فصل في تعريف الفصل وتحقيقه
والفصل أيضا يجب أن نتكلم فيه ونعرف حاله. إن الفصل بالحقيقة ليس هو مثل النطق والحس، فإن ذلك غير محمول على شيء إلا على ما ليس فصلا له، بل نوعا مثل اللمس للحس على ما علمت في موضع آخر، أو شخصا مثل حمل النطق على نطق زيد وعمرو. فإن أشخاص الناس لا يحمل عليها النطق ولا الحس فلا يقال لشيء منها أنه نطق أو حسن، لكن يشتق له من أسمائها اسم. فإن كانت هذه فصولا فهي فصول من جهة أخرى، وليست من الجهة التي هي أقسام المقول على كثيرين بالتواطؤ. فالأولى أن تكون هذه مبادئ الفصول لا الفصول، فإنها إنما تحمل بالتواطؤ على غير أشخاص النوع التي يقال إنها فصولها. وذلك لأن النطق يحمل على نطق زيد ونطق عمرو بالتواطؤ، والحس يحمل على البصر والسمع بالتواطؤ. فالفصل الذي هو كالنطق والحس ليس هو بحيث يقال على شيء من الجنس، فليس الحس ولا النطق حيوانا البتة. وأما الفصل الذي هو الناطق والحساس فالجنس بالقوة هو، وإذا صار بالفعل صار نوعا. وأما كيف ذلك فقد تكلمنا فيه وبينا أنه كيف يكون الجنس هو الفصل وهو النوع في الوجود بالفعل وكيف تفترق هذه بعضها من بعض. وان النوع بالحقيقة شيء هو الجنس إذا صار موصوفا بالفعل، وأن ذلك التميز والتفريق هو عند العقل، فإذا احتيل وفصل وتميز في الوجود في المركبات صار الجنس مادة والفصل صورة، ولم يكن الجنس ولا الفصل مقولا على النوع. ثم من الشكوك التي تعرض على هذا الكلام، بل على وجود طبيعة الفصل ما أقوله: إنه من البين أن كل نوع منفصل عن شركائه في الجنس بفصل. ثم ذلك الفصل معنى أيضا من المعاني، فإما أن يكون أعم المحمولات، وإما أن يكون معنى واقعا تحت أعم المحمولات. ومحال أن يقال: إن كل فصل هو أعم المحمولات. فإن الناطق وأشياء كثيرة مما يجري مجراه ليس مقولة ولا في حكم مقولة، فيبقى أن يكون واقعا تحت أعم المحمولات وكل ما هو واقع تحت معنى أعم منه فهو منفصل عما يشاركه فيه بفصل يختص به، فيكون إذن لكل فصل فصل، ويذهب هذا إلى غير النهاية. والذي يجب أن يعلم حتى ينحل به هذا الشك أن من الحمل ما يكون المحمول فيه مقوما لماهية الموضوع، ومنه ما يكون أمرا لازما له غير مقوم لماهيته كالوجود. وأنه ليس يجب أن يكون كل معنى يكون أخص ويقع تحت معنى أعم، إنما ينفصل عن شركائه فيه بفصل في العقل، هو معنى يغاير ذاته وماهيته وإنما يجب ذلك إذا كان ما يحمل عليه مقوما لماهيته فيكون كالجزء في العقل والذهن لماهيته،
पृष्ठ 115