الذي بالإرادة والاختيار فلأن ذلك ظاهر وأما الذي ليس بالإرادة والاختيار فلأن ذلك الفعل إما أن يصدر عن ذاته أو يصدر عن شيء مباين له جسماني أو عن شيء مباين له غير جسماني. فإن صدر عن ذاته وذاته تشارك الأجسام الأخرى في الجسمية وتخالفها في صدور ذلك الفعل عنها فإن في ذاته معنى زائد على الجسمية هو مبدأ صدور ذلك الفعل عنه، وهذا هو الذي يسمى قوة؛ وإن كان ذلك عن جسم آخر فيكون هذا الفعل عن هذا الجسم بقسر أو عرض، وقد فرض لا بقسر من جسم آخر ولا عرض. وإن كان عن شيء مفارق فلا يخلو إما أن يكون اختصاص هذا الجسم بهذا التوسط عن ذلك المفارق هو بما هو جسم، أو لقوة فيه، أو لقوة في ذلك المفارق. فإن كان بما هو جسم، فكل جسم يشاركه فيه، لكن ليس يشاركه فيه. وإن كان لقوة فيه فتلك القوة مبدأ صدور ذلك الفعل عنه، وأيضا إن كان قد يفيض من المفارق وبمعاونته، أو لكونه المبدأ الأول فيه. وأما إن كان لقوة في ذلك المفارق فإما أن تكون نفس تلك القوة توجب ذلك، أو اختصاص إرادة. فإن كان نفس القوة توجب ذلك فلا يخلو أن يكون إيجاب ذلك عن هذا الجسم بعينه لأحد الأمور المذكورة، ويرجع الكلام من رأس. وإما أن يكون على سبيل الإرادة، فلا يخلو إما أن تكون تلك الإرادة ميزت هذا الجسم بخاصية يختص بها من سائر الأجسام، أو جزافا وكيف اتفق. فإن كان جزافا كيف اتفق لم يستمر على هذا النظام الأبدي والأكثري، فإن الأمور الاتفاقية هي التي ليست دائمة ولا أكثرية، لكن الأمور طبيعية دائمة وأكثرية فليست باتفاقية. فيبقى أن يكون بخاصية بها يختص من سائر الأجسام، وتكون تلك الخاصية مرادا منها صدور ذلك الفعل، ثم لا يخلو إما أن يراد ذلك لأن تلك الخاصية توجب ذلك الفعل، أو تكون منه في الأكثر، أو لا توجب ولا تكون منه في الأكثر. فإن كان يوجب فهو مبدأ ذلك. وإن كان في الأكثر، والذي في الأكثر - كما علمت في الطبيعيات - هو بعينه الذي يوجب لكن له عائق لأن اختصاصه بأن يكون الأمر أكثر يكون بميل من طبيعته إلى جهة ما يكون منه، فإن لم يكن فيكون لعائق، فيكون الأكثري أيضا في نفسه موجبا إن لم يكن عائق، ويكون الموجب هو الذي يسلم له الأمر بلا عائق وإن كانت تلك الخاصية لا توجبه ولا تكون منه في الأكثر، فكونه عنه وعن غيره واحد، فاختصاصه به جزاف، وقيل إنه ليس بجزاف. وكذلك إذا قيل: إن كونه صاحب تلك الخاصية أولى، فمعناه أن صدوره عنها أوفق. فهو إذن موجب له أو ميسر لوجوبه، والميسر إما علة بالذات وإما بالعرض، فإذا لم تكن أخرى بالذات غيره فليس هو
पृष्ठ 90