وقد علمت كيف يستحيل دهن البلسان فى دفعة واحدة نارا. وليس ذلك إلا باستحالة ما فيه من العناصر. والحطب إذا كان رطبا عصى النار، فاجتمع منه دخان كثير هو الأجزاء العاصية منه. وإذا كان يابسالم يجتمع منه شىء، إو كان قليل الاجتماع بالنسبة إلى ما يجتمع من الرطب. وليس يمكن أن ينسب هذا إلى أن الأجزاء الأرضية فى الرطب أكثر، فالثقيل الذى يصعد بالقصر فيه أغزر، فإنه ربما كان اليابس اثقل، ويكون ما يندخن منه وما يترمد جميعا أقل؛ بل المائية عسرة الاستحالة إلى النار لشدة المضادة، ومانعة لما يقارنها من الاستحالة، والأرضية اليابسة أشد استحالة إلى النارية ولو كانا لا يستحيلان معا؛ بل يتصعدان فقط لكان الدخان عنهما واحد إذا جمع. فأذن فإذن الدخان فى أحدهما أقل، مع انه ليس فى الترمد أكثر. فقد استحال ما فيه من الأرضية إلى غير الأرضية، ولا غالب هناك إلا النار، فقد استحال إلى النارية.
وظاهر بين من هذا وما أشبهه بأن هذا، إذا لم يكن على سبيل الكمون، ولا على سبيل الاجتماع والافتراق، لم يكن إلا على سبيل الاستحالة فى الجوهر. فالعناصر يستحيل بعضها إلى بعض. والمركبات قد تستحيل ما كان من هذا النوع إلى نوع آخر. كالحنطة تستحيل دما، والدم يستحيل عظما ودماغا وغير ذلك.
فما كان من هذه الجملة يبقى نوع الجوهر من حيث هذا المشار إليه ثابتا، كالماء يسخن وهو ثابت بشخصه فهو استحالة. وما كان لا يبقى نوعه عند تغيره، كما ضربناه من المثل، فهو فساد.
فالكون المطلق هو الكون الجوهرى، والكون المفيد كقولهم كان أبيض أو كان أسود فهو استحالة؛ أو شىء آخر من التغييرات التى ليست فى الجوهر وهذا شىء بحسب المواضعة.
وقد كان بعضهم يرى كون اشرف الاسطقسين وأكثرهما وجودية عن أحسنهما كونا مطلقا وعكسه كونا مقيدا. وقد رأوا أيضا آراء أخرى لا حاجه بنا إلى اقتصاصها ونقضها فإن إضاعة...... من التبذير.
ثم لا يجوز أن يكون كون الجرم واقعا عن لا جرم. فأنك تعلم أن ما يكون عنه الجسم لا يكون إلا الجوهر المادى والجوهر المادى لا ينفرد مجردا.
पृष्ठ 124