فهكذا ينبغى أن يعقل أمر النمو. والمنمى هو الغذاء. وهو غذاء ومنم. وهو غذاء من جهة ما هو شبيه بالشىء بالقوة يقوم بدل ما يتحلل منه. وهو منم من جهة ماله مقدار يزيد فى مقدار النامى. والغذاء هو الذى يقوم بدل ما يتحلل بالاستحالة إلى نوعه. فقد يقال له غذاء، وهو بعد بالقوة مثل الحنطة. وقد يقال له غذاء إذا لم يحتج إلى غير الالتصاق والانعقاد فقط، وقد حصل له التشبه فى الكيف. وقد يقال له غذاء، وقد غدا وصار لحما. والغذاء تتم منفعته فى كونه غذاء بأن يتشبه ويلتصق، فأنمى بدل ما يتحلل. فإن لم يتشبه كمادة البرص، كان غذاء، لا فى كمال أحواله. وإن تشبه ولم يلتصق كمادة الاستسقاء الزقى لم يكن غذاء بالفعل نافعا فى كمال أحواله؛ بل يجب أن يتشبه ويلتصق معا، حتى يغذو غذاء طبيعيا.
والغذاء الأول، أعنى التشبه بالقوة هو جوهر لا محالة. فإنه يستحيل أن يكون غير الجوهر جوهرا بالقوة. ويجب أن يكون جوهرا غير ممتنع عن إن يكون له مقدار طبيعى، وإلا لم يتكون عنه جسم طبيعى. فلا يخلو إما أن يكون ذلك له بالفعل عند ما هو شبيه بالقوة، أو يكون بالقوة. فإن كان بالقوة فهو هيولى مجردة، ويستحيل قوامها إلا مقارنا لصورة جسمانية .فهى، إذن ، تكون مقارنة لصورة جسمانية، وتلك الصورة الجسمية تزول عند قبولها هذه الصورة.
ولا نطول الكلام فى بيان أن تلك الصورة تكون صورة جسمية له، لا لغيره، وإلا كان مع هذه الهيولى هيولى أخرى فى صورة واحدة، وصار جسمان فى جسم، وغير ذلك.
فليس إلى ذلك للمحصلين حاجة؛ بل يكفينا أن نعلم أن تلك الهيولى، لما قارنها صورة جسمية، قبل هذه، فقد كانت الجسمية موجودة لها قبل، وكان الشبيه بالقوة جسما بالفعل، ولا يجوز أن يكون الجسم الكلى العام؛ فإن ذلك لا وجود له إلا فى الوهم؛ بل هو جسم ما شخصى. فغذاء كل جسم شخصى، ومبدأ إحالة الغذاء موجود فى المغتذى؛ لأن القوة المشبهة موجودة فيه؛ ومبدأ النمو، وهو الذى يلصق بالنامى ما هو يزيد فى كميته، هو أيضا فى النامى. لكن كمية الغذاء شىء يصير أيضا كمية المغتذى أكبر. فهو أيضا مبدأ للنمو، وهو فى الغذاء.
पृष्ठ 145