تأخرا، فإن معرفة ذلك من المهمات في أمر معرفة التقدم والتأخر، وعلى أن القوة والفعل نفسه من عوارض الوجود ولواحقه، والأشياء التي يجب أن تعلم حيث تعلم أحوال الموجود المطلق.
الفصل الثاني (ب) فصل في القوة والفعل والقدرة والعجز وإثبات المادة لكل متكون.
إن لفظة القوة وما يرادفها قد وضعت أول شيء للمعنى الموجود في الحيوان، الذي يمكنه بها أن تصدر عنه أفعال شاقة من باب الحركات ليست بأكثرية الوجود عن الناس في كميتها وكيفيتها، ويسمى ضدها الضعف، وكأنها زيادة وشدة من المعنى الذي هو القدرة، وهو أن يكون الحيوان بحيث يصدر عنه الفعل إذا شاء، ولا يصدر عنه إذا لم يشأ، التي ضدها العجز. ثم نقلت عنه فجعلت للمعنى الذي لا ينفعل له وبسببه الشيء بسهولة، وذلك لأنه كان يعرض لمن يزاول الأفعال والتحريكات الشاقة أن ينفعل أيضا منها، وكان انفعاله والألم الذي يعرض له منه يصده عن إتمام فعله. فكان إن انفعل انفعالا محسوسا قيل له: ضعف وليست له قوة، وإن لم ينفعل قيل: إن له قوة. فكان أن "ينفعل" دليلا على المعنى الذي سميناه أولا قوة. ثم جعلوه اسم هذا المعنى حتى صار كونه بحيث لا ينفعل إلا يسيرا يسمى قوة، وإن لم يفعل شيئا. ثم جعلوا الشيء الذي لا ينفعل البتة أولى بهذا الاسم، فسموا حالته من حيث هو كذلك قوة. ثم صيروا القدرة نفسها - وهي الحال التي للحيوان، وبها يكون له أن يفعل، وأن لا يفعل، بحسب المشيئة، وعدم المشيئة، وزوال العوائق - قوة، إذ هو مبدأ الفعل. ثم أن الفلاسفة نقلوا اسم القوة، فأطلقوا لفظ القوة على كل حال تكون في شيء هو مبدأ تغيير يكون منه في آخر من حيث ذلك آخر، وإن لم يكن هناك إرادة، حتى سموا الحرارة قوة لأنها مبدأ التغيير من آخر في آخر بأنه آخر. حتى أن الطبيب إذا حرك نفسه أو عالج نفسه وكان مبدأ التغيير منه فيه، فليس ذلك فيه من حيث هو قابل للعلاج أو الحركة، بل من حيث هو آخر، بل كأنه شيئان: شيء له قوة أن يفعل، وشيء له قوة أن ينفعل، ويشبه أن يكون الأمران منه مفترقين في جزءين. فيكون مثلا المحرك في نفسه، والمتحرك في بدنه، وهو المحرك بصورته والمتحرك في مادته. فهو من حيث يقبل العلاج غير لذاته من حيث يعالج.
पृष्ठ 85