ويجب ههنا أن نتذكر ماسلف من قولنا إن الماء مثلا، ليس كونه ماء هو كونه أسطقسا، وليس كونه أسطقسا هو كونه جزءا من العالم، وله قياس إلى تقويمه العالم وله قياس إلى تقويمه المركب. ومن حيث هو ماء يجب أن يكون فى طباعه أن يرجحن، وأن يكون باردا رطبا إذا لم يعق، ومن حيث هو جزء من العالم فالأنفع له الثقل المحصل له فى حيزه الطبيعى، وهو الأعون له على استكمال معنى كونه جزءا من العالم. ومن حيث هو جزء من المركب وأسطقس فلا يعين فيه الثقل الذى له، ولا الخفة التى له، اللذان بهما تصير، إلى موضعه، كل المعونة؛ بل كأنهما يناقضان مناقضة ما للمنفعة المطلوبة فى الأسطقس من حيث هو أسطقس عند كونه أسطقسا إنما يكون الأولى به مفارقته لمكانه الطبيعى، ومصيره إلى مشابكة أضداده؛ بل إنما يكون الأنفع له والأعوان إن كان ماء، أن يكون باردا رطبا يفعل بهما وينفعل، حتى يستفيد المزاج. وإن كان نارا فضد ذلك، وهو أن يكون حارا يابسا. وأما ثقل ذاك وخفة هذا فقليلا النفع أو مضادا النفع فيما يحتاج إليه فى المزاج؛ لأنهما يدعوان إلى التباين والتأنى، لا إلى الاجتماع والتلازم، ولا لهما فى الاجتماع تأثير فى المجتمع سار فيه. وكذلك إن كانت من الكيفيات كيفيات، مثل الثقل والخفة، لا تقع فى الفعل والانفعال، فلا تكون داخلة فى الفصول التى بها تصير الأجسام البسيطة أسطقسات من حيث تصير أسطقسات.
ثم إن الكيفيات المنسوبة الى اللمس مختلفة المراتب. فليس كلها فى درجة واحدة؛ بل بعضها أقدم من بعض. ويشتمل على جملتها هذا التعديد؛ وذلك أن الكيفيات الملموسة هى الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، واللطافة والغلظ، واللزوجة والهشاشة والجفاف والبلة، والصلابة واللين، والخشونة والملاسة.
واللطف يقع على معنيين: أحدهما رقة القوام، والآخر قبول القسمة إلى أجزاء صغيرة جدا. والغلط يقابلهما ويشبه أن يكون التخلخل مشابها للطيف بالمعنى الأول، إلا أن التخلخل يستدعى معنى زائدا على الرقة، وإن كان تابعا لها، حتى تكون الرقة تدل عليه دلالة الملزوم.
والتخلخل يدل عليه دلالة المتضمن. وذلك لأن التخلخل هو اسم واقع على معنيين. أحدهما: أن تكون المادة انبسطت فى الكم مترققة .فيتضمن هذا المعنى مع الرقة إزدياد حجم، وتكون فيه إضافة إلى شىء آخر، أو غير يكون أصغر حجما. وأما الآخر فكالماء للهواء. أما الغير فكالماء الواحد لنفسه، إذا كان أشد تكاثفا فصار أشد تخلخلا، ولو لم تكن هذه الإضافة لكان الأولى بالمعنى اسم اللطافة والرقة.
पृष्ठ 150