيعى أو صناعى، وخصوصا بالبصر، وذلك بأن يكون له لون ما، فيكون الشكل الملون خلقة وصورة.

فلما ذكرت هذه الوجوه الثلاثة، قيل: ويشبه أن يكون للكيفية نوع آخر فتذبذب هؤلاء الذين يشرحون. فقال بعضهم: إنه يعنى الآمور التى سميت فى الفلسفة الأولى كيفيات، التى هى الأمور المفارقة أصلا، كالمثل المظنونة، والتعليميات؛ أو كالعقول التى لا تلابس المادة.

وهؤلاء لم يشعروا بأن إطلاق اسم الكيفية على ذلك، وعلى هذه المعدودة، إنما هو باشتراك الاسم أو يشابهه. وليس حد الكيفية فى جميعها واحدا، فلا يكون ما يجمع تلك الأشياء نوعا من أنواع الكيفية زائدا على أنواع الكيفية المذكورة.

وقال آخرون إن ذلك هو الثقل والخفة، مع أنهما عندهم وعند غيرهم من جملة ما سلف ذكره. فأما هؤلاء وغيرهم، إما أن يجعلوه من جنس القوة واللاقوة، وإما أن يجعلوه من جنس الانفعاليات والانفعالات. ومع هذا فإن جميعهم قد توخى فى القسمة التربيع، حتى جزم أن لا كيفية خارجة عن الأجناس الأربعة، وذلك هو الحق؛ ثم شك فى نوع خامس. فتأمل حال هؤلاء واضطرابهم.

पृष्ठ 123