فصل في شكوك تلزم ما قيل وحلها
ونحن فقد آثرنا في هذا البيان أن نحاذي المذكور منه في التعليم الأول في المقالة الموسومة بألف الصغرى، ثم على هذا الموضوع شكوك يجب أن نوردها ثم نتجرد لحلها. فمن ذلك، أن لقائل أن يقول: إن المعلم الأول لم يستوف القسمة في كون الشيء من شيء آخر، لأنه ذكر ذلك على وجهين: أحدهما، كون الشيء عن آخر يضاده، وبالجملة الكون الذي على سبيل الاستحالة. والثاني، كون الشيء المستكمل عن المتحرك إليه والذي في طريق الكون. وهذا غير مستوف للقسمة، لأن كل ما يكون عن الشيء يكون أولا على وجهين، وهو أنه لا يخلو: إما أن يكون الأول المكون منه هو على وجود ذاته لم يبطل منه شيء، ولم يفسد إلا معنى الاستعداد أو ما يتعلق به. وأما أن يكون الأول إنما أمكن أن يكون منه الثاني بزوال شيء من الأول. والقسم الأول لا يخلو: أن يكون عنه الشيء، وقد كان مستعدا" فقط، فخرج إلى الفعل دفعة من غير سلوك. أو يكون قد كان مستعدا فقط فخرج إلى الفعل بحركة متصلة كان فيها بين الاستعداد الصرف وبين الاستكمال الصرف. فيكون الكائن في القسم الأول ينسب أنه كان عن حالة واحدة، كقولنا: كان عن الجاهل بأمري كذا عالم. والكائن في القسم الثاني ينسب أنه كان تارة عن حالة سالكا، كقولنا كان من الصبي رجل، وتارة عن حالة مستعدة فقط كقولنا: كان عن المنى رجل، فإن اسم الصبي هو للمستعد أن يستكمل رجلا، وهو في السلوك، واسم المنى للمستعد أن يكون إنسانا لا بشرط أن يكون في السلوك. فقد ترك المعلم الأول من الأقسام ما كان استكمالا"، وكان الكون منه غير منسوب إلى الحركة نحو الاستكمال. وأيضا فإنه ليس كل خروج عن استعداد صرف إلى فعل استكمالا، فإن النفس تعتقد الرأي الخطأ فيخرج إلى الفعل فيه من القوة، ويكون ليس على سبيل الاستكمال، ولا أيضا على سبيل الاستحالة. وأيضا" فإن العناصر تتكون منها الكائنات فتكون مستحيلة عند الامتزاج غير فاسدة في صورها الذاتية على ما علمت، فيكون المزاج غير كائن فيها لزوال ضد المزاج بل عدمه فقط، فيكون هذا القسم ليس
पृष्ठ 171